الجدار العنصري حول القدس واقعه ودوافعه

ملخص:

تسعى هذه الورقة إلى دراسة الدوافع التي تقف خلف قيام الاحتلال ببناء جدار الفصل العنصري حول مدينة القدس، إذ إن هذه الدوافع هي التي مثلت ركائز المشروع التهويدي للمدينة.

وقد اعتمدت الورقة على مجموعة من الدراسات السابقة، والمقالات والتقارير بشأن الجدار الفاصل حول مدينة القدس، كما تم إجراء مقابلة شخصية مع الخبير في شؤون القدس الدكتور جمال عمرو. إضافة إلى الاستعانة ببعض الخرائط لتوضيح بعض المعلومات، والمخطط الذي سار به الاحتلال في بناء الجدار حول القدس.

وقد خلصت الورقة إلى نتائج مهمة، أبرزها أن الهدف الأمني الذي أعلنه الاحتلال كهدف أساسي لإقامة جدار الفصل العنصري، ليس هو الهدف الوحيد، بل إن بناءه قد تم في إطار مخطط الاحتلال لبسط سيطرته على مدينة القدس، وتهويدها بشكل كامل. ويتمثل ذلك بالسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من مدينة القدس، وإخلائها من السكان المقدسيين؛ لتحقيق التفوق الديموغرافي، إلى جانب السيطرة على الأرض. فقد سعى الاحتلال إلى ضم بعض المستوطنات لمدينة القدس، مثل مستوطنة "معاليه أدوميم"، وإخراج بعض الأحياء والمناطق المقدسية من حدود المدينة، مثل بلدة راس خميس وضاحية البريد ومخيم شعفاط. إضافة إلى التشديد على حياة المقدسيين الصامدين في المدينة، من خلال سلسلة إجراءات طويلة سهّل الجدار تطبيقها على الأرض.

 

المقدمة

ازدادت مساحة مدينة القدس على عدة مراحل منذ عام 1948، بـ 19 كيلومتر مربع، خاصة منذ سيطرة الاحتلال على الجزء الغربي من المدينة، الذي كان يشكل نحو 90% من مساحتها آنذاك. فيما بقي نحو 10% من مساحة القدس تحت السيطرة الأردنية، بما في ذلك البلدة القديمة والمسجد الأقصى، وهو ما مساحته 2.3 كيلو متر مربع. وبعد احتلال كامل مدينة القدس عام 1967، وسع الاحتلال من مساحة المدينة حوالي 70 كيلومتر مربع، لتصبح المساحة الإجمالية للقدس حوالي 126 كيلو متر مربع (الجزيرة، 2017). ويستمر الاحتلال في توسيع حدود بلدية القدس، ويسعى لتحقيق مخطط " القدس الكبرى" عام 2020، الذي ستصل فيه مساحة القدس الكبرى، التابعة لبلدية المدينة، حوالي 600 كيلومتر مربع (التفكجي، 2018).

منذ أن صادقت حكومة الاحتلال برئاسة أرييل شارون، على بناء جدار الفصل العنصري في إبريل/ نيسان 2002، وبدأت العمل على بنائه في السادس عشر من نفس الشهر، بدأ الحديث عن المخاطر والأضرار التي ستنتج عن بناء الجدار، من ضم للأراضي وفصل للسكان عن أراضيهم (عايد، 2010).

بدأت النواة الأولى لفكرة فصل الفلسطينيين وعزلهم، عندما تم وضع سياج على طول الحدود مع قطاع غزة، عقب اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987 (عايد، 2010). إلا أن الفكرة تبلورت فيما بعد عبر مشروع رئيس حكومة الاحتلال الأسبق "إسحاق رابين"، الذي فاز في الانتخابات على أساسه عام 1992، مستندًا إلى شعار واضح يرسم معالم مشروع جدار الفصل العنصري، وهو شعار "نحن هنا وهم هناك". وقد اتخذ رابين قراره ببناء الجدار في 25/1/1995، وتبنت حكومته المشروع، إلا أن رابين قتل قبل الشروع ببناء الجدار. ثم أُقر بناؤه عام 2002، في عهد حكومة أرييل شارون (حسني).

يبلغ طول مسار جدار الفصل العنصري 712 كيلومتر، أي ضِعف طول ما يسمى بالخط الأخضر البالغ 320 كم؛ وذلك بسبب الالتواءات التي ترافق جدار الفصل العنصري، والتي ضاعفت طوله، وزادت مساحة الأراضي المصادرة، والتي بلغت أكثر من 526 ألف دونم، أي ما نسبته 9.4% من مساحة الضفة الغربية. وحتى أيلول/ سبتمبر 2017، أتم الاحتلال بناء 65% من الجدار، أي نحو 460 كيلومتر، ويجري حاليا العمل على بناء 50 كيلومتر، فيما لم يتم البدء ببناء نحو 200 كيلومتر منه حتى الآن (بيتسيلم، 2017).

 

 

الجدار حول القدس

 

صورة رقم (1): خريطة مسار جدار الفصل العنصري حول القدس (بيتسيلم، 2017).

عمدت سلطات الاحتلال خلال بنائها لجدار الفصل العنصري حول مدينة القدس، إلى ضم أكبر قدر ممكن من الأراضي لإخضاعها لسيطرتها. في حين يبلغ طول جدار الفصل العنصري المحيط بالقدس حوالي 202 كليومتر (بيتسيلم، 2017)،  ويعزل 43% من مساحة محافظة القدس، بمساحة أراضٍ تبلغ نحو 151 ألف دونم (عايد، 2010).

نجح الاحتلال في فرض بناء الجدار حسب المسار الذي حدده حول المدينة، وقد تجاوز الجدار الحدود التي رسمتها بلدية الاحتلال لمدينة القدس، إذ إن الجدار في غلاف القدس امتد جنوبًا، وضم نحو 65 ألف دونم في منطقة مستوطنة "غوش عتصيون" جنوب مدينة بيت لحم، كما ضم نحو 60 ألف دونم في الجهة الشرقية من منطقة مستوطنة "معاليه أدوميم". أما من الناحية الشمالية، فقد تم ضم نحو 25 ألف دونم لمنطقة مستوطنة "بيسجات زئيف". وبهذا المسار يكون الجدار قد أحاط بالمدينة من جميع جهاتها، وفصلها عن محيطها الفلسطيني (بيتسيلم، 2017).

عمل الجدار على ضم ثلاث كتل استيطانية كبرى حول مدينة القدس، وهي "جفعون وأدوميم وعتصيون". تضم كتلة أدوميم شرق مدينة القدس مستوطناتِ معاليه أدوميم، وعلمون، وكفار أدوميم، ومتسبيه، ويريحو ألون، وكيدار، وميشور أدوميم (المفاوضات، 2007). ويضم تجمع عتصيون الاستيطاني 15 مستوطنة إلى الجنوب من مدينة القدس (عربية، 2015).

 

صورة رقم (2): خريطة تجمع جفعون الاستيطاني شمال غرب مدينة القدس (أريج، 2012).

 

 

دوافع بناء جدار الفصل العنصري حول القدس

الدافع الديموغرافي

لعل الموضوع الديموغرافي هو الهم الأكبر الذي يشغل بال الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين بشكل عام، ومدينة القدس بشكل خاص. فهو يسعى بشكل متواصل لكسب هذه المعركة. وحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن نهاية عام 2020 ستشهد تفوقًا عدديًا فلسطينيًا، إذ ستبلغ نسبة الفلسطينيين في فلسطين التاريخية 50.7%، مقابل 49.3% للإسرائيليين (الفلسطيني، 2016). لقد أصبح تخوف الاحتلال من عدم قدرته على تحقيق التفوق الديموغرافي في القدس تخوفًا حقيقيًا، حيث إن نسبة الفلسطينيين في القدس اليوم تبلغ نحو 37% من مجمل سكان المدينة، وهو الأمر الذي يخالف هدف الاحتلال في عدم السماح بتجاوز نسبة الفلسطينيين في القدس الـ 28% في أفضل الأحوال، وهو ما كان مخططًا له أن يتم خلال عام 2017 (عمرو، 2018). وقد أجرى الاحتلال دراسات حول الموضوع الديموغرافي في مدينة القدس، وتبين أنه بحلول عام 2040 ستكون نسبة الفلسطينيين ضمن حدود بلدية القدس هي 55%، وهو ما دفع الاحتلال لتسريع إجراءاته في المدينة؛ خوفًا من فقدان السيطرة على الواقع الديموغرافي فيها (التفكجي،2018).

ترتكز سياسة الاحتلال في القدس، وبشكل منظم منذ عام 1993، على استجلاب المستوطنين إليها عبر ضم المستوطنات، وتوفير الراحة القصوى لهم، وجعل حياة الفلسطينيين فيها قاسية، ومثقلة بالضرائب والصعاب، لإجبارهم على الهجرة منها. ومن هذه السياسة أيضا تخصيص مساحات واسعة في المناطق ذات الأغلبية الفلسطينية في القدس، واعتبارها مناطق خضراء يُحظر البناء فيها. إن رؤية الاحتلال في مدينة القدس هي جعل نسبة الفلسطينيين فيها 12% فقط من مجموع سكان المدينة، يقيمون على 11% فقط من مساحة الأرض، وهي رؤية استراتيجية بعيدة المدى، يسعى الاحتلال لتطبيقها على الأرض (عمرو، 2018؛ صادق، 2017).

لقد كان بناء جدار الفصل العنصري حول مدينة القدس، الوسيلة الأنجع لتحقيق الهدف بتقليل عدد المقدسيين داخل المدينة لأكبر درجة ممكنة. ولعل الاحتلال نجح في إبعاد ثلث المقدسيين عن المدينة من خلال الجدار، إذ إن ثلث المقدسيين باتوا الآن خارج حدود جدار الفصل العنصري، وخارج حدود البلدية التي رسمها الاحتلال لمدينة القدس، وبعدد وصل حسب الأرقام الرسمية المعتمدة لدى السلطة الفلسطينية، إلى 130 ألف مقدسي يعيشون خارج الجدار،  ويسكنون في أحياء كفر عقب والزعيّم ومخيم شعفاط ورأس خميس وضاحية السلام والرام، وهي مناطق أغلب سكانها من المقدسيين، وقد أبعدها الاحتلال عن المدينة المقدسة بهدف إبعاد أكبر عدد ممكن من المقدسيين عنها، وخفض نسبة الفلسطينيين فيها (عمرو، 2018).

ولتوضيح تأثير هذه السياسة الإسرائيلية، يبين الجدول التالي أعداد الفلسطينيين والمستوطنين في مدينة القدس منذ عام 1967 وحتى عام 2015 (الجزيرة، 2017). وتوضح الخريطة التالية الوضع في مدينة القدس في ظل المستوطنات المحيطة بها وضمن مشروع القدس الكبرى.

 

صورة رقم (3): عدد الفلسطينيين مقابل المستوطنين بالقدس بين الأعوام 1967-2015 (الجزيرة، 2017).

 

صورة رقم (4): خريطة توضح الوضع في مدينة القدس في ظل المستوطنات وضمن مشروع القدس الكبرى (التفكجي، 2018).

 

الرؤية السياسية

يستند الاحتلال في رؤيته السياسية في بناء الجدار حول مدينة القدس، إلى نظرية السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأرض، وضمن أقل عدد من السكان، وهي نظرية 12% من السكان على 11% من الأرض، المشار إليها سابقًا. إلا أن رؤيته السياسية الأخرى التي عمل على تحقيقها على المدى الطويل، خاصة بعد اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، هي تنحية قضية القدس إلى قضايا الحل النهائي، وإزاحة القدس عن طاولة المفاوضات، وفرْض الأمر الواقع عن طريق جدار الفصل، الذي اعتُبر وكأنه ترسيم أحادي الجانب للحدود، وترسيخ حقائق جديدة على الأرض بعيدًا عن أي سيطرة فلسطينية على المدينة، ودون الالتفات لرأي المجتمع الدولي الرافض لبناء الجدار (عايد، 2010).


صورة رقم (5): خريطة تبين منطقة مشروع E1 الاستيطاني شرق القدس (الجزيرة، 2018).

كما تشمل رؤية الاحتلال السياسية في بناء الجدار، سعيه لوضع جزء ثابت من الجدار، وضم المستوطنات على مشارف القدس. وإلى جانب الجدار الثابت، عمد الاحتلال إلى بناء سياج أمني متحرك قابل للتفكيك، وتغيير مساره بشكل مستمر، حيث يحظى هذا السياج بحماية أمنية مشددة، مثل ذلك السياج المحيط بأطراف مستوطنة "معاليه أدوميم" شرق المدينة، ويهدف إلى استكمال دور الجدار، بضم أراضٍ إضافية إلى نطاق السيطرة الإسرائيلية، وضمها لحدود مدينة القدس (عمرو، 2018). وهو الأمر الذي بدأه الاحتلال فعليًا، ليساعده في الوصول إلى حلمه الأكبر، وهو مشروع القدس 2020، أو مشروع القدس الكبرى، الذي يسعى الاحتلال من خلاله إلى ضم المستوطنات الكبرى مع سكانها من المستوطنين، ليكونوا ضمن حدود القدس، مع ضمان إبعاد العنصر البشري الفلسطيني، لضمان نجاح مشروعه بشكل تام.

لذلك يعمل الاحتلال على مشروع E1 الاستيطاني، الذي يتمثل ببناء نحو 3500 وحدة استيطانية إلى الشرق من مدينة القدس، لتضمن خلق حزام استيطاني يصل مستوطنة "معاليه أدوميم" بمدينة القدس، ولذلك يعمل الاحتلال على تهجير البدو من على السفوح الشرقية لمدينة القدس، بدْءًا من جبل البابا ببلدة أبو ديس، ووصولًا إلى منطقة الخان الأحمر (عمرو، 2018؛ العنصري، 2007).

سيحقق هذا الحزام الاستيطاني، الذي سيصل مستوطنات وسط الضفة الغربية بالقدس، هدفًا أساسيًا بدأه من خلال الجدار، وهو تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاثة كانتونات، في شمال الضفة ووسطها وجنوبها. وبهذا يكون الاحتلال قد قضى فعليًا على فكرة الدولة الفلسطينية، إذ أنه رسم حدودًا أولية من خلال الجدار، إضافة إلى تقسيم الأراضي المتبقية لإفشال حل الدولتين (الهندي، 2006).

 

صورة (6): صورة توضح حدود بلدية القدس  (SHUPAC, 2017).

ترجمة مفتاح الخريطة بالترتيب/ المصدر: معهد القدس للدراسات الإسرائيلية

        حدود ما قبل عام 1967.

       حدود بلدية القدس.

       الجدار حول الضفة الغربية (منجز أو مخطط).

       مناطق للسكان الفلسطينيين.

       مناطق للسكان "الإسرائيليين".

       المستوطنات الإسرائيلية المخطط لها.

الدوافع الأمنية

أعلن رئيس حكومة الاحتلال أرئيل شارون، في خطاب أمام الكنيست في تشرين أول/ أكتوبر 2003، والذي كانت حكومته قد أقرت مشروع بناء جدار الفصل العنصري، أنه سيمضي في بناء الجدار؛ كونه السبيل الأمثل "لمحاربة الإرهاب"، وقد شدد على أن البناء سيتسارع خاصة في منطقة القدس (الفرنسية، 2003).

وقد روجت حكومة الاحتلال كثيرًا للجدار، على أنه جاء ليحمي أمنها، ويحد من عمليات المقاومة الفلسطينية، التي كانت في أوجها خلال سنوات الانتفاضة الثانية، التي اندلعت نهاية عام 2000.

كما أن الجانب الأمني لم يقتصر على منع عمليات المقاومة الفلسطينية فقط، وإنما يشمل إبعاد الفلسطينيين عن القدس، وإشغالهم بأنفسهم عن طريق حصرهم في أماكن محددة، مثل منطقة كفر عقب، التي تقع خارج الجدار شمال مدينة القدس، لكن يسكنها المقدسيون من حملة الهويات والإقامات، بحيث تكون هذه التجمعات السكانية المكتظة، وذات العمارات المتقاربة والمرتفعة، والمحرومة من الخدمات والنظام، مكانًا لنمو الجريمة، ومرتعًا لمخابرات الاحتلال، وبحيث يتشكل حاجزٌ بشريٌ يمنع الشبان، ويشغلهم عن مواجهة الاحتلال. وهذه الرؤية في علم الاجتماع العمراني، طبقها الاحتلال على هذه الأحياء الفلسطينية التي تقع خارج الجدار؛ للتفريق بين مجتمع العدو، وإلهائه بنفسه، وبالتالي ابتعاد الخطر عنه تلقائيًا (عمرو، 2018).

وقد رفضت محكمة الاحتلال العليا نحو 150 التماسا بعدم مشروعية بناء الجدار العنصري حول القدس، كما رفض قضاة المحاكم الإسرائيلية الطعون المقدمة لهم، وتبنوا موقف دولة الاحتلال، على اعتبار أن الجدار بُني بشكل مؤقت لأسباب أمنية فقط (بيتسيلم، 2017).

 

المحدد الاقتصادي

لم يغب عن الاحتلال الاهتمام بالجانب الاقتصادي في عملية بنائه لجدار الفصل العنصري، فقد عمل بشكل أساسي على تحقيق هدفين اقتصاديين من بناء الجدار حول القدس، الأول هو إضعاف اقتصاد التجار المقدسيين، والثاني هو تقوية الاقتصاد الإسرائيلي على أكتاف المقدسيين، وبسط سيطرته التامة على سوق القدس (محسن،2007؛ عمرو 2018).

تجسد الهدف الأول من خلال تشديد الجدار الخناقَ على دخول البضائع الفلسطينية من الضفة الغربية إلى القدس، ومنع سكان الضفة الغربية من الوصول إلى المدينة، مما أفقد السوق المقدسي شريانًا أساسيًا من ناحية البضائع، ومن ناحية المستهلكين، وقد أثر هذا بشكل كبير على الوضع الاقتصادي في القدس، التي باتت من ناحية البضائع تعتمد في أغلبها على البضائع الإسرائيلية، ومن ناحية الاستهلاك تعتمد على المجتمع المقدسي المحلي فقط، وذلك بعد خروج سكان الضفة الغربية من نطاق الاستهلاك، لأنهم باتوا خارج الجدار (محسن، 2007). لم يفقد السوق المقدسي سكان الضفة الغربية فقط، بل تعدى الأمر إلى المقدسيين الذين باتوا خارج الجدار، والذين يُقدر عددهم بثلث سكان المدينة (عمرو، 2018).

كما أن القطاع السياحي الذي يشكل 40% من الناتج المحلي المقدسي، تلقى ضربة كبيرة، إذ إن الاحتلال يسيطر على هذا القطاع، ويستهدف ما تبقى منه في القدس عبر بناء فنادق جديدة قرب الفنادق الفلسطينية بالمدينة، إضافة إلى أن تطور هذا القطاع بالقدس قد توقف بشكل شبه كلي، إذ إن عدد الفنادق الفلسطينية التي بنيت في القدس منذ عام 1967، هو فندقان فقط، وذلك نتيجة القيود الاقتصادية الكبيرة المفروضة عليهم، ليكون بذلك عدد الفنادق الفلسطينية بالقدس هو 20 فندقا فقط (الجزيرة، 2018).

أما الهدف الثاني المتمثل بتقوية الاقتصاد الإسرائيلي، فقد كان أساسه المقدسيين المقيمين خارج الجدار. فالفلسطينيون حملة الهوية المقدسية، يسعون للحفاظ عليها رغم سكنهم خارج الجدار، فيدفعون الضرائب الباهظة للاحتلال، مثل ضريبة الدخل "الأرنونا"، والتي تتراوح نسبتها بين 35% و 60% من الدخل، إضافة إلى الغرامات المتعددة التي يفرضها الاحتلال (معا، 2018).

وكل هذه الموارد المالية التي يحصل عليها الاحتلال، لا يقدم مقابلها خدمات تُذكر في التجمعات المقدسية خارج الجدار، فهو يأخذ الضرائب ولا يتكفل بأعباء البنية التحتية، ولا الخدمات، ولا أعباء الأمن والتنظيم في هذه المناطق. ولعل منطقة كفر عقب المحاذية لجدار الفصل العنصري شمال مدينة القدس، هي مثال واضح على سياسة الاحتلال، فهي منطقة مزدحمة بالسكان، دون وجود أدنى مقومات البناء والتنظيم الصحيح، ولا تتوفر فيها الخدمات الكافية، كما أن السلطة الفلسطينية تمنع ممارسة أي مهام أمنية أو خدماتية لتعويض الفراغ الناتج في هذه المناطق (عمرو، 2018).

إضافة إلى ذلك، فإن الاحتلال، مع تخلصه من أعباء توفير الخدمات للمقدسيين، وإضعاف السوق الفلسطيني في القدس، وربطه بالاقتصاد الإسرائيلي، تمكن من الحصول على العمالة الرخيصة، عن طريق تشغيل الشبان من المقدسيين الذي يسكنون خارج الجدار، في المجالات الخدماتية والبناء، والخدمة في الفنادق، والأعمال التي تبقيهم بعيدين عن أي تأثير حقيقي في المجتمع (عمرو، 2018).

 

المحدد الاجتماعي

أدرك الاحتلال أن بناء جدار الفصل العنصري، من شأنه أن يكون ذا آثار كبيرة على الحياة الاجتماعية في المجتمع المقدسي. فقد عمل الجدار على الفصل بين العائلات الفلسطينية، خاصة العائلات التي يحمل فيها أحد الزوجين بطاقة هوية الاحتلال، ويحمل الآخر بطاقة الهوية الفلسطينية. إضافة إلى إعاقة زواج المقدسيين من الفلسطينيات اللواتي يحملن الهوية الفلسطينية، وذلك نظرا لحالة التشتت التي ستصيب العائلة إذا ما تم الزواج (محسن، 2007).

لقد أشارت الإحصائيات إلى أن نحو 21% من الأسر الفلسطينية قد انفصلت عن الأقارب، ونحو 18% من الأسر انفصل عنها الأب، ونحو 12% انفصلت عنها الأم، وذلك بفعل اختلاف بطاقات الهوية داخل العائلة الواحدة، وعدم السماح لحملة الهوية الفلسطينية بالاستمرار في العيش داخل الجدار. كما أن نحو 85% من العائلات المقدسية تأثرت قدرتها على زيارة الأقارب والأهل خارج الجدار. كل هذا أسهم في خلق مجتمع مفكك، ينعزل بعضه عن بعض، بسبب سياسة الفصل العنصري التي فرضها الجدار على الأرض (عايد، 2010).

وفي السياق الاجتماعي أيضا، يرى 71.4% من المقدسيين أن العلاقة مع المجتمع المحيط بهم، أي الضفة الغربية، قد ضعفت بشكل كبير، ويرى 83% من المقدسيين أن العلاقة تعززت مع دولة الاحتلال ومؤسساتها، وكل ذلك بفعل بناء جدار الفصل العنصري (فلسطينية، 2014).

كما أن الجدار لم يترك أثره في الناحية الاجتماعية على الأسر فقط، وإنما امتد لقطاعات أخرى كالتعليم. فقد فرض الجدار وما رافقه من إجراءات أمنية، صعوباتٍ جديدة على الطلبة والمعلمين والعاملين في قطاع التعليم. فالمعطيات تبين أن حوالي 20% من الطلاب، أي حوالي ستة آلاف طالب، و 19% من المعلمين، أي حوالي 650 معلمًا، يضطرون إلى المرور على الحواجز العسكرية بشكل يومي، والخضوع لسلسلة إجراءات أمنية يفرضها الاحتلال قبل الوصول إلى مؤسساتهم التعليمية، مما اضطر عددًا كبيرًا من الطلبة إلى تغيير مدارسهم لتجنب هذه المعاناة اليومية (درزي، 2016؛ عايد، 2010).

كما أن إجراءات الاحتلال ألقت بظلالها على واقع المستشفيات الفلسطينية في القدس، وعلى رأسها مستشفى المقاصد ومستشفى المطّلع، وهي المستشفيات الفلسطينية الرئيسية في المدينة. فقد انخفض عدد المرضى الفلسطينيين الذين يتمكنون من الوصول إلى هذه المستشفيات، بسبب منعهم من دخول القدس، وصعوبة نظام التصاريح الذي يفرضه الاحتلال على المرضى الفلسطينيين لتمكينهم من العلاج بمدينة القدس (درزي، 2016). لقد أشارت المعطيات إلى أن نحو 34% من الأسر الفلسطينية في محافظة القدس، أعيقت عن الحصول على الخدمات الصحية، 88% من هذه النسبة هم من المقدسيين الذين يقيمون خارج الجدار (عايد، 2010).

 

 

المصادر والمراجع:

JOSEPH SHUPAC. (13 7, 2017). Peace and Prosperity in Israel’s Future? تم الاسترداد من https://future-economics.com: https://future-economics.com/tag/israel/

الجزيرة. (21 11, 2014). موسوعة الجزيرة. تم الاسترداد من aljazeera.net: http://www.aljazeera.net/encyclopedia/citiesandregions/2014/11/21/%D8%AC%D8%AF%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A

الجزيرة. (6 6, 2017). تم الاسترداد من aljazeera.net: http://www.aljazeera.net/news/alquds/2015/10/26/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82%D9%8A%D8%A9

الجزيرة. (11 12, 2017). القدس.. السكان والمساحة منذ عام 1967. تم الاسترداد من aljazeera.net: http://www.aljazeera.net/news/alquds/2017/6/6/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D8%A9-%D9%85%D9%86%D8%B0-%D8%B9%D8%A7%D9%85-1967

الجزيرة. (21 1, 2018). القدس.. خنق الاقتصاد خدمة لخطط التهويد. تم الاسترداد من aljazeera.net: http://www.aljazeera.net/news/alquds/2018/1/21/القدس-خنق-الاقتصاد-خدمة-لخطط-التهويد

الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني. (29 12, 2016). الإحصاء الفلسطيني يستعرض أوضاع الفلسطينيين في نهاية عام 2016. تم الاسترداد من http://www.pcbs.gov.ps: http://www.pcbs.gov.ps/postar.aspx?lang=ar&ItemID=1824

الحملة الشعبية لمقاومة جدار الفصل العنصري. (2007). جدار الفصل العنصري في وحول القدس: خطوة الاحتلال الأخيرة نحو تهويد المدينة. فلسطينيات، الصفحات 61-73.

خليل التفكجي. (2018). القدس الكبرى كما تراها إسرائيل. مجلة الدراسات الفلسطينية.

براءة درزي. (7, 2016). الجدار العازل في القدس. التقرير المعلوماتي 8، صفحة 31.

بيتسيلم. (11 10, 2017). القدس الشرقية. تم الاسترداد من https://www.btselem.org/arabic/jerusalem

بيتسيلم. (11 11, 2017). جدار الفصل. تم الاسترداد من www.btselem.org: https://www.btselem.org/arabic/separation_barrier

حسن ابحيص و خالد عايد. (2010). الجدار العازل في الضفة الغربية. بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

د. جمال عمرو. (7 3, 2018). محددات بناء الجدار حول القدس. (وليد زايد، المحاور)

دائرة شؤون المفاوضات. (1 9, 2007). جدار في وجه السلام: تقييم اسرائيل لمسار الجدار (أيلول 2007). تم الاسترداد من www.nad.ps: https://www.nad.ps/ar/publication-resources/factsheets/جدار-في-وجه-السلام-تقييم-اسرائيل-لمسار-الجدار-أيلول-2007

رشا حسني. (بلا تاريخ). جدار الفصل العنصري في القدس، آثاره وانعكاساته. صامد ، الصفحات 88-96.

سكاي نيوز عربية. (24 11, 2015). تعرفوا إلى "جنة" الفلسطينيين ولعنتهم. تم الاسترداد من www.skynewsarabia.com: https://www.skynewsarabia.com/middle-east/793500-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%81%D9%88%D8%A7-%D8%AC%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%88%D9%84%D8%B9%D9%86%D8%AA%D9%87%D9%85

سميح محسن. (2007). جدار الضم .. آخر حلقات مسلسل تهويد القدس. تسامح، صفحة 22.

عليان الهندي. (2006). وفا. تم الاسترداد من info.wafa.ps: http://info.wafa.ps/pdf/q20.pdf

مركز الأبحاث شؤون فلسطينية. (20 3, 2014). آثار الجدار العنصري على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في القدس. تم الاسترداد من http://www.shuun.ps: http://www.shuun.ps/page-370-ar.html#

معا. (5 2, 2018). وكالة معاً الإخبارية. تم الاسترداد من www.maannews.net: https://www.maannews.net/Content.aspx?id=938418

ميرفت صادق. (26 9, 2017). الجزيرة. تم الاسترداد من aljazeera.net: http://www.aljazeera.net/news/alquds/2017/9/26/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%A1-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3-%D9%86%D8%B6%D8%A7%D9%84-%D9%84%D8%A3%D8%AC%D9%84-%D8%B1%D9%82%D9%85-%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A-%D9%88%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9%D9%

وفا. (2011). السياسة الإسرائيلية إزاء أهالي القدس. تم الاسترداد من info.wafa.ps: http://info.wafa.ps/atemplate.aspx?id=3578

وكالة الأنباء الفرنسية. (20 10, 2003). الجزيرة. تم الاسترداد من aljazeera.net: http://www.aljazeera.net/news/international/2003/10/20/%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%88%D9%86-%D9%8A%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D9%81%D9%8A-%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى