الحريديم وتأثيرهم على التوجهات اليمينية للحكومات الإسرائيلية

ولدت دولة إسرائيل من رحم الحركة الصهيونية، التي جمّعت شمل اليهود من أنحاء مختلفة من العالم، إلا أن البعض قد يستهجن معارضة الحريديم (اليهود المتدينون المتشددون) للحركة الصهيونية رغم إنجازاتها في إقامة كيان لتجميع اليهود، تخوفًا من علمنتهم وعلمنة دولتهم (إسرائيل)، معتقدين أن إقامة دولة يهودية يجب أن تكون بالتدخل الإلهي وليس من خلال عمل بشري. (كوهن، 2012).

فبالرغم من اختلاف الحريديم في نمط الحياة وكثير من المعتقدات عن بقية الأحزاب، إلا أن ذلك لم يمنعهم من الولوج إلى عالم السياسة للدفاع عن حقوقهم وطريقة حياتهم الخاصة، حيث أصبح لهم ثقل ووزن سياسي دفع التيارات اليمينية واليسارية في إسرائيل إلى محاولة استرضائهم واستمالتهم بعد كل جولة انتخابية، ليزداد ثقلهم بشكل تدريجي، الأمر الذي ساهم في إعطائهم فرصة للمناورة والحصول على أغلب متطلباتهم للدخول في الائتلافات الحكومية، والتي كان آخرها إلغاء نقاش تجنيد شباب الحريديم في الجيش الإسرائيلي أواخر 2015، ما اعتبر في حينها رضوخًا واضحًا لرئيس الحكومة أمام متطلبات الحريديم (شومفلبي، 2011)، وبالنظر إلى الحكومات الإسرائيلية وطبيعتها الائتلافية، فقد كان لأحزاب الحريديم المساهمة الأكبر في سيطرة اليمين الإسرائيلي على غالبية الحكومات الإسرائيلية منذ ما يزيد عن عقدين.

من هم الحريديم؟

حرِيدِيم: كلمة في صيغة الجمع في اللغة العبرية ومفردها (حريد)، ومعناها كما ورد في سفر أشعيا: "مرتعب، خائف من الله"، وطائفة الحريديم هم بعض الأرثوذوكس من اليهود، والأرثوذوكس تعني الطريق المستقيم، والمقصود من التعبيرين، الأرثوذوكس والحريديم، الذين يسيرون باستقامة مع الله، لكن الحريديم، في نظر أنفسهم، أكثر استقامة من الأرثوذوكس، وتفسّر استقامتهم بالتشدّد الزائد خاصة مع المرأة في جميع شؤون حياتها (الامام، 2012). حيث يؤمن الحريديم بالانصياع الكامل لتعاليم التوراة بعيدًا عن الحداثة وتطويع الدين ليلائم العصر التي يؤمن بها التيار القومي (ابينار، 2013).

 يتميز الحريديم بالعديد من السمات، منها: إيمان يهودي ديني شامل، والتشدد في تطبيق الأحكام الدينية التوراتية، بالإضافة إلى رفض المحاكم المدنية العلمانية، وإقامة رقابة اجتماعية صارمة، ومنها الفصل التام بين الرجال والنساء. ويعتبر تعلم التوراة الهدف الأسمى بالنسبة للحريديم حيث تعمل النساء لإعالة أزواجهن المتفرغين طوال حياتهم لتعلم التوراة، ويصرون على رفض الخدمة في الجيش لكل من ينتسب للمدارس الدينية الحريدية، ويؤمنون بأن المخلص سيأتي من خلال إقامة كامل تعاليم التوراة، كما تتميز الطائفة الحريدية بالانعزال وبنمط حياة خاص كاللباس على سبيل المثال. (الموج، 2012). 

وينقسم الحريديم إلى قسمين، قسم شرقي وتمثله حركة شاس "اتحاد الشرقيين العالمي للحفاظ على التوراة"، وتأسس الحزب عام 1982، وقسم غربي وتمثله حركة يهودوت هتوراة "اليهودية التوراتية"، وتأسس الحزب رسميًا عام 1992 كاتحاد ضم أجودات يسرائيل "منظمة إسرائيل" وديجل هتوراه "عَلَم التوراة" (المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، 2015). وينشط الحزبان اليوم في الدفاع عن حقوق الحريديم من خلال تأثيرهم في الكنيست، حيث ومع مرور الزمن استطاعوا أن يحققوا نتائج أفضل في انتخابات الكنيست الإسرائيلي وهو ما أعطاهم قوة تأثير أكبر.

تطور الطائفة الحريدية في إسرائيل

عندما أُعلن عن قيام دولة إسرائيل؛ شكل الحريديم ما نسبته فقط 1.5% من مجموع السكان اليهود في الدولة، ولم يكن لدى صانعي القرار في إسرائيل أي تخوف من أي تأثير لهم على مسار اتخاذ القرارات أو فرض رؤية معينة على المجتمع، أو إرهاق لميزانية الدولة جراء ما وضعوه من شروط تتضمن توفير الدعم الكامل لهم وتوفير مناخ ديني ملائم وعدم إجبارهم على التجنيد في الجيش، ولكن مع مرور الزمن بدأت أعداد الحريديم تتزايد بشكل ملفت، حيث وصلت نسبتهم إلى 6% من مجموع السكان عام 2002، و 9.9% من مجموع السكان عام 2009 وما مجموعه 12.4% من مجموع اليهود في الدولة، ومن المتوقع أن تصل نسبتهم إلى 17.9% من مجموع السكان اليهود عام 2024 (حسون، 2014)، ومن المتوقع أن تصل نسبة الحريديم في إسرائيل في العام 2050 إلى 50% من مجموع السكان اليهود (يديعوت احرونوت، 2012).
وهذا ما يعني أن عدد الحريديم يتضاعف في كل 12 عامًا، ويعود السبب في الزيادة الكبيرة في أعدادهم إلى معدل الإنجاب المرتفع عند المرأة، فقد يصل عدد أفراد الأسرة الواحدة إلى 13 فردًا، بمعدل زيادة سنوية تصل إلى 6% (حسون، 2014)، وأيضًا بسبب ما توفره لهم الدولة من رعاية للأطفال ودعم كبير للطلاب المتفرغين لتعليم التوراة، وإعفاء من التجنيد للجيش، واعتقاد الحريديم أن كثرة الإنجاب هي مرضاة للرب وستسهم في دعم جيش المخلّص المنتظر، ومما ساهم أيضًا في هذه الزيادة الكبيرة وغير المتوقعة لأعدادهم، أن 23% من الحريديم تربوا في عائلات ليست حريدية و11% عادوا من العلمانية إلى الحريدية، مقابل ذلك فإن 0% هي نسبة العودة من الحريدية إلى العلمانية (منيف، 2010).

الحريديم وتقوية حكم اليمين

بالنظر إلى أحزاب الحريديم سواء حزب شاس الشرقي أو حزب يهودوت هتوراه فإن كلا الحزبين، يعتمدان على برامج اجتماعية من أجل تحسين واقع الحريديم، وتكاد تخلو حملاتهم الانتخابية من أي تطرق للأمن والسياسة، مع التأكيد على أن أرض إسرائيل كاملة يجب أن تبقى لليهود، فحزب شاس يرفع شعارات المساواة الاجتماعية، مع ضرورة تجميع يهود العالم في إسرائيل، وضرورة بقاء القدس يهودية موحدة للشعب اليهودي (المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، 2015)، فيما يتبنى حزب يهودوت هتوراه كذلك مبادئ اجتماعية مع التركيز بشكل موسع على القضايا الدينية، والتأكيد على ضرورة الاحتفاظ بكامل الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل (المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، 2015). 

 بالنظر إلى المشاركة في الائتلاف الحكومي لكلا الحزبين، فإن حزب يهودوت هتوراه، شارك في أربع حكومات إسرائيلية، ويعمل ممثلوه في الحكومة كنائب وزير بصلاحيات كاملة، وذلك من منطلقات دينية خاصة، واللافت للنظر أن ثلاث مشاركات للحزب كانت في الائتلافات الحكومية التي شكلها الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو، فيما شارك الحزب لمرة واحدة في حكومة برئاسة حزب العمل ولكن امتنعت كتلة يهودوت هتوراه عن تعيين أي ممثل لها في الحكومة سواء كوزير أو نائب وزير  (المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، 2015). 

   أما حزب شاس، فقد شارك حتى الآن في ثمانية ائتلافات حكومية، ثلاثة منها كانت مع أحزاب المركز واليسار، وقد انسحب من الائتلاف الحكومي الذي كان برئاسة زعيم حزب العمل ايهود باراك احتجاجًا على توجه باراك إلى كامب ديفيد، وكذلك على خلفية خلافات عميقة مع حزب ميرتس اليساري، فيما شارك حزب شاس في خمس حكومات بقيادة اليمين، (المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، 2015)، وقد صرح اريه درعي زعيم حزب شاس قبل الانتخابات الأخيرة في عام 2015 أن حزبه لن يشارك في أي حكومة يشكلها المركز واليسار، مؤكدًا إن بنيامين نتنياهو يهتم بالجوانب الاجتماعية أثناء وجود شاس فقط في الحكومة. (اتنجار، 2015) إضافة إلى ذلك فقد سرب ليبرمان ما مفاده أن هناك اتفاقًا بين بنيامين نتنياهو والحريديم، ينص على أن يكون الحريديم جزءًا من أي حكومة مستقبلية (سيجل، 2015).

  ورغم أن الحريديم أقرب من الناحية المجتمعية والاقتصادية إلى اليسار، إلا أن رفضهم للمبادئ اليسارية المتعلقة بالدين دفعهم باتجاه اليمين، فكلا الحزبين، شاس ويهودوت هتوراة، ساهما في تقوية الفكر اليميني المجتمعي، من منطلق الإيمان أن اليمين الإسرائيلي أقدر على تلبية احتياجاتهم المجتمعية والاقتصادية (كروزمان، 2015)، إضافة إلى ذلك فإن العقد الأخير  قد شهد زيادة في نسبة الحريديم اللذين دخلوا سوق العمل، ليتبنى قسم كبير منهم الفكر اليميني سواء في المجال الاقتصادي أو المجتمعي، ليسود الاعتقاد أن الحريديم باتوا يميلون باتجاه اليمين وهم في طريقهم إلى أقصى اليمين في الكثير من المجالات (كروزمان، 2015).

   إضافة إلى ذلك فقد انحسم الجدل مؤخرًا، حول الهوية الحريدية، هل هي يمينية أم يسارية، حيث باتت تظهر المجلات والصحف الحريدية، تبني الحريديم وجهة النظر اليمينية، حيث تميل تلك المجلات إلى إظهار القيادات الحريدية على أنها ذات توجه يميني (جروزمان، 2014)، لتظهر كذلك العديد من استطلاعات الرأي أن أغلبية شباب الحريديم باتوا يصنفون أنفسهم على أنهم يمينيون، (جروزمان، 2014).

يتضح مما سبق أن أحزاب الحريديم في إسرائيل سواء الشرقي منها أو الغربي، تتجه نحو اليمين في فكرها، وهي تساهم بشكل فعال في قدرة اليمين على تشكيل الحكومات الإسرائيلية، سواء بسبب تبنيها القناعات اليمينية، أو لأن اليمين أقدر على تلبية رغباتهم، فالحكومة الأخيرة برئاسة بنيامين نتنياهو تعتمد فقط على 61 عضو كنيست منهم 12 عضوًا من الحريديم، ولهذا التقارب العديد من الأسباب: 

أولاً: التقارب الفكري فيما يتعلق بالعديد من القضايا، ومنها الإيمان بأرض إسرائيل الكاملة ورفض تقسيم القدس، إضافة إلى أن بعض أحزاب اليمين هي أحزاب دينية قومية تتقاطع في العديد من القضايا مع الحريديم.

ثانيًا: رفض الحريديم لليسار الإسرائيلي وعلى وجه التحديد حزب ميرتس، لما يحمله من أفكار مناهضة للمعتقدات اليهودية.

ثالثًا: تراجع أحزاب اليسار والوسط انتخابيًا في العقد الأخير مما منح اليمين قدرة أكبر على استمالة الحريديم.

رابعًا: اليمين الإسرائيلي أقدر على تلبية متطلبات الحريديم خاصة فيما يتعلق بتأجيل مناقشة تجنيد الحريديم للجيش.

خامسًا: اجتماع اليمين الإسرائيلي والحريديم على رفض أفكار اليسار والوسط الإسرائيلي.

 

ومن المتوقع في ظل الارتفاع المتزايد في نسبة الحريديم أن تبقى الخريطة السياسية الإسرائيلية تصب في صالح اليمين، وتزيد من ضعف آمال أحزاب اليسار في العودة إلى الحكم، وهي التي لم تترأس الحكومة منذ ما يزيد على عقد ونصف.

__________________________________________________________

المراجع

اتيلا شومفلبي. (9 تشرين ثاني, 2011). ليبرمان عل حوك هجيوس: هليكود نخناع لحريديم (ليبرمان على قانون التجنيد: الليكود انصاع للحريديم). تم الاسترداد من يديعوت احرونوت:
http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4723057,00.html
المعهد الإسرائيلي للديمقراطية. (2015). شاس (شاس). تم الاسترداد من المعهد الإسرائيلي للديمقراطية: 
http://www.idi.org.il/מידע-וכלים/בחירות-ומפלגות/מפלגות/שס
المعهد الإسرائيلي للديمقراطية. (2015). يهودات هتوراة "يهود التوراة". 
بنيامين نويبرجر. (1997). همفلجوت بيسرائيل (الأحزاب في إسرائيل). تل ابيب: الجامعة المفتوحة.
دودو كوهن. (12 حزيران, 2012). ما بعتسم ههبدل بين حريديم فدتيم لؤوميم (ما الفرق بين الحريديم والمتدينيين القوميين). تم الاسترداد من ماكو:
http://www.mako.co.il/spirituality-popular_culture/weekly-answer/Article-66bcf650412e731006.htm
سامي الامام. (6 كانون أول, 2012). من هم الحريديم. تم الاسترداد من مدونة الدكتور سامي الامام:
http://samyalemam.blogspot.com/2013/12/blog-post_8415.html
شلومو ابينار. (2013). شني هعولموت يهفخو بسوف لايحاد حريديم فدتيم (العالمين سيصبحان عالمًا واحدًا، حريديم ومتدينيين). تم الاسترداد من عوتس مائير:
http://www.meirtv.co.il/site/article/?id=1839
شلومو حسون. (2014). دت فمدينا بيسرائيل تسريتيم افشرييم (الدين والدولة في إسرائيل سيناريوهات متوقعة). واشنطن: جامعة ميريلاند.
شلومي سيجل. (30 تشرين ثاني, 2015). ليبرمان نتنياهو هتحييب لحريديم شيهيو حيلك مكول ممشلا عتيديت (ليبرمان: نتنياهو تعهد للحريديم أن يكونوا جزءًا من كل حكومة مستقبلية). تم الاسترداد من كوكر:
http://www.kooker.co.il/ליברמן-נתניהו-התחייב-לחרדים-שיהיו-חלק
عمري منيف. (12 ايلول, 2010). محكار 35 مهحريديم بيسرائيل جدلوا بمشبحوت شاينن حريديوت (35% من الحريديم في إسرائيل تربوا في عائلات ليست حريدية). تم الاسترداد من nrg: 
http://www.nrg.co.il/online/54/ART2/155/435.html
عوز الموج. (25 اذار, 2012). حريديم بيسرائيل ، تمونات متساف (الحريديم في إسرائيل، صورة من الواقع). تم الاسترداد من موساد سموول نأمان: 
http://www.peopleil.org/details.aspx?itemID=30276
ماندي جروزمان. (13 تشرين اول, 2014). هحريديم متلبتيم: لهيشار بيمين او لوتت سمولا (الحريديم محتارون: للبقاء في اليمين أو التوجه لليسار). تم الاسترداد من nrg: http://www.nrg.co.il/online/11/ART2/632/427.html
ماندي كروزمان. (10 كانون اول, 2015). هإم هحريديم كابيتلستيم او سوتسيولستيم (هل الحريديم رأسماليون أم اشتراكيون ). تم الاسترداد من nrg: 
http://www.nrg.co.il/online/11/ART2/742/133.html
يائير اتنجار. (5 شباط, 2015). يورش شاس اريه ادرعي: لو نشيف بممشلات مركاز سمول (رئيس شاس اريه درعي: لن نجلس في حكومة مركز يسار). تم الاسترداد من هآرتس: 
http://www.haaretz.co.il/news/elections/1.2558732
يديعوت احرونوت. (28 مارس, 2012). تحزيت 2059 جيدول باوخلوسيات هحريديم فهزكنيم (توقعات للعام 2059، زيادة السكان الحريديم والمسنين). تم الاسترداد من يديعوت احرونوت: 
http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4209193,00.html

 

لقراءة التقرير كاملاً بصيغةPDF اضغط هنا

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى