الخيارات والتوجهات الفلسطينية لمواجهة حكومة نتنياهو

أسئلة كثيرة يطرحها المراقبون حول الخيارات والتوجهات الفلسطينية للتعامل مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة بأغلبية يمينية متطرفة، وبرئاسة بنيامين نتنياهو، انطلاقًا من أن المراهنة فقط على عامل الزمن لم يعد مجديًا في ظل ممارسات حكومة الاحتلال على الأرض، فيما يتعلق بالاستيطان والتهويد وفقًا لآليات مختلفة.

مركز رؤية للتنمية السياسية في اسطنبول، ومن خلال استقراء رأي شخصيات سياسية وأكاديمية متعددة، يبحث في الإجابة عن عدد من التساؤلات، وهي: ما توقعات السلطة الفلسطينية من هذه الحكومة؟ وكيف يمكن أن يكون شكل العلاقة ما بين حكومة نتنياهو والسلطة الفلسطينية؟ وإلى أي مدى يمكن أن تذهب حكومة نتنياهو بإجراءات على الأرض لإضعاف السلطة الفلسطينية؟ وما شكل هذه الإجراءات؟ وما هي الخيارات أمام السلطة الفلسطينية لمواجهة حكومة نتنياهو؟ وهل يمكن أن يكون هناك موقف عربي وإقليمي مساند للسلطة الفلسطينية في هذا الإطار؟ وما التوجهات المتوقعة للسلطة نحو البيت الداخلي الفلسطيني، مع الفصائل والتنظيمات الأخرى سواء داخل منظمة التحرير أم خارجها؟

يمكن تلخيص آراء الخبراء فيما يأتي:

  • تدرك قيادة السلطة الفلسطينية أن حكومة نتنياهو لن تمنح الفلسطينيين أية حقوق، ولكن هناك رهان على أن مستقبل هذه الحكومة سيكون قصيرًا.
  • تستند استراتيجية القيادة الفلسطينية في التعامل مع حكومة نتنياهو على عاملين؛ الأول المظاهرات والاحتجاجات داخل المجتمع الإسرائيلي، وبالتالي إمكانية سقوط الحكومة. أما الثاني، فهو خارجي مرتبط بالضغوط التي يمكن أن تمارسها أمريكا وبعض الأطراف على الحكومة الإسرائيلية؛ للتراجع عن مخططاتها، وفي الحالتين، فالمراهنة هنا على عامل الزمن.
  • تتعدّد الخيارات الفلسطينية لمواجهة حكومة نتنياهو، لكنها بحاجة إلى إرادة سياسية، وتوحيد للموقف والبيت الفلسطيني.
  • يُتَطلَّب من الفصائل الفلسطينية التعامل بإيجابية مع أي مبادرة للحوار، حتى وإن كانت إعادة إنتاج للقاءات سابقة، فبقاء الحوار بالحد الأدنى في هذا التوقيت يمثّل رافعة مهمة.
  • يعدّ استمرار حراكات وإضرابات الاتحادات النقابية إضعافًا للتماسك الوطني، فلا بد من إيجاد صيغ مقبولة لإنهائها، سعيًا لتعزيز الواقع الداخلي الفلسطيني.
  • يجب العمل على تحسين وتوطيد العلاقات الفلسطينية العربية، وخاصةً مع الدول المركزية مثل مصر والأردن والسعودية، في ظل المساعي الإسرائيلية لتعزيز عمليات التطبيع.
  • تطوير المقاومة الشعبية وفقاً لما اتفق عليه الأمناء العامّون للفصائل الفلسطينية.
  • لا يُتَوقَّع أن تتخذ السلطة الفلسطينية مسارًا مغايرًا لما اعتادت عليه، فهي تعلم أن الولايات المتحدة وإسرائيل، وحتى الأنظمة العربية، لن ترحب بأي مسار خارج عن إرادتهم، خاصة أن ذلك من شأنه أن يهدد مصالح قيادات السلطة الفلسطينية.
  • لا يُتَوقَّع أن يقوم الاحتلال بإجراءات تهدف إلى إنهاء السلطة، بل سيعمل على التوازن بين وجود شكل ما للسلطة، وبين ضمان كونها ضعيفة ومرهونة له.

وفيما يلي النص الكامل لمشاركات الخبراء:

أ. عباس زكي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح

باعتقادي أن هناك إدراكًا فلسطينيًا بأن حكومة نتنياهو ذاهبة إلى أقصى حدّ بالتطرف، فهي حكومة ضم للأرض، وتسعى إلى إحلال ديموغرافي مكان السكان الأصليين، من خلال رفع مسمى “يهودية الدولة”، وبالتالي ممارسة عمليات القتل بحق الفلسطينيين.

وإذا نظرنا إلى الممارسات الإسرائيلية الممنهجة، يتضح لنا كيف أنها تسعى، دون شك، إلى حالة إضعاف ممنهج للوجود الفلسطيني وللقيادة الفلسطينية؛ فالإسرائيليون لا يرون سوى أنفسهم، وليس لهم صديق، ولا ينظرون إلينا إلا كأدوات لتنفيذ رؤيتهم، وقد وقعنا في هذا الفخ للأسف منذ توقيع اتفاق أوسلو.

أما خيارات القيادة الفلسطينية فهي كثيرة، ولكنها تحتاج إلى إرادة، وبتقديري فإن أسهل وأسرع هذه الخيارات هو التوجه الداخلي الفلسطيني، من خلال إعلان الوحدة الوطنية، وترتيب البيت الفلسطيني، حيث يساهم ذلك في تعزيز أي خطوات للمواجهة، فالانقسام الحالي يعزز الفجوة، ويمتد لكل شيء حتى للفصائل نفسها، ويمنح إسرائيل مزيدًا من الوقت للتفرد، والعمل على التوسع في السيطرة على الأرض.

أما الخيار الثاني، فهو اعتماد برنامج للمقاومة يرتكز على كل الإنجازات التي تحققت، ويسدّ كل الطرق أمام أي محاولة تفرد بالحالة الفلسطينية، أو الضغوط التي قد تمارس عليها.

فيما يتعلق بالحالة العربية والإقليمية، فإنه لا مستقبل للقضية الفلسطينية سوى بالانفكاك التدريجي عربيًّا عن أمريكا، للحد من تأثيرها ودعمها للاحتلال الإسرائيلي، ما يعزّز موقف القضيّة الفلسطينيّة.

أ. خالدة جرار، عضو القيادة السياسية للجبهة الشعبية

باعتقادي، جميعنا يعلم أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ليست خارج إطار مفهوم السياق الاستعماري، ولا تختلف كثيرًا عن باقي الحكومات الإسرائيلية، صحيح أنها تمتاز بأنها أكثر فاشيةً وتطرّفًا، ولكنّها تبقى ضمن المفهوم الاستعماري الاحتلالي. وهي في نظرتها للسلطة الفلسطينيّة تنطلق من البحث عن وكيل أمني ينفذ الأوامر لتعزيز مصلحتها المتمثلة في بقاء وجودها، وهي بالتالي لا تنظر للسلطة ككيان سياسي له حقوقه. وانطلاقًا من ذلك، أعتقد أن حكومة الاحتلال غير معنيّة بإنهاء وجود السلطة الفلسطينية بقدر إضعافها؛ لممارسة الضغوط عليها وتنفيذ ما تريده، وبالتالي المصلحة الإسرائيلية تتمثل في وجود شكل ما للسلطة، لكن دون سيادة أو دور سياسي.

المطلوب فلسطينيًا، الذهاب إلى استراتيجيات مكرّرة تم الاتفاق عليها سابقًا، ولكنّها بذات الوقت ضرورية ويجب العمل على تطبيقها، ويتمثّل ذلك في عدد من النقاط:

أولًا: إنهاء حالة الانقسام السياسي الفلسطيني، والانطلاق باتجاه تعزيز الوحدة الوطنية.

ثانيًا: عدم المراهنة على أي شكل من أشكال إعادة العلاقة مع الاحتلال، كتلك المراهنة على تغيير الحكومات الإسرائيلية سابقًا، والمراهنة على قمة العقبة مؤخرًا، أو أي لقاءات أخرى يتم تأميل القيادة الفلسطينية بها مستقبلًا.

ثالثًا: تعزيز الوضع الداخلي الفلسطيني حيث باتت الفجوة تتسع بين القيادة والشعب، وبالتالي المطلوب اليوم حماية الناس وليس ملاحقتهم، وهذا يدفعنا للمطالبة بقيادة وطنية يكون همها تعزيز الحالة الداخلية وليس تفتيتها.

أمّا على مستوى العلاقة العربية والإقليمية، فيتوجب إعادة ترتيب شكل العلاقة السياسية وعدم الإبقاء على الشكل التقليدي، فالعلاقة مع الشعوب ثابتة، ولكن يبقى هناك ضرورة لإعادة تفعيل مفهوم التحالفات التي يمكن أن تعزز القضية الفلسطينية وتدافع عنها، وهذا الأمر ينطبق أيضًا على شكل العلاقة والتحالفات مع الدول الغربية والأوروبية التي تتغير بتغير الظروف والمصالح، وبالتالي يجب أن نكون أكثر وعيًا وإدراكًا لها.

أ. تيسير نصر الله، عضو المجلسين الوطني الفلسطيني والثوري لحركة فتح.

واضح أن هناك رفضًا فلسطينيًا لمكونات الحكومة الإسرائيلية الحالية، وقد سعت السلطة في البداية بعدم التعاطي الرسمي معها، على عكس الحكومة التي سبقتها برئاسة لبيد، حيث كان هناك بعض نقاط الالتقاء معها بالرغم من نهجها في عمليات القتل والتدمير، إلا أنه كان من الممكن أن يكون هناك حديث سياسي.

بدأت حكومة نتنياهو عملها بعملية إشعار واضحة لجميع الخطوات المتبناة، والبدء بتنفيذها على الأرض، وبالتالي تسعى القيادة الفلسطينية للاستفادة من أمرين: الأول داخل إسرائيل، المتمثل في الحراك الرافض لقرارات الحكومة، وبالتالي المراهنة على إمكانية تقصير عمرها أو الضغط عليها لتغيير توجهاتها، والثاني المجتمع الدولي الذي يحاول الضغط عليها، وعدم التعاطي مع بعض وزرائها وهو ما يعني إمكانية التأثير عليها.

كان من ضمن خطوات السلطة الفلسطينية المتبناة الذهاب لمجلس الأمن، لكن التراجع عن هذه الخطوة يدلل أن القيادة الفلسطينية أمام خيارات محدودة، ومعنية في الحفاظ على علاقة مع الإدارة الأمريكية الحالية، وعدم قطع العلاقات معها لبقاء استمرارها في المشهد السياسي، وهذا ربما ما جعل السلطة الفلسطينية تعطي الإدارة الأمريكية فرصة تغيير إيجابية لصالح الفلسطينيين.

أما فيما يتعلق بالخيارات الوطنية والداخلية، فباعتقادي أن الحوار الذي أطلقه الرئيس أبو مازن في الآونة الأخيرة لم يلق استجابة من قبل بعض الفصائل وفي مقدمتها حركة حماس، وبالتالي هذا ينعكس على ضعف الحالة الداخلية. البعض قد يقول جربنا قبل ذلك ولا نتيجة من حوار داخلي؟ لكن أنا باعتقادي الحوار الفلسطيني مهم، وسيؤتي أكله في يوم من الأيام، وعلى جميع الفصائل الفلسطينية ألا تضيع هكذا فرصة.

هناك إشكال داخلي آخر يجب أن يحل في هذا التوقيت، وهو الحراكات والإضرابات الاتحادات النقابية، حيث يجب أن يكون هناك صيغة للخروج من هذا المأزق بهدف تعزيز الواقع الداخلي الفلسطيني؛ لأن استمرار مثل هذه الإشكاليات يضعف التماسك الداخلي.

النقطة الأخرى، هي المقاومة الشعبية، إذ لا بد أن يكون هناك تفاهم واتفاق فلسطيني حولها، بما في ذلك الأدوات والتكتيكات والمرجعية والآليات والهدف الذي نود تحقيقه من خلالها.

وفيما يتعلق بالحالة الإقليمية والعربية، يجب العمل على تحسين وتوطيد العلاقات أكثر، خاصّةً مع الدول المركزية، مثل مصر؛ والأردن؛ والسعودية. فمثلًا، يحاول الاحتلال الآن سحب الوصاية الهاشمية الأردنية عن المسجد الأقصى، وبالتالي يمكن استثمار ذلك لتعزيز العلاقة مع الأردن وتوطيدها بشكل أكبر. كذلك الحال مع السعودية، فهي دولة لها عمق وأثر سياسي، وصاحبة المبادرة العربية للسلام، وبالتالي إذا ما خسرناها ضمن محاولات توسيع التطبيع الذي يقوم به الاحتلال سنخسر دولة مهمة ومساندة، لذلك من الضروري أن نعي كل هذه التفاصيل حتى نستطيع التعامل مع حكومة الاحتلال الحالية.

د. بلال الشوبكي، رئيس قسم العلوم السياسية، جامعة الخليل

باعتقادي أن ما يمكن توقعه من حكومة نتنياهو الحالية هو المزيد من الاستيطان والتهويد، ولا أظن أن السلطة الفلسطينية لديها أي أمل في تحقيق تقدم مع حكومة الاحتلال ملف التسوية السياسية، وكل ما يجري الآن هو عبارة عن انتظار فلسطيني لنتائج التحركات داخل الكيان الإسرائيلي، وبالتالي الأمل فلسطينيًا أن تكون التغيرات من داخل إسرائيل، الأمر الذي يعفيها من البحث عن الخيارات للمواجهة.

أما ما يتعلق بشكل العلاقة المتوقعة، فمن حيث المنظور السياسي حتى الآن، فإنّه لا يوجد علاقة، ولكن من خلال القراءة للعلاقة التي دشنتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مع السلطة الفلسطينية، فهي علاقة تقوم على البعدين الاقتصادي والأمني. وبالتالي إذا ما تم وقف العلاقة الأمنية، فإن العلاقة الاقتصادية ستبقى. وهي علاقة إجبارية بحكم الأمر الواقع، وباعتقادي لا يمكن أن يكون هناك تشخيص لعلاقة سياسية لأن الاحتلال لا ينظر إلى السلطة الفلسطينية كدولة.

وحول سعي حكومة الاحتلال لإضعاف السلطة الفلسطينية، باعتقادي، الاحتلال الإسرائيلي أنهى خيار حل الدولتين، ولم يعد حلًا قابلًا للتطبيق. عدا عن أنّ إسرائيل أفقدت السلطة الفلسطينية ورقة الضغط بخصوص وقف التنسيق الأمني، إذ لم تعد هذه قضية حساسة إسرائيليًا، لأن الاحتلال يمارس أعماله الأمنية والعسكرية بأريحية؛ سواء أكان هناك تنسيق أمني أم لم يكن هناك تنسيق. إضافة إلى ذلك، اتخذت السلطة الفلسطينية من نفسها موقعًا ما بين المواطن وما بين دولة الاحتلال، بمعنى أن أي شخص لديه حاجة لدى الاحتلال من علاج أو تصاريح عمل،  كان عليه التوجه للسلطة الفلسطينية أولًّا، لكن  الآن، حيّد الاحتلال هذا الدور من خلال “المنسق الإسرائيلي”، ومتوقع الاستمرار بهذا التوجه من قبل الاحتلال، وبالتالي تحويل السلطة كأنها تقوم بدور خدماتي بلدياتي ليس أكثر.

أما بخصوص الخيارات أمام القيادة الفلسطينية لمواجهة حكومة نتنياهو، فينبغي أولًا أن نتحدث عما يفترض أن يكون عليه الحال، وهو توحيد الصف الفلسطيني، انطلاقًا من رؤية وطنية فلسطينية شاملة، وهنا يمكن أن يتم تطوير بدائل وخيارات جديدة يمكن العمل عليها في الساحة إضافة للخيارات التقليدية، فمثلًا إلى جانب خيار التمسك بحل الدولتين، لابد من تنفيذ ما تم التوافق عليه فلسطينيًا، وفي مقدمته تطوير المقاومة الشعبية التي اتفق الأمناء العامون للفصائل على العمل عليها. أمّا الخيارات الفعلية للسلطة الفلسطينية، فهي عالقة بين خيارين أحلاهما مر؛ الأول الإصرار على خيار التسوية السياسية في ظل رفض إسرائيلي مستمر للجلوس على طاولة المفاوضات. الثاني: هو اللجوء إلى مؤسسات المجتمع الدولي فقط، وهذا يبدو خيارًا غير موفق، لأن السلطة الفلسطينية لم تحقق بعد الإنجازات ذات الأثر المهم التي يمكن المراهنة عليها. أما التعويل على إدارة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن، فلم يحقق نتائج هامة للفلسطينيين. ونحن مقبلون على انتخابات أمريكية أخرى قد تعيد الشعبوية لحكمها مرة أخرى. أوروبيًا، اليمين الشعبوي يصعد ويتنامى، وبالتالي الأفق على المستوى الدولي لا يمكن اعتماده مدخلًا للضغط على الاحتلال.

عربيًا، لا يوجد هناك موقف موحد تجاه الاحتلال، فبالرغم من توطد العلاقات بين دول التطبيع والاحتلال، ما زالت بعض الدول العربية داعمة للقضية الفلسطينية. وهناك محور ثالث من الدول العربية التي تعاني من مشاكلها الداخلية على حساب القضية الفلسطينية.

أخيرًا، ما يتعلق بالخيارات الداخلية، فللأسف يتم استحضار موضوع المصالحة الفلسطينية كورقة ضغط على الإسرائيليين. وباعتقادي أن موضوع التوافق الفلسطيني الداخلي لم يعد مرتبطًا برغبة السلطة الفلسطينية، بقدر ارتباطه بالتغيرات على الأرض. فهبة القدس الشعبية عام 2021، أثبتت أنه لا يوجد انقسام شعبي في مواجهة الاحتلال، ومن الضروري إعادة النظر لهذا المفهوم، فما يجري عمليًا هو عملية احتكار للتمثيل الفلسطيني من قبل قيادة فلسطينية بحاجة لإعادة تجديد الشرعيات، ولم تعد القضية قضية انقسام فتحاوي حمساوي. فداخل فتح من يجادل أن القيادة لم تعد تمثل البيت الفتحاوي، وبالتالي نحن لم نعد نتحدث الآن عن تيار مفاوضات وتيار مقاومة، وإنما نتحدث عن اختلاف رؤى في كيفية إدارة الشأن الداخلي، فما جرى خلال التحضيرات للانتخابات التشريعية التي أُلغيت في مايو 2021، يظهر الإقصاء الذي تعرضت له العديد من الأطراف الفتحاوية. وبالتالي، من لم يستطع إدارة ملف تباين وجهات النظر داخل الفصيل نفسه، كيف يمكن له أن يدير الاختلافات مع الفصائل الأخرى؟!

أ. عصمت منصور، باحث وكاتب وعضو مجلس وطني فلسطيني.

السلطة الفلسطينية ستراهن على نفس الأدوات التي راهنت عليها خلال فترات حكومات نتنياهو السابقة، وذلك من خلال الضغوط الدبلوماسية والحيل السياسية واستمرار المناشدات، معوّلة كذلك على هشاشة الحكومة الحالية وضعفها، والتحديات الداخلية التي تواجهها، خاصة أن هناك نبذًا غربيًا لها. ذلك كله يجعلنا نعتقد أنه قد يسرع في إنهاء الحكومة من الداخل. باعتقادي أن هذه الحكومة هي نتاج ما وصل له المجتمع الإسرائيلي الداخلي وهيمنة اليمين عليه، أي أنها حالة متأصلة، وليست عابرة. خاصةً في ظل محاولة اليمين استثمار وجوده لإعادة بناء المؤسسات مع ما يتلاءم مع أيديولوجيته، وبالتالي فإن السلطة الفلسطينية تأمل أن يسهم ذلك بحدوث تغيير مستقبلي.

من المتوقع أن تعمل الحكومة الحالية على إضعاف السلطة الفلسطينية، وإلغاء دورها ووظيفتها الحالية، وتحويلها لمجرد وكيل أمني، وبالتالي ستكون العلاقة متوترة، وستدار من خلال وسطاء، أو الغرفة الخلفية، لأن هذه الحكومة لن تتعاطى مع السلطة الفلسطينية بشكل مباشر.

هذا الواقع ممكن أن يتغير إذا ما كان هناك دور فعلي للإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في لجم حكومة الاحتلال، ودعم استمرارية السلطة الفلسطينية. لكن ما دون ذلك، فباعتقادي أن نتنياهو سيسعى إلى إضعاف السلطة، من خلال التصعيد على الأرض والبناء الاستيطاني والتضييق المالي، وعدم منح أي هامش من الحركة والتواصل والشرعية للسلطة الفلسطينية، وهذا سيؤدي إلى تقويض السلطة ككيان سياسي، ومن ثم إضعاف السلطة أمام شعبها.

أما الخيارات التي يمكن أن تذهب لها السلطة للتعامل مع هذه الحكومة، فإنّ أفضلها خيار تحصين السلطة والقيادة السياسية الفلسطينية من الداخل، من خلال الانتخابات والالتحام مع الشعب. صحيح أن البعض قد يعتبرها شعارات، خاصة أن السلطة لم تعودنا على ذلك، إلا أن هذا الخيار هو الحامي والضامن، وهو الخيار الذي سيمنح القيادة الفلسطينية والسلطة القوة أمام كل الجهات، أما إذا ظلّ الرهان على المواقف الأمريكية والأوروبية وعلى وساطات عربية هنا وهناك، فهذا لن يمنح الفلسطينيين أي نتيجة.

أما الموقف العربي، فهذا منوط بشكل العلاقة التي ستكون مع الاحتلال خلال المرحلة المقبلة، فإن نجح نتنياهو بتعزيز التطبيع وتوسيعه سينعكس بالطبع سلبًا على القضية الفلسطينية، وبكل الأحوال الموقف العربي سيكون مراقب للتطورات في الساحة الفلسطينية ضمن الحد الأدنى من التأثير.

د. إسلام البياري، أستاذ القانون الدولي في جامعة الاستقلال.

أعتقد أن نتنياهو يقول بشكل واضح إنه لا يريد الحل السياسي والعودة إلى طاولة المفاوضات، وبالتالي ستقتصر العلاقة مع السلطة على الجوانب الإنسانية، والعمل على تعزيز بناء المستوطنات الإسرائيلية في القدس المحتلة والضفة الغربية، وفرض السيادة الإسرائيلية على الأغوار وضم مناطق (ج) إلى دولة الاحتلال، مما يعني أن نتنياهو يريد بطريقة غير مباشرة، الاستغناء عن السلطة وإضعافها أمام المجتمع الدولي والشارع الفلسطيني.

في المقابل، أكّد الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة وفي القمة العربية في الجزائر، على خيار حل الدولتين، وقرارات الشرعية الدولية، والدعوة إلى العودة للمفاوضات تحت رعاية اللجنة الرباعية الدولية، والتمسك بحق المقاومة السلمية ضد سياسة الاحتلال.

ومن هنا قد تذهب حكومة نتنياهو إلى إجراءات عقابية ضد السلطة الفلسطينية، من خلال عدم تسليم أموال المقاصة بشكل كامل لإضعافها، وخلق أزمات إنسانية مثل توفير الكهرباء والمياه، ووضع الحواجز بشكل مستمر، وربما منع مسؤولين كبار من السفر، والاستمرار ببناء المستوطنات بشكل واسع على نطاق مدينة القدس والضفة الغربية، وربما شن حرب على قطاع غزة.

أمّا الخيارات الفلسطينية المتاحة، فهي باتجاهين؛ على الصعيد الدولي: محاولة وضع الأمم المتحدة ومجلس الأمن أمام مسؤولياته القانونية والأخلاقية، وإلزام إسرائيل باحترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإنهاء الاحتلال غير المشروع والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتطبيق مبدأ حل الدولتين، ومحاكمة المسؤولين عن الجرائم الإسرائيلية أمام المحكمة الجنائية الدولية.

أما على الصعيد الداخلي، فهناك حاجة لتطبيق قرارات المجلس المركزي الفلسطيني كافة، وفي مقدمتها فك العلاقة مع الاحتلال وعدم التعامل معه إلا عبر وسيط أممي، وتبنى برنامج وطني بالشراكة مع جميع الفصائل لتعزيز سبل المواجهة على الأرض، والتصدي للبرامج الإسرائيلية المتطرفة. وقد يكون هناك دعمًا عربيًا وهذا كان واضحًا من خلال القمة العربية المنعقدة مؤخرًا بالجزائر.

وبالتالي التوقعات المرجوة على مستوى العلاقة الوطنية الداخلية أن يكون هناك دعوة لحوار شامل لترتيب البيت الفلسطيني، والعمل على تنفيذ إعلان الجزائر، وربما يساهم هذا الحراك مجددًا بإعادة طرح تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك بها كل الفصائل.

د. أيمن دراغمة، عضو المجلس التشريعي السابق

أعتقد أن هناك فرقًا بين تصريحات قيادات السلطة وسلوكهم على الأرض، فهم يعرفون أن هذه الحكومة الإسرائيلية يمينية متطرفة وذاهبة لكسر عظم مع الفلسطينيين من خلال سياساتهم المعلنة فيما يتعلق بالأسرى والقدس والضفة، وقد أعلنت بشكل واضح أنه لا مجال لقيام دولة فلسطينية بجانب دولة الاحتلال، بالمقابل قيادة السلطة غير قادرة على مغادرة مربع السير وراء سراب الأحلام الذي تسوّقه الإدارة الأمريكية، ويساعدها في هذه المهمة كثير من الأنظمة العربية، وأعتقد أن السلطة أصبحت بين خيارين: إما الاستمرار في تنفيذ التزاماتها الأمنية، أو أن يتجاوزها الاحتلال ويجد البديل. ومن منطلق وطني مسؤول يجب أن تتخذ السلطة قرارًا شجاعًا بتغيير المسار، وإقفال الباب أمام كل الوعود الكاذبة وأن تتسلح بالمواقف الشعبية والفصائلية وموقف الشارع الفلسطيني. إنها محطة تاريخية حاسمة، فإما أن تلتحم السلطة مع شعبها في مواجهة برنامج الاحتلال وسياساته مهما كلف ذلك من أثمان، وبهذا تنتصر وطنيًا وتاريخيًا وشعبيًا. أو أن تدفن رأسها في التراب كالنعامة. أمام السلطة خيار سياسي واستراتيجي وهو أن تدعو لتشكيل قيادة موحدة تضم الأمناء العامين للفصائل، وتتحمل هذه القيادة المسؤولية عن إدارة الوضع الفلسطيني برمته، وبهذا تخرج السلطة الفلسطينية من حرج العجز وعدم القدرة على تحمّل تبعات المرحلة.

هذا الأمر يؤكده أنه ليس أمام حكومة نتنياهو إلا أن تلتزم بمتطلبات وشروط بن غفير وسموتريتش للحفاظ على بقائها واستمرارها في الحكم، ونتنياهو يتطلع شخصيًا إلى هذه الحكومة كطوق نجاة للحفاظ على مستقبله السياسي، أو على الأقل لضمان عدم محاكمته، في المقابل لا يوجد ما يعيق ذلك من وجهة نظرهم سوى نضال الشعب الفلسطيني، ويحاول الاحتلال التصدي له، والوضع الإقليمي يوفر بيئة تساعد هذه الحكومة للمضي قدمًا في برنامجها.

لا أتوقع موقفًا رسميًا عربيًا مساندًا، فالمواقف العربية عادة لا تتجاوز عقد اجتماع لجامعة الدول العربية، وإصدار بيانات شجب وإدانة، وتقديم مساعدات مالية محدودة للسلطة، في الوقت الذي تواصل معظم الأنظمة القريبة علاقاتها مع الاحتلال، وتشجع غيرها من الدول على اللحاق بركب التطبيع مع العدو. فيما يتعلق بموقف الشعوب العربية فمع أن مواقفها الفكرية والعاطفية صادقة ومؤيدة وداعمة، إلا أنّ أحوال وواقع المنطقة لا يسمح بالمراهنة عليها لترجمة ذلك على شكل مواقف شعبية ضاغطة.

عمومًا، لا يُتوقع حدوث أي تغير نوعي في مواقف السلطة تجاه الوضع الداخلي الفلسطيني، وأتوقع مزيدًا من الانحياز نحو الذات، فالسلطة تعرف أن الاحتلال وأمريكا والأنظمة العربية سيكون عندها موقف رافض وبقوة لتغيير المسار، ولهذا هم ليس عندهم استعداد للتضحية بمكتسباتهم كأشخاص وكسلطة، والذهاب للشراكة مع فصائل المقاومة الفلسطينية التي تصنف في القاموس الأمريكي والغربي كحركات إرهابية، وعليه لن تجد من السلطة أي جدية في تغيير المسار وستحاول المناورة الإعلامية، وغير مستبعد أن يبادروا للدعوة للحوار الوطني بشكل مباشر أو من خلال وسطاء، ولكن حقيقة هم غير جادّين في ذلك، ولا يملكون اتخاذ القرار بتغيير وضع السلطة ودورها من خلال الانتخابات أو من خلال الشراكة الوطنية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى