الحرب على غزة والمطلوب فلسطينيا.. الخيارات وآليات التنفيذ
أثارت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مجموعة من الأسئلة حول الرؤية الفلسطينية المطلوبة للتعامل مع هذه الحرب، لا سيما في ظل الأطروحات التي بدأت تتصدر خطابات السياسيين الإسرائيليين والأمريكيين، وكثير من الأطراف الإقليمية والدولية.
حاول مركز رؤية للتنمية السياسية في اسطنبول، ومن خلال استقراء رأي مجموعة من الخبراء السياسيين والأكاديميين، الإجابة على السؤال التالي: ما المطلوب فلسطينيا في ظل الحرب على غزة؟ وما هي الأفكار القابلة للتطبيق؟
يمكن تلخيص آراء الخبراء بما يلي:
– ضرورة تكثيف الجهد الفلسطيني لوقف الحرب على غزة كأولوية.
– العنوان السياسي للشعب الفلسطيني وقضيته هو منظمة التحرير الفلسطينية، وليس السلطة الفلسطينية، وبالتالي يجب أن يخرج هذا العنوان من إطار الاحتكار لطرف أو فصيل، ويتحول لإطار جامع يمثل الكل الفلسطيني، بما يشمل حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
– رفض الذهاب لبرنامج مرحلي، وضرورة تشكيل موقف وطني موحد تكون منظمة التحرير هي الحاضر الرئيس فيه، بمشاركة الكل الفلسطيني، وإجهاض أي محاولات لاختطاف تمثيل الفلسطينيين وإعادتهم لمرحلة الوصاية الدولية.
– السلطة الفلسطينية، بشكلها الحالي، مقيدة بارتباطاتها السياسية، الأمر الذي جعلها على هامش أحداث الحرب، وسيجعلها كذلك في المرحلة المقبلة.
– بشكل عملي وواقعي، لا بد أن يبدأ من الآن التحضير لمرحلة فلسطينية جديدة، من خلال الذهاب إلى انتخابات شاملة تفرز قيادة سياسية جديدة بعد الحرب.
– الإصرار على تحميل المسؤولية المباشرة عن الوضع الإنساني والإغاثي في غزة، للمؤسسات والهيئات الدولية، التي من المفترض أن تمارس هذا الدور، باعتبارها أيضًا هيئات أممية أقرت حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
– ضرورة وقف الرهان على الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، الذي يتحدث عن وهم حل الدولتين، والعمل على استثمار بعض المواقف التي بدأت تخرج من هذا الإطار.
حسن خريشة، النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني سابقًا
المطلوب فلسطينيًا هو التوحد خلف المقاومة الفلسطينية، وهو المشروع الذي حقق النصر للفلسطينيين رغم الألم والمعاناة، إلا أنه لأول مرة يقدم هذا المشروع نموذجًا كسر كل المعادلات في حرب ليست فقط مع إسرائيل، بل مع أمريكا والغرب كله الذي دعم الاحتلال، وبالتالي ليس المطلوب المراهنة على الدور الأمريكي، وإنما فرض الحقائق التي توجتها هذه المعركة. على المستوى الشعبي الجماهيري، يجب على الشعب الفلسطيني، بمختلف فئاته وأطيافه وأماكن تواجده، أن يقف خلف هذا المشروع.
وعلى المستوى السياسي، هناك عنوان سياسي للشعب الفلسطيني وقضيته، هو منظمة التحرير الفلسطينية، لكن هذا العنوان يجب أن يخرج من إطار الاحتكار لطرف أو فصيل، ويتحول إلى إطار جامع يمثل الكل، وبالتحديد القوى الفاعلة، وليس فقط القوى الهامشية التي ليس لها دور واضح في هذه المرحلة، وبالتالي على الأطراف الفاعلة المتمثلة في حماس والجهاد وفتح، المبادرة لهذه الخطوة بعيدا عن السلطة الفلسطينية، ويمكن أن يكون هناك دور واضح للمثقفين والأكاديميين في هذا السياق.
أما على صعيد الحكومة، فالمطلوب الآن حكومة إنقاذ وطني، تقوم على أساس الهم الشعبي، هدفها تحقيق الحد الأدنى من المقومات وحماية الإنجازات، وليس حكومة محاصصة، وقطع الطريق أمام أي أطروحات يقدمها الغرب أو إسرائيل لعزل الضفة عن غزة، فالمطلوب إذن جسم يمثل الوحدة الجغرافية الفلسطينية.
ماجدة المصري، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، ووزيرة الشؤون الاجتماعية سابقا
منذ الأيام الأولى للحرب على غزة، بلورت الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب، رؤية سياسية قُدّمَت بشكل مباشر لأكثر من مستوى سياسي فلسطيني رسمي، من بينها هيئات منظمة التحرير، والرئاسة الفلسطينية، ووضعت أمام الرئيس محمود عباس، تقوم على أساس تشكيل قيادة فلسطينية موحدة، أو قيادة إنقاذ وطني، بمشاركة حماس والجهاد الإسلامي تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، لها هدفان أساسيان، الأول قيادة المرحلة الحالية من الحرب وما يتضمنها من مراحل ونقاشات ومحطات تفاوضية، والثاني مبني على البعد السياسي المستقبلي للقضية الفلسطينية. الهدف من ذلك هو عدم ترك حماس والمقاومة وحدها في الميدان، وهذا يعني تبني للمقاومة وحمايتها، ونزع غطاء دعشنتها أو تشويهها، وبنفس الوقت تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وعدم الإبقاء على عزلها وتعطيلها، بل منحها القوة التي تجعلها ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني جميعا.
تقوم هذه المبادرة على ثلاثة أسس، الأول: أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهذا يتوافق مع الحوارات الفلسطينية السابقة، وما تم الاتفاق عليه فلسطينيا في كثير من المحطات. والثاني: قرارات الشرعية الدولية التي تعطي الفلسطينيين الحق الكامل في تقرير المصير. والأساس الثالث: هو أن هدف النضال الفلسطيني إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 67، مع عودة اللاجئين وحق تقرير المصير.
إذا ما استطعنا أن نفعّل هذه المبادرة، فسيكون لها تبعات مباشرة، منها إقامة حكومة إنقاذ فلسطيني أو حكومة وحدة؛ لتعزيز وتفعيل حالة الصمود على الأرض، ومتابعة الشأن الفلسطيني وتبعات هذه الحرب بشكل مباشر، وبداية التمهيد لأي مرحلة مقبلة.
استطعنا حتى اللحظة أن نحصل على موافقة حركة حماس عبر الكثير من أطرها في قطاع غزة، وفي المقابل هناك حالة من المماطلة، أو ربما العرقلة، من قبل القيادة السياسية في السلطة الفلسطينية، لاعتبارات المراهنة على الموقف الأمريكي حتى اللحظة. لكن في حال استمر هذا الأمر على حاله، فقد يكون لدينا تصورات أخرى يمكن العمل عليها، أو طرحها.
نبيل عمرو، قيادي في حركة فتح
باعتقادي أن السلطة الفلسطينية، بشكلها الحالي، مقيدة بارتباطاتها السياسية، واستمرار هذه القيود على النحو الحالي جعلها على هامش الأحداث التي تجري، حتى في ظل المحادثات التي تجري حول غزة، هي مهمشة، والأمريكان والعالم يدركون ذلك، لهذا السبب بدأت أمريكا تتحدث عن عملية تجديد لهذه السلطة وفقا لتوليفة جديدة، لا نعلم شكلها.
باعتقادي المطلوب الآن فلسطينيا، وبشكل عملي وواقعي، أن يبدأ من الآن التحضير لمرحلة فلسطينية جديدة، من خلال الإعلان عن الذهاب إلى انتخابات فلسطينية شاملة، تفرز قيادة فلسطينية تمثل الكل الفلسطيني. فالفصائل والقوى الفلسطينية جميعا، قبلت عام 2021 الذهاب لانتخابات لتجديد شرعية المؤسسات الفلسطينية. أعتقد أنه لا يوجد من يعارض هذه الخطوة الآن، وأقول لمن يعارض هذه الخطوة بحجة الظروف غير المواتية الآن، إن القضية الفلسطينية تمر دائما بحالة أزمات، ولا يوجد استقرار فعلي، لذا لا يمكن أن نعلق عدم تجديد شرعية المؤسسات الممثلة للشعب الفلسطيني على شماعة الأزمة، ولتفرز هذه الانتخابات ولادة نظام فلسطيني جديد قادر على تحمل تبعات هذه المرحلة وقيادتها.
وبالتالي المطلوب هو تجديد النظام السياسي الفلسطيني، من خلال قرار يصدر الآن عن الرئيس محمود عباس للتحضير لانتخابات، وهذا القرار لن يأتي من الرئيس عباس إلا من خلال وجود موقف إقليمي وعربي ودولي ضاغط، ويساعد على اتخاذ هذه الخطوة. وإذا ما تُرك الخيار للرئيس عباس، فلن يُصدر قرارا بذلك، وتجربتنا مع الانتخابات التي كان المفترض إجراؤها في مايو 2021 تثبت ذلك، حيث إنّه عندما قرر العالم مساعدتنا في إجراء الانتخابات، صدر قرار بالتحضير لها. لذلك باعتقادي أننا في اليوم التالي للحرب، يجب أن نكون جاهزين للذهاب إلى هذه الانتخابات.
تيسير خالد، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
أرى أن الأولوية الآن، هي الضغط بكل الوسائل المتاحة، وباستخدام العلاقات السياسية من قبل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والقيادة الفلسطينية، لوقف العدوان وانسحاب الاحتلال من غزة، والعمل على تسهيل إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع، بهدف تخفيف تبعات الحرب على أهالي القطاع، وهذا يكون من خلال الإصرار المباشر على ربط هذه المسؤولية بالمؤسسات والهيئات الدولية، التي من المفترض أن تمارس هذا الدور، باعتبارها أيضا هيئات أممية أقرت حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره.
هذا الأمر يدفعنا إلى ضرورة وقف الرهان على “نادي الكذب”، المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، الذي يتحدث عن وهم حل الدولتين، مع العلم أن بعض الدول الأوروبية، مثل إسبانيا، أصبحت تتحدث حول إمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، إلا أنه يتوجب أن تتحول هذه التصريحات إلى قرارات فعلية، وليس مجرد مواقف معلنة.
الإدارة الأمريكية شريك في الحرب على الشعب الفلسطيني، ولذا يجب عدم المراهنة عليها، وكان يتوجب مواجهة المبعوثين الأمريكيين بمواقفهم، ومواجهة رئيس محكمة الجنايات الدولية بعدم تسييس المحكمة، بل ضرورة القيام بدورها كما فعلت في كثير من القضايا الدولية. كذلك يجب مواجهة الأطراف الدولية التي عملت على إخراج الأطفال الأوكرانيين وتوفير الحماية لهم، وسؤالهم عن دورهم في توفير الحماية للأطفال الفلسطينيين، نحن يجب أن لا نقبل بازدواجية المعايير.
هذا يقودنا إلى ضرورة وجود موقف وخطاب فلسطيني موحد، وعدم السماح بوجود حالة تشرذم بالموقف أو الخطاب الفلسطيني، بل توحيد العناوين التي تمثل القضية الفلسطينية. وبعد الانتهاء من هذه الحرب، يتوجب أن يعاد للشعب الفلسطيني المسار الديمقراطي الذي يمكّنه من تحديد مَن يمثله، وذلك بتفعيل الانتخابات، وتعزيز المؤسسات وفقا لمخرجاتها.
جمال حويل، عضو المجلس الثوري لحركة فتح
الهدف الأساس من هذه الحرب يتعلق بالقضية الفلسطينية وبالشعب الفلسطيني بشكل عام، وما دام الاحتلال توحد أمام هذا الهدف، فمن باب أولى أن يكون هناك وحدة موقف فلسطيني على أقل تقدير، من خلال جبهة فلسطينية موحدة، تمكننا من تأسيس موقف فلسطيني ضد الاحتلال بالإعلان عن وقف العلاقة معه، وتمثيل القضية الفلسطينية أمام التحرك العربي والإقليمي والدولي.
يمكن أن تتأسس هذه الخطوة الفلسطينية، من خلال دعوة الرئيس أبو مازن لعقد اجتماع للأمناء العامين للفصائل والأحزاب الفلسطينية، وتشكيل لجنة تمثل الكل الفلسطيني، وتمهد فيما بعد لتحقيق مفهوم الشراكة السياسية، بعد الإفراج عن الأسرى والقيادات السياسية في السجون، ضمن مسار ديمقراطي، وانتخابات تفرز القيادة الفلسطينية التي تمثل الكل الفلسطيني فيما بعد.
يدرك الجميع أن هذه الحرب ستترك تغيرات وتأثيرات، ومن يرغب أن يبقى صامتا في ظل كل هذه التغيرات، يمكن تجاوزه، فالرهان على الأمريكان وإسرائيل لن يحقق شيئا، لأن أمريكا وإسرائيل تقدمان أطروحات تهدف لإحداث تغيرات واضحة في الحالة السياسية الفلسطينية. لذا يجب التحرّك المباشر لتوحيد الموقف الفلسطيني، والشروع بنشاط سياسي دبلوماسي موحد، يمكن أن يكون قريبا من التحرك العربي الإسلامي، بل الدعوة لتطبيق قرارات القمتين العربية والإسلامية. وباعتقادي يتوجب اتخاذ قرار فلسطيني واضح بوقف العلاقة مع الاحتلال، وسحب الاعتراف به، رغم الضغوط والتهديدات التي تتعرض لها القيادة الفلسطينية.
إبراهيم ربايعة، مدير السياسات والبحوث في مركز الأبحاث الفلسطيني في منظمة التحرير
أعتقد أن المطلوب فلسطينيا هو خطة إنقاذ وطني تتصل بتثبيت عدة نقاط، أولها المقاربة السياسية المرتبطة بأي تسويات قادمة، والمقاربة السياسية لإنهاء هذه الحرب، بمعنى عدم الذهاب لمقاربة إنسانية متدرجة، وعدم الذهاب لبرنامج مرحلي كما عهدنا من سياسات الاحتلال والإدارة الأمريكية في تجارب سابقة، وهذا يأتي من خلال جهد وطني موحد، ومرجعيات واحدة وثابتة، بحيث تكون منظمة التحرير هي الحاضر الرئيس في هذا الإطار، وعلى أن تكون حماس والجهاد الإسلامي ضمن هذا الإطار، وبترتيبات عاجلة وسريعة، من أجل الوصول إلى هذه التسويات. هذه الرؤية هي نقطة ارتكاز ومناعة وطنية لإجهاض أي محاولات إقليمية لاختطاف أي تمثيل للفلسطينيين وإعادتهم لمرحلة الوصاية، وكذلك لإجهاض أطروحات دولية تقدم حلولا مجتزأة. فإسرائيل مثلا، ما زالت تتحدث عن عدم السماح بوجود أي تواصل ما بين الضفة وغزة في أي حل مستقبلي، فهي لا تريد فكرة الدولة الفلسطينية، ونتنياهو يتبجح بأنه هو الوحيد القادر على منع إقامة دولة فلسطينية بالضفة والقطاع، والانقسام أيضا جاء في هذا السياق لمنع إقامة دولة فلسطينية متصلة، لذا يتوجب اتخاذ خطوات عاجلة في إطار الوحدة الفلسطينية.
كما أعتقد أن المطلوب فلسطينيا، عقد اجتماع الإطار القيادي للأمناء العامين دون انتظار أي خطوات برتوكولية، وأن يبقى تحت انعقاد مستمر من أجل القيام باستجابات عاجلة وسريعة دون تلكؤ، وبالتوازي مع حراك على المستويات المتخصصة، ولقاءات واسعة على المستوى الوطني، لدعم الجهد الرسمي والقانوني، العربي والإقليمي والدولي، للضغط على الجنائية الدولية، لتحريك هذا الملف والعمل عليه. وبما أن الحديث يدور حول شكل ومستقبل المشروع السياسي الفلسطيني، فلا بد من عقد لقاءات مفتوحة على المستويات كافة، وبذل جهد وطني منفتح على هذا الموضوع، وذلك بالتوازي مع جهد وطني حقيقي لإنهاء هذا العدوان.
ومن ناحية أخرى، لا أتفق مع الحديث عن تشكيل حكومة في هذه المرحلة، لأننا سنبقى في ذات الوضع وذات السياق الموجود حاليا، فنحن بحاجة إلى أطر ترسم السياسات العليا التي تحدد الأفق المستقبلي دون أي حالة إقصاء، ولسنا بحاجة لحكومة جديدة. اليوم هناك تشكيك بتمثيل الحكومة في غزة مثلا، وبالتالي يجب أن يأتي الرد من الأطر العليا الموحدة بأن الحكومة في غزة هي جزء من تمثيل فلسطيني متكامل، وأن الحديث عن فصل ما بين الضفة وغزة غير مقبول.
بلال الشوبكي، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل
المطلوب فلسطينيا الآن هو تداعي الأطراف كافة لوضع رؤية للتعامل مع مسألتين، الأولى الحالة الراهنة وهي حالة الحرب، بمعنى كيفية التعامل مع هذا الوضع، وكيفية التعامل مع الأطراف الدولية والإقليمية، وتقديم الرواية الفلسطينية على مستوى الخارج، سواء من خلال المؤسسة الرسمية الفلسطينية، أو الفصائل والمؤسسات المختلفة. فالمطلوب الآن هو توحيد الخطاب الفلسطيني باعتباره أمرا مهما وجوهريا. وبشكل مواز لهذه المسألة، يكون التعامل مع الحالة الثانية، وهي الرؤية الاستراتيجية لما بعد الحرب، وهي تتطلب خطوات إجرائية عملية في هذه المرحلة، تتمثل في إعادة البحث في طريقة التعامل مع المؤسسات الرسمية الفلسطينية، ومع المؤسسات التابعة لمنظمة التحرير، والعودة لما تم الاتفاق عليه في العام 2005 بتشكيل الإطار القيادي الموحد وتفعيله، لإعادة منظمة التحرير الفلسطينية، وليس السلطة الفلسطينية، كواجهة للعمل الرسمي الفلسطيني. هذه الخطوة ربما هي التي ستسحب البساط من تحت أقدام الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية، بشأن كيفية التعامل مع قطاع غزة لمرحلة ما بعد الحرب، لذا يجب أن لا يُترك موضوع إدارة المؤسسات الفلسطينية لجهات خارجية، تقرر من سيدير ومن سيحكم.
السؤال الآن هو: ما الذي يمنع من استثمار هذه اللحظة التاريخية، التي يتم فيها الاعتداء على الفلسطينيين في غزة والضفة بعنف كبير، لأن يتداعى الفلسطينيون لتشكيل حكومة وحدة، يمكن أن تكون حكومة طوارئ تتشكل من تكنوقراط غير منتمين لفصائل، تكون مهمتها التعامل في هذه المرحلة مع حالة الحرب، وتعزيز صمود الناس، والتمهيد لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بعد الحرب على أسس ديمقراطية. وبعد هذه المرحلة الانتقالية، يمكن البحث في رغبات الناس بتشكيل حكومة تمثل الكل الفلسطيني كنتاج لانتخابات ديمقراطية شاملة، فلا بدّ من التفكير بشكل موازٍ ما بين المرحلة الراهنة وما بين البعد الاستراتيجي.
جورج جقمان، أستاذ الديمقراطية وحقوق الإنسان في جامعة بيرزيت، ومدير معهد مواطن.
منذ الأسبوع الأول للحرب على غزة، ووضع الحكومة الإسرائيلية لأهداف كبيرة من الحرب، لم يكن متوقعا حتى اللحظة طبيعة ما سيحدث حتى الانتهاء من الحرب، ووضوح شكل النتائج التي ستخرج بها. وباعتقادي ما تم الحديث عنه في الأسابيع القليلة الماضية حول إمكانية عودة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة، رفضت السلطة أن يكون على ظهر دبابة، وأبدت استعدادها لأن يكون من خلال إطار حل سياسي شامل. لذا فإن أي خطوة سياسية للسلطة الفلسطينية في وضعها الراهن، سيجعلها تحرق سفنها مع إسرائيل، التي هي بالأساس تضيق عليها وتحاربها. لذلك باعتقادي أن السلطة الآن تحاول تجنب الذهاب لحالة الصدام المباشر؛ لأن البديل سيكون إقامة روابط القرى، وإعادة بناء السلطة في اليوم التالي لأبو مازن، من خلال تحويل الحياة الفلسطينية إلى نظام المعازل المحكومة ذاتيا.
في المقابل، الدعوة الآن لضم حركتي حماس والجهاد الإسلامي لمنظمة التحرير الفلسطينية، قد تصطدم بالموقف الدولي ووصم منظمة التحرير بالإرهاب، وهذا قد يفسر عدم الرغبة الفلسطينية أيضا بالذهاب إلى صدام مع العالم الآن.
ربما يبقى الخيار الآن، في تشكيل حكومة فلسطينية تضم شخصيات من الضفة وغزة متوافق عليها فلسطينيا، لكن لا تمثل تيارات سياسية وتنظيمية؛ حتى لا يتم محاربتها إسرائيليا أو دوليا. وفي ذات الإطار وبشكل مواز، ما زلنا بحاجة إلى التركيز في هذه المرحلة على ضرورة تقديم أطروحات من قبل المثقفين والمؤثرين، يمكن أن تعزز الحقوق الفلسطينية وتدافع عنها، لأنه إذا ما نظرنا إلى الإنتاج المعرفي الذي يضخه الاحتلال الآن عبر الإعلام ومراكز الأبحاث، يجعل من أفكاره تحظى بدعم دولي، وهذا ما لم نستطع تحقيقه كفلسطينيين، لذلك نحن بحاجة لتطوير هذا الأمر.
أيمن دراغمة، النائب السابق بالمجلس التشريعي الفلسطيني
لا شك أن هناك تغيرات هامة نتجت عن معركة طوفان الأقصى على الصعيد المحلي والدولي، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في أي خطوة سياسية قادمة. وأهم هذه المتغيرات إعادة وضع القضية الفلسطينية كقضية أولى على الصعيد العالمي، كما عاد الحديث عن جذور الصراع وطبيعته وبعده السياسي. وأظهرت هذه المعركة بشكل جلي وواضح، تآكل قدرة الردع الصهيونية، وعدم استطاعة حلفائها، وخاصة أمريكا، ضمان خروجها منتصرة في هذه الجولة، بل عدم قدرة أمريكا والغرب على الاستمرار في الدفاع عن الرواية الإسرائيلية، وعدم استطاعة مواصلة توفير الغطاء الإعلامي والقانوني، بعد أن انكشفت بالصوت والصورة جرائم الاحتلال ضد أطفال ونساء مدنيين، وضد مؤسسات طبية وتعليمية، ومساجد وكنائس وبيوت آمنة، ضَمِن لها القانون الدولي حقها في عدم التعرض لأعمال الحرب، الأمر الذي يمكن وصفه بـ “حرب إبادة”.
لقد بدا واضحا بأن قوى المقاومة في غزة، كان لها اليد العليا، واستطاعت أن تحدث تغييرا استراتيجيا على معادلة ميزان القوى التي تحكم العلاقات بين الأطراف في المنطقة، وخاصة مع الاحتلال وحلفائه. وفي الوقت الذي تنتهي فيه المعركة، وتبدأ آثارها وارتداداتها بالظهور، سيتم الكشف بشكل أوضح عن الخسارة التاريخية التي تكبدها الاحتلال وقواته، وهذا له انعكاس استراتيجي على دور الاحتلال وحلفائه، وحدود ذلك، وحجم القوى وتأثيرها وتمثيلها، فالمشهد لم يعد كالسابق.
يتم الحديث الآن حول من سيمثل الشعب الفلسطيني، ومن سيحكم غزة، وأنا أرى أن الحديث حول التفاصيل في ذلك ليس وقته الآن. وكما هي العادة في كل حرب، ستنتهي باتفاق بين المتحاربين حول عدد من الأمور، لذا لا حاجة للانشغال بموضوعات تم خضها مرات عديدة، دون أن ينتج عنها أي نتيجة، وخاصة موضوعات الوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام، وتشكيل حكومة تكنوقراط أو حكومة وحدة، وحتى دعوة الأمناء العامين للانعقاد، لأن السلطة نأت بنفسها، وأعلنت بشكلٍ رسمي أن لا علاقة لها بما يجري في غزة.
بالتأكيد أن أهل غزة هم من سيحكم غزة، والجهات التي ستقود المفاوضات للوصول لهدنة أو تهدئة، هم أكثر الناس قدرة على استكمال المفاوضات فيما يتعلق بإعادة الإعمار، كذلك يجب أن يتم إجراء مفاوضات مع قوى المجتمع، للوصول إلى الصيغة المناسبة لإدارة شؤون القطاع، بعيدا عن القبول بأي إملاءات أو شروط، من أجل تحقيق مستقبل جديد وقواعد جديدة، لا مكان فيها لفرض الحصار ولا الإملاءات، ولا نمط الحكم، لأن كل هذا هو شأن فلسطيني خاص. لاحقا، وبعد أن تستوي الأمور، سيكون الوقت مناسبا للحديث حول قضايا ترتيب البيت الفلسطيني، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني.
ولمواجهة شروط الغرب والاحتلال بشأن المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار، قد تكون الصيغة الأفضل هي تشكيل لجنة وطنية من كل الألوان في قطاع غزة، وبمشاركة من الضفة والخارج.