الخيارات الفلسطينية في مواجهة خطة الضم الإسرائيلية
لتحميل الملف اضغط هنا
مع تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة باتفاق رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو و بيني غانتس، والذي تضمن، كإحدى خطواته، البدء في الأول من يوليو/تموز2020 بسعي نتنياهو لتطبيق التفاهم الذي سيتم إنجازه مع الولايات المتحدة، بفرض السيادة الإسرائيلية على ما نسبته 30% من أراضي الضفة (غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية)، ومناقشة ذلك ضمن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) والحكومة، ثم المصادقة عليه.
بات من المهم قراءة الخطوة الإسرائيلية وما قد تحمل في ثناياها من الانعكاسات ميدانيا وسياسيا وأمنيا، في المقابل شكل التحرك الفلسطيني المطلوب وطبيعته؛ لمنع تنفيذها كما تخطط إسرائيل، إضافة إلى ضرورة البحث في الخيارات التي يمكن التوجه إليها في حال الإقدام على هذه الخطوة فعليا، سواء أكان ذلك في خطوة واحدة كما يرى بعض الخبراء، أم العمل على تنفيذها عبر مراحل عدة كما يرجح الغالبية من الخبراء والمتابعين.
هذا الأمر، عزز أهمية استطلاع رأي مجموعة من الشخصيات الأكاديمية والسياسية والمثقفين، بلغ عددهم 17 شخصية[1]، تحدث إليهم مركز “رؤية للتنمية السياسية” لسبر آرائهم حول العديد من المحاور، كان في مقدمتها الخيارات الفلسطينية الممكنة لمواجهة هذه الخطوة، والتي تركزت في مجموعة من الخيارات.
أولاً: على المستوى الداخلي الفلسطيني
وحدة الصف الفلسطيني الداخلي؛ ويتمثل ذلك من خلال العمل الجاد على إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الفلسطينية انطلاقا من أهمية وحدة الموقف السياسي والعمل على الأرض، وهذا الأمر من شأنه أن يعزز فكرة الاستفادة من إمكانيات فصائل المقاومة من القوة التي راكمتها، ويمكن من خلالها تشكيل حالة ضغط على إسرائيل، أو كبح خطواتها في الضم. وكذلك يمكن تعزيز الموقف السياسي الفلسطيني أمام المحافل الدولية والإقليمية في رفض هذا الإجراء.
في المقابل إعادة الدور السياسي لمنظمة التحرير ومؤسساتها والذي تقلص منذ نشأة السلطة.
تحرك جماهيري شعبي والوصول إلى حالة العصيان المدني وترك الشأن للشارع الفلسطيني.
إعادة هيكلة الأجسام السياسية التمثيلية الفلسطينية ( م ت ف ) ومنحها وتمكينها من القيام بدورها السياسي الأصيل في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي و مخططاته.
هناك حاجة لخطوات استباقية على المستوى المحلي من خلال الانطلاق بإنشاء تجمعات فلسطينية في المناطق المهددة والأراضي المنوي ضمها، إضافة إلى تكثيف المقاومة الشعبية.
دعم صمود المزارع والمواطنين في منطقة الأغوار، ورصد موازنة لتعويضهم عن خساراتهم وكذلك لتعزيز وجودهم، إضافة إلى منح تراخيص بناء المنازل في جميع المناطق رغم تصنيفاتها وفق أوسلو لعدم ترك المساحات الفارغة أمام المستوطنين.
تعزيز صمود قطاع غزة ( بسكانها وأطرها السياسية) وذلك حتى تتمكن من لعب دور وطني مركزي أكبر في عملية مجابهة المخططات الإسرائيلية.
إعادة الاعتبار للحركة الوطنية ببرنامج سياسي اقتصادي يدعم الصمود ويوحّد الجبهة الداخلية، ويبني تحالفات إقليمية و دولية لتعزيز تكتل مواجه للسياسة الأمريكية الإسرائيلية.
الجمهور الفلسطيني لن يقبل هذه الخطوة، وقد تكون ردة الفعل الجماهيرية بعكس الكثير من التوقعات، وقد نذهب إلى حالة من الانتفاضة التي قد تعزز تغير الواقع الحالي للشأن الفلسطيني الداخلي.
ثانياً: على مستوى العلاقة مع “إسرائيل”
إعادة الحالة السياسية والميدانية إلى ما كانت عليه قبل نشأة السلطة، بمعنى التحلل التام من اتفاقية أوسلو وتحميل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن إدارة الحياة اليومية للفلسطينيين.
العمل على تنفيذ القرارات السابقة التي أقرها المجلس المركزي الفلسطيني وفي مقدمتها وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل.
ثالثاً: على المستوى الدولي
التوجه إلى المحافل الدولية وفي مقدمتها مجلس الأمن، بخطوة تسبق الخطوة الإسرائيلية، والعمل على استصدار قرار دولي وبدعم عربي وإقليمي لكبح الخطوة الإسرائيلية، ويمكن تعزيز هذه الخطوة بالتهديد الجدي بحل السلطة إن نفذت إسرائيل خطوتها.
في الخيارات القانونية يمكن التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية، لرفع قضايا تجاه سياسة الاستيطان بشكل عام، والضم هو أحد أشكال الاستيطان، وهو يدخل ضمن سلطة المحكمة الجنائية الدولية.
طرح مفهوم حل الدولة الواحدة في هذه المرحلة كخيار بديل عن حل الدولتين الذي بات غير منطقي.
ضرورة تفعيل دور الدبلوماسية الفلسطينية من خلال نقل القضية إلى المؤسسات الدولية، وتفعيل دور المجتمع الدولي ومؤسساته لمواجهة هذه المخططات، وضرورة تفعيل وتنشيط البعثات الدبلوماسية والسفارات لتعويض الخسارات الدبلوماسية السابقة.
تنسيق الموقف الفلسطيني مع الأردن كخطوة استباقية من شأنها أن تضغط على الاحتلال من خلال التهديد الأردني بوقف الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل.
القيام بخطوات تصعيدية قائمة على الانفكاك من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، وتعزيز المقاطعة للاحتلال بكل جوانبها من خلال دعم جهود ال BDS، كأداة مواجهة سلمية نضالية أثبتت نجاعتها على المستوى الدولي.
أولوية الخيارات المتاحة وأهميتها
ما طرح من خيارات أمام الطرف الفلسطيني لمواجهة الخطوة الإسرائيلية، يمكن قياسه بأوزان من خلال ما طرحه الخبراء المشاركون في هذا الاستطلاع، وهي على النحو التالي:
خيار الوحدة وإنهاء الانقسام، حاز على موقف جميع الشخصيات المشاركة بهذه القراءة بنسبة100%، إذ اعتبر توحيد الموقف الفلسطيني من الأساسيات التي يمكن أن تعزز أي خطوة أخرى في مواجهة القرار الإسرائيلي، ودون تحقيق هذا الأمر يبقى الموقف الفلسطيني ضعيفا في أي مواجهة مقبلة للخطوات الإسرائيلية.
خيار إعادة ترتيب العلاقة للمؤسسات الفلسطينية الداخلية، وإعادة الدور السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد أن تم إضعافه، وهو خيار طرحه ثلثا الشخصيات المشاركة بهذه القراءة، أي نحو 65% منهم.
أما فيما يتعلق بالحراك على الساحة الدولية والبعد القانوني، فقد طرحه جميع المشاركين بنسبة 100%.
يأتي خيار مطالبة السلطة بالذهاب إلى التحلل من اتفاقيات السلام، وحل السلطة، وكذلك تغيير في شكل العلاقة مع الاحتلال من الخيارات التي طرحت أيضا بإجماع المشاركين بنسبة 100%.
على المستوى الميداني وتعزيز دعم وصمود المواطنين، فقد حظي طرح خيار دعم المزارعين واتخاذ خطوات صمود في مواجهة الاستيطان، وكذلك تعزيز قطاع غزة، بطرح ما يزيد عن 50% من الشخصيات المشاركة.
مستوى الثقة بتنفيذ القرارات
من جانب آخر، عبر المشاركون عن مستويات ثقتهم بالخيارات المطروحة فلسطينياً، وقد كانت كالتالي:
من خلال التجارب السابقة فلسطينيا في مواجهة الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للاحتلال ونقل السفارة الأمريكية وطبيعة الموقف الفلسطيني، هذا الأمر دفع غالبية الشخصيات أن تعبر عن قلقها من عدم الذهاب بخطوات جدية فلسطينية في مواجهة خطوة الضم، وقد عبر عن ذلك قرابة 60- 70% من المشاركين.
اعتبر المشاركون وبنسبة وصلت لقرابة 100% أن هناك فجوة في ثقة الجمهور الفلسطيني بالمواقف السياسية، وبالتالي عدم التعويل على تحرك الجماهير الفعال في مواجهة الخطوة الإسرائيلية.
كما أن طبيعة التركيبة الدولية والإقليمية والظرف الصحي في ظل جائحة كورونا، جميعها عوامل تضعف الموقف الفلسطيني في مواجهة القرارات الإسرائيلية بحسب غالبية المشاركين وبنسبة تصل إلى 80%.
على صعيد الدعوة لإنهاء حالة الانقسام وتوحيد الموقف الفلسطيني، تنعدم الثقة لدى جميع المشاركين و بنسبة 100%. انطلاقا من تجارب سابقة في هذا الإطار، وكذلك من وجود ارتباطات وأجندات حزبية لدى الفصائل الفلسطينية تطغى على الهم الوطني في هذه المرحلة.
الخلاصة
وفقا للأطروحات التي قدمتها الشخصيات المشاركة برؤيتها في هذه الورقة، فإن الخيارات الفلسطينية تبدو محدودة ومحصورة في ذات الوقت بعدد من الاتجاهات سواء على الصعيد الداخلي الذاتي فلسطينيا، أو على الساحة الدولية، وكلاهما يبقى مرهونا لوجود قرار حاسم في القيادة الفلسطينية لإخراج هذه الخيارات إلى حيز التنفيذ، وأن لا تبقى ضمن أطروحات على الورق فقط.
في ذات الأمر، فإن غياب الرؤية الفلسطينية في مواجهة خطوة الضم الإسرائيلية قد يزيد من فجوة الثقة بالقيادة السياسية الفلسطينية، ليتراكم ذلك إلى جانب العديد من القرارات الصادرة عن المجلس المركزي ولم يتم تنفيذها، وهو ما يعني تراجع الدعم الشعبي والجماهيري لأي خطوات مقبلة.
أما على صعيد العلاقة مع الاحتلال، فإن عدم وجود قرار فلسطيني واضح وحاسم في المواجهة ومنع تنفيذ الخطوة الإسرائيلية في الضم، فهو يعتبر بشكل أو بآخر انتهاء للسيادة والكينونة الفلسطينية على الأرض، ويفتح المجال أمام إعادة تشكيل إسرائيل لمفهوم الدولة الفلسطينية وشكلها.
وإقليميا وعربيا فإن المشهد يبدو ضبابيا تجاه أي تحرك مؤازر للقضية الفلسطينية في ظل الظرف الحالي والإشكالات الداخلية العربية، ويبقى الموقف الأردني الأكثر قربا والمراهن عليه في طريق المواجهة لهذه الخطوة.
[1] استطاع فريق العمل استطلاع رأي عدد من الشخصيات الفلسطينية، وهذه الورقة تمثل أبرز ما ورد من آراء، وقد شارك فيها كل من:
- تمارا حداد، عضو مجلس بلدي البيرة، ناشطة مجتمعية وسياسية.
- ثامر سباعنة، ناشط سياسي ومجتمعي، باحث دراسات عليا في التخطيط والتنمية السياسية.
- رائد أبو بدوية، أستاذ العلاقات الدولية و القانون الدولي/ كلية الدراسات العليا/ الجامعة العربية الأمريكية، رام الله.
- سامر عنبتاوي، عضو القيادة السياسية للمبادرة الوطنية الفلسطينية/ ناشط مجتمعي وسياسي وكاتب ومحلل.
- سليمان الوعري، مدير مركز عبد الله حوراني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، و مدير عام العلاقات القومية والدولية في منظمة التحرير الفلسطينية سابقاً.
- سمر هواش، مديرة جمعية المرأة العاملة فرع شمال الضفة الغربية، ناشطة سياسية ونسوية ومجتمعية.
- سميرة الحلايقة، عضو مجلس تشريعي فلسطيني سابق.
- محمد أبو علان دراغمة، خبير بالشأن الإسرائيلي، وناشط مجتمعي ومدون فلسطيني.
- محمد الياس، مستشار في هيئة الجدار ومقاومة الاستيطان.
- عبد الجبار جرار، قيادي بحركة حماس وناشط مجتمعي.
- علي الأعور، أستاذ جامعي وباحث في القضايا الإسرائيلية، القدس.
- عليان الهندي، باحث في الشؤون الإسرائيلية.
- عماد أبو عواد، مدير مركز القدس للدراسات الإسرائيلية والفلسطينية.
- فارس الديك، متخصص في الشؤون الإسرائيلية، ومحاضر في الجامعة العربية الأمريكية، جنين.
- فادي جمعة، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأمريكية.
- فريد أبو ضهير، أستاذ الإعلام في جامعة النجاح الوطنية.
- نادر صوافطة، ناشط مجتمعي وسياسي.
- د. علي الجرباوي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت ووزير التخطيط السابق.
- المهندس خليل التفكجي، خبير الخرائط والاستيطان في بيت الشرق بالقدس المحتلة.
- د. نايف جراد، مدير مركز أبحاث الأمن القومي الفلسطيني.