تقدير موقف

التصعيد على قطاع غزة مؤشر حرب جديدة أم ترتيبات سياسية قريبة؟

ملخص: 

أثارت سخونة الأجواء وتوترها بين قطاع غزة وإسرائيل، وتصاعد الأحداث الميدانية في الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين والمقاومة؛ عدة تساؤلات عن إمكانية نشوب حرب جديدة، ويمكن إجمال المشهد في سيناريوهين مستقبليين لتطور الأحداث بين قطاع غزة وإسرائيل. 

السيناريو الأول: نشوب حرب على شاكلة الحرب السابقة عام 2014، تهدف إلى صياغة تفاهم جديد، وتفعيل ملف الجنود الأسرى، وتدمير أكبر قدر من الأنفاق التي تجتاز المناطق الحدودية وضرب البنية العسكرية للمقاومة. من جهة أخرى المقاومة الفلسطينية لن تحقق سوى بعض الإنجازات العسكرية والعمليات النوعية، وربما تصدير بعض الأزمات الداخلية، وهو السيناريو الأقل ترجيحًا.

السيناريو الثاني: بقاء الأوضاع على حالها مؤقتًا مع اللجوء إلى توتير مؤقت ومحدود للأوضاع الأمنية بين الجانبين، ومن ثم العودة للهدوء والبدء بترتيبات سياسية وإقليمية خاصة بتدخل تركيا التي تشترط فك الحصار لعودة العلاقات مع إسرائيل، كما سيتم بناء الميناء وتحريك ملف الجنود الأسرى، وسيضمن هذا السيناريو لإسرائيل أمنها في الجنوب، وسيكون الموقف المصري سندًا لهذا السيناريو، ويعتبر هذا السيناريو الأكثر ترجيحًا.

قبل أن تتعاظم قوة قطاع غزة العسكرية في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب في 2005، كان يتمنى رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إسحاق رابين أن يستفيق من نومه فيجد البحر قد ابتلع غزة، وربما زادت هذه الرغبة لدى الإسرائيليين مع تطور قدرات غزة العسكرية التي تحاول من خلالها مواجهة العدوان المستمر على الفلسطينيين، ورفع الحصار الإسرائيلي المفروض عليها.

شنت إسرائيل خلال العقد الأخير ثلاث حروب على قطاع غزة، الأولى كانت عام 2008-2009، تبعتها تهدئة في ظل عدم تحقيق إسرائيل لأهدافها، واستمر حصار غزة دون اختراق إيجابي حقيقي سوى وعودات وهمية سرعان ما تبخرت، لتعود الحرب من جديد عام 2012، ورغم أنها كانت خاطفة وسريعة حيث ساهمت مصر في إيقافها بشكل مباشر، إلا أنها أعطت إشارات مغزاها أن المقاومة الفلسطينية أكثر تسلحًا وخبرة من قبل، ليشهد العام 2014 حربًا استمرت 51 يومًا، وهي أطول الحروب التي خاضتها إسرائيل، واعتبر عاموس يدلين رئيس المعهد القومي للدراسات الأمنية بأن إسرائيل خرجت من تلك الحرب بتعادل إستراتيجي.

وفي ذات السياق، شنت القوات الإسرائيلية خلال الحرب الأخيرة قرابة 60 ألف غارة على غزة، واستشهد خلال الحرب أكثر من 2000 فلسطيني، إضافة إلى تدمير قرابة 17 ألف منزل بشكل جزئي و2500 منزل بشكل كلي. ولم تستطع إسرائيل اجتياح غزة، وهو الأمر الذي علّق عليه وزير الجيش بعد شهرين من نهاية الحرب قائلاً: "لو اجتحنا غزة لكنا إلى الآن نعيد في أشلاء جنودنا".

 لم تستطع إسرائيل كذلك تفكيك سلاح المقاومة أو حتى إسقاط حكم حماس، فقد كانت هذه من أهداف إسرائيل المعلنة. ورغم آلة القتل المهولة التي استخدمتها إسرائيل خلال الحرب، إلا أنها أيضًا خرجت بعدد قتلى أكبر، وَشُلّت حركة مطارها الأول بن جوريون لأول مرة في حروبها الأخيرة، فقد كان أداء المقاومة الفلسطينية مختلفًا عن الحروب السابقة فنفّذت عمليات نوعية، والأهم أنها نجحت في أسر أربعة جنود إسرائيليين.

في المقابل لم تستطع حماس والمقاومة تحقيق هدفها برفع الحصار، رغم تلقيها وعودات بذلك، إضافة إلى الموافقة على بناء ميناء يُسهِّل حركة الغزيين، إلا أن تلك الوعودات لم يكن هدفها سوى تهدئة أجواء الحرب، فقد استمر الحصار إلى يومنا هذا، وهو ما دفع رئيس الوزراء الأسبق ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في الأسابيع الأخيرة إلى الحديث عن "فك الحصار أو الانفجار".

• أجواء التصعيد على قطاع غزة 

صرح وزير البناء يوءاب جالنت، وهو لواء سابق في الجيش وقائد المنطقة الجنوبية الأسبق، بأن على إسرائيل الاستعداد الجيد لحرب محتملة وقريبة على غزة، معللاً ذلك بأن حماس تقوم بالاستعداد الجيد للحرب من خلال حفر الأنفاق، فيما أضافت قيادات أخرى بأن على إسرائيل استدراك ما يمكن استدراكه بشن حرب على غزة وتحديدًا حركة حماس، قبل أن تتمكن من مضاعفة قوتها، فيما اعتبر آخرون كرئيس بلدية إيلات أن الحل يجب أن يكون سياسيًّا بمنح غزة ميناءً ومطارًا، وهذا ما يرفضه وزير الجيش موشيه يعلون وكذلك الشاباك الإسرائيلي لأن ذلك من شأنه أن يسهّل عملية تهريب الأسلحة حسب الادعاءات الإسرائيلية.

في ذات الوقت تستمر الجهات العسكرية الإسرائيلية في تدريباتها في منطقة غلاف غزة استعدادًا لأي حرب محتملة، حتى أن نتنياهو ذهب في جولة تفقدية الأسبوع الماضي وجلس مع الضباط والجنود وأشرف على عملهم. لكن حسب التّحليلات الإسرائيليّة، فإنّ القيادة السّياسيّة لحركة حماس غير معنيّة الآن بمواجهة عسكريّة ضدّ إسرائيل، إلّا أنّ التّهديد يكمن في رؤساء الذراع العسكرية، الذين يسعدون دومًا للحرب، وهذا ما يقود إلى حتمية انفجار غزة بسبب الحصار المفروض عليها، والمعطيات في هذا الشأن تروي بشكل يومي المأساة التي يعيشها الغزّيون، إلا أن عامل الزمن لا يمكن حسمه الآن.

ويبقى السؤال المطروح إستراتيجيًّا على الساحة الإسرائيلية، وحتى على الساحة الفلسطينية؛ أنه في ظل عدم تغير الظروف السياسية والإقليمية منذ الحرب الماضية عام 2014، فما هي الجدوى من حرب جديدة لن تستطيع تحقيق نتائج مغايرة لنتائج الحرب السابقة، لاسيما مع عدم وجود تحول أو تغير إستراتيجي مؤثر في المنطقة بشكل عام أو فلسطيني على الأقل؟

غادي أيزنكوت، رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية، قال مؤخرًا بأن غزة تشكّل أخطر أعداء إسرائيل على المستوى التكتيكي الحالي، الأمرٌ الذي جعل إسرائيل عاجزة أمام طبيعة الإستراتيجية التي يجب على إسرائيل اتّباعها مع غزة، "فهي لا تستطيع أن ترى ما تصل إليه المقاومة من تقدم وحفر للأنفاق والكشف عن قدراتها العسكرية وإلى أي مدى تطورت خلال العامين الماضيين، وفي الوقت نفسه فإن افتعال حرب جديدة على الجبهة الجنوبية سيكون مكلفًا لإسرائيل"، في ظل انشغال إسرائيل في جبهات أخرى مثل سوريا والجولان وانتفاضة القدس. ويمكن الإشارة إلى دوافع ومخاوف إسرائيل من حرب جديدة على غزة على النحو الآتي:

•   دوافع إسرائيل لحرب جديدة على قطاع غزة
 

  1. إضعاف المقاومة وإعادتها عدة سنوات إلى الوراء، في ظل القناعة الإسرائيلية بتعاظم قوة المقاومة وزيادة عدد أنفاقها، فإسرائيل تؤمن بسياسية ردع تعتمد على ضبط النفس أمام حركات المقاومة، ومن ثم استخدام نظريات ردعية كـ "جز العشب" و"عقيدة الضاحية"، من أجل إيقاع أكبر الخسائر الممكنة في أقصر وقت ممكن، ليصبح ما تخلفه الحرب من دمار هو الشغل الشاغل لتلك التنظيمات والمنطقة التي تسيطر عليها.
     
  2. استعادة إسرائيل -جيشًا وحكومة- جزءًا من الهيبة المفقودة خلال حروبها الأخيرة، إذ لم تستطع إسرائيل حسم أي من الحروب في العقد الأخير، أو تحقيق نصر حقيقي وجلي كما في حروبها السابقة مع العرب، وتحريك ملف الجنود الأسرى الموجودين بيد المقاومة الفلسطينية في غزة. 
     
  3. استغلال الوضع الإقليمي القائم، إذ إن الحرب على غزة لن تجلب الكثير من الانتباه الإقليمي، في ظل أن آلة القتل الإقليمية الداخلية أقسى ممّا تستخدمه إسرائيل في حروبها ضد الفلسطينيين وغيرهم "الحالة السورية نموذجًا"، إضافة إلى انشغال أعداء إسرائيل الآخرين بحروب داخلية، تشجع إسرائيل للانفراد بغزة.
     
  4. لعقلية اليمينية المتطرفة، التي تؤمن بأن خوض إسرائيل للحروب يضمن الاستقرار الداخلي لحكم اليمين، الذي يُعتبر أكثر ثقة في أعين الجمهور في القدرة على الحفاظ على الأمن، خاصة وأن من يسيطر على دفة الحكم في إسرائيل هم اليمين واليمين المتدين.
     
  5. تحسين ميزانية الجيش، من خلال زيادة الموازنة الأمريكية الأمنية المخصصة للجانب الإسرائيلي، حيث تطمح إسرائيل إلى زيادة الدعم الأمريكي، والذي يزداد بعد كل حرب تخوضها إسرائيل. من جهة أخرى سيوفر عليها ذلك عناء إقرار ميزانية الجيش التي تحتاج إلى نقاش طويل، وتؤدّي إلى خلافات حقيقية إسرائيلية داخلية في كل عام.
     
  6. تدمير الأنفاق، وخاصة بعد وصول بعضها إلى داخل الأراضي المحتلة والبلدات المحيطة بغزة، فقد أعلنت إسرائيل عن اكتشافها لعدد من الأنفاق وعملت على تدميرها، وهذا سيكون عذرًا إسرائيليًّا للحرب، وإنجازًا تستطيع تقديمه للجمهور الإسرائيلي، ففي الحروب السابقة كانت الحجة وقف الصواريخ، ولكن يبدو أن الأنفاق ستكون الحجة الأساسية في هذه الحرب. وهذا يقود إلى النقطة الأشمل المتعلقة بتدمير البنية العسكرية والمؤسساتية لحماس في غزة، وهو ما يترتب عليه ازدياد الوضع سوءًا في القطاع ممّا سيدفع الغزّيين إلى الخروج ضدّ حماس التي جلبت لهم الحرب، ويساعد على إسقاطها وفق ما تعتقد به إسرائيل، وهي القناعة التي يعمل الإعلام الإسرائيلي على زرعها لدى المواطن الفلسطيني في غزة. 
     

• مخاوف إسرائيل من الحرب على قطاع غزة
 

  1. تخشى إسرائيل من عدم قدرتها على ضبط مسار الحرب، إذ لا تحتمل الحكومة والجبهة الداخلية الإسرائيلية وجود حرب طويلة كالتي حدثت في العام 2014، كما لن تتحمل أن تخرج من الحرب دون نتائج ملموسة وحقيقية تعيد الثقة لها ولمؤسساتها الأمنية، فهي ما زالت متشككة من قدرتها على تحقق شيء جديد مغاير لما حققته في الحرب الماضية، خاصة في ظل التسريبات التي نُشرت عن تقرير مراقب الدولة في تقييم حرب 2014، والذي يوجه انتقادات لاذعة لنتنياهو ورئيس أركانه، ويتهمهم بالتقصير في الاستعداد للحرب وفي طريقة إدارتها، وهو ما يثير موجة انتقادات واسعة وخاصة من المعارضة واليسار الإسرائيلي.
     
  2. توقع ردة فعل أقسى من المقاومة، حيث تعتقد إسرائيل أن المقاومة من الممكن أن تقوم بردود فعل أقوى ومفاجآت أكبر من تلك التي كانت في الحرب السابقة، وهو ما قد يكلف إسرائيل خسائر أكبر قد تحرجها أما الرأي العام الإسرائيلي، فلا تستبعد إسرائيل أن تقوم المقاومة الفلسطينية بالتسلل لبعض المناطق الحدودية القريبة وربما السيطرة عليها.
     
  3. لم تتيقن إسرائيل بعد من هدوء تام في الضفة المحتلة والداخل الفلسطيني والقدس على إثر الأحداث الأخيرة "انتفاضة القدس"، ووفق المعطيات فإنها لا تستطيع -أو على الأقل- لا تحبذ أن يكون لديها جبهتان مشتعلتان (الضفة المحتلة وغزة)، خاصة بعد العملية التفجيرية الاخيرة في القدس، والتي تتخوف إسرائيل أن تكون بداية لتحوّل في سلاح الانتفاضة، وفي حال قيام حرب فإن الانتفاضة ستزيد وتيرتها تضامنًا مع غزة وهو ما لا ترغب به إسرائيل، فقد عملت خلال الأشهر الماضية على إحباطها بكل ما أوتيت من قوة.
     
  4. رغم عدم خشية إسرائيل من المواقف الرسمية الأوروبية، إلا أنها تخشى من ازدياد حركة المقاطعة والتي تقودها حركات مجتمعية في أوروبا وغيرها، والتي أضرت بشكل واضح بمصالح إسرائيل، وأحدثت تراجعًا في التضامن معها، وعكست صورة حقيقية عن واقع الاحتلال، وتعريف المجتمع الأوروبي بكل ذلك، وفي حال نشبت حرب جديدة فإنها ستكون بيئة خصبة لزيادة التفاعل مع حركة المقاطعة. 
     
  5. الخشية من إعادة توتر العلاقات مع تركيا، فرغم تصريحات نتنياهو بعدم السماح ببناء ميناء في غزة لعدم قدرته على ضمان عدم تهريب الأسلحة من خلاله، إلا أن أهم البنود التي تعطل الاتفاق الإسرائيلي التركي والذي يعتبر مهمًا لإسرائيل، هو الشرط التركي برفع الحصار عن غزة بما يشمل بناء الميناء، وفي ظل الحديث عن قرب توقيع اتفاق يعيد العلاقات إلى طبيعتها فإن نشوب حرب جديدة سيدفع تركيا لأخذ موقف سلبي من إسرائيل مما قد يؤدي إلى توتر العلاقات وإلغاء أي اتفاقات متوقعة.
     

• الدوافع الفلسطينية لحرب جديدة
 

  1. العمل على تصدير الأزمات الداخلية الناتجة بفعل الحصار المفروض، كالأزمات الاقتصادية ومخلفات الحرب السابقة، مثل (الموظفين، والوضع المعيشي، والكهرباء والغاز، وأزمات المعبر والسفر والمستلزمات الحياتية التي فقدتها غزة منذ تولي حماس السلطة)، حيث يهدف الحصار إلى إقناع سكان القطاع بأن حكم حماس هو من سبب هذه الأزمات، وبأن الحلّ لن يكون من دون الإطاحة بها. فقيام حرب قد يساعد على تهدئة الرأي العام الغزي، من خلال إعادة تسليط الضوء على المسبب الحقيقي للحصار والأزمات الناتجة عنه.
     
  2. إثارة قضية الحصار من جديد ومحاولة تدويلها واستجلاب التعاطف الدولي معها، بهدف إعادة تحريك قضية غزة في المحافل الدولية وخاصة في ظل كثرة الأحداث والأزمات في الشرق الأوسط التي أبعدت عدسة العالم عن غزة والقضية الفلسطينية بشكل عام. فنشوب حرب جديدة سيساعد على تحريك حالة الجمود السياسي وفتح الانسداد في الأفق فيما يتعلق بملف غزة.
     
  3. تعزيز قدرة الردع، وإبراز القدرات العسكرية لدى المقاومة الفلسطينية في غزة وتجهيزاتها وربما تجربة بعض الأسلحة واختبارها، بهدف زيادة ثقة الشارع الفلسطيني بها، وزيادة ثقة الرأي العام بالفصائل التي ترعى المقاومة وخاصة حركة حماس. من جهة أخرى قد يخدم التصعيد من بعض التنظيمات في غزة مثل حركة الصابرين بعض دول الإقليم مثل إيران في الضغط على إسرائيل، وربما في الضغط أيضًا على بعض التنظيمات الفلسطينية.
     
  4. إيصال رسالة لإسرائيل بأنها لن تبقى بمنأى عن أزمات قطاع غزة، وتحميلها مسؤولية تردّي الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في القطاع، فإسرائيل هي المسؤول الأول والأخير عن كل ذلك، وفي حال استمرار الحصار والوضع على ما هو عليه، فإن انفجار غزة سيكون طبيعيًّا في وجه إسرائيل.
     

• المخاوف الفلسطينية 
 

  1. ستؤدّي حرب جديدة على غزة إلى تدمير البنية التحتية والمباني والتجمعات السكنية وأضرار مادية قد تطال كل ما لم تصبه الحرب السابقة التي ما زالت آثارها جاثمة في ظل عدم البدء الحقيقي في اعمار غزة، كما من المتوقع أن يكون عدد الشهداء والجرحى والخسائر البشرية الفلسطينية أكثر بكثير من تلك الإسرائيلية، فالحرب تهديد حقيقي لجميع جوانب الحياة في غزة، أضف إلى ذلك تردّي الوضع الاقتصادي وبنية مؤسسات الحكومة ومستقبلها. من جهة أخرى فإن دخول إسرائيل لمناطق داخل حدود قطاع غزة سيمكنها من اكتشاف أنفاق وتدميرها والتسبب بأضرار عسكرية للمقاومة الفلسطينية واكتشاف استعدادات لم تكن مكتملة.
     
  2. التخوف الأكبر الذي يخشاه الفلسطينيون أن نشوب حرب مع إسرائيل لن يكون له نتائج جديرة بالذكر، وستكون تكرارًا لنتائج الحرب السابقة، والتي عمليًّا لم تفض إلى تقدم في رفع الحصار وباقي الأمور العالقة، وهو ما يضع الفصائل الفلسطينية في موقف حرج من إمكانية تحقيق إنجاز حقيقي من خلال الحرب.
     
  3. تخوفات حماس من الحرب في مجملها سياسية، فزيادة الدمار في غزة دون نتائج ودون رفع للحصار سيضع سلطتها في موقف المسؤولية أمام المواطن الغزي، وقد يجبرها سوء الأحوال إلى التخلي عن السلطة أو عن أجزاء منها من أجل تحقيق انفراج أكبر في غزة ورفع الحصار وفتح المعابر، وعمليًّا فهذا الخيار مطروح على حماس من قبل، ولكن قد تكون الحرب وآثارها ظرفًا يجبر قيادة حماس السياسية على القبول به. 
     
  4. قد تسمح حرب جديدة بتدخل بعض الدول الإقليمية بشكل مباشر في غزة، مثل إيران التي ترعى حركة الصابرين في غزة، إذ إن لديهم بعض المجموعات المسلحة التي ستتدخل حتمًا في تطور الأحداث. من جهة أخرى ستفرض الحرب تدخل بعض الدول سياسيًّا، وربما فرض توجهات غير مقبولة لدى البعض الفلسطيني من دول الإقليم، مثل مصر وتركيا وقطر وغيرها، ولكن قد يضطر الفلسطينيون للقبول بها لوقف الحرب أو في إطار هدنة شاملة. 
     

• سيناريوهات المرحلة المقبلة

السيناريوهات المتوقعة للمرحلة المقبلة كثيرة ومن الصعب توقعها، خاصة وأن نشوب حرب جديدة لا يعتمد فقط على ما يُنشر في وسائل الإعلام ويصرح به السياسيون والمحللون، وإنما يعتمد بالأساس على المعلومات الأمنية والعسكرية لدى الطرفين في الميدان، والتي عادة لا يتم نشرها، مع ذلك، فإن سخونة الأجواء وتصاعد الأحداث الميدانية، بالإضافة إلى إدراك طبيعة وأهداف وسياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين بشكل عام والمقاومة بشكل خاص، وكذلك معرفة الظروف القائمة في قطاع غزة تقود إلى سيناريوهين مستقبليين لتطور الأحداث بين غزة وإسرائيل على النحو الآتي:

أولاً: نشوب حرب على شاكلة الحرب السابقة عام 2014، تهدف إلى صياغة تفاهم جديد، وهذا السيناريو غير مستبعد لكنه ليس هو المرجح الآن، لأن الحرب لن تأتي بجديد لأي من الطرفين، وإنما ستعيد ما تم الاتفاق عليه في نهاية الحرب الماضية، فإسرائيل ليست راغبة بحرب طويلة تربك جبهتها الداخلية، وفي الوقت نفسه تشعر بأن هيبتها تتطلب افتعال حرب جديدة، حتى وإن كانت قصيرة، وتكون يدها هي العليا فيها، وذلك من أجل تفعيل الكثير من القضايا وعلى رأسها ملف الجنود الأسرى، وتدمير أكبر قدر من الأنفاق التي تجتاز المناطق الحدودية، وضرب البنية العسكرية للمقاومة والذي سيكون هدف الحرب المعلن، مع استمرار عملها على تطوير تكنولوجيا أكثر تقدمًا لمحاربة الأنفاق. في حين أن المقاومة الفلسطينية لن تحقق سوى بعض الإنجازات العسكرية والعمليات النوعية، دون إنجازات سياسية تليق بالإنجازات العسكرية، لكن غزة ستنجح ربما في تصدير بعض الأزمات الداخلية، وتندرج تحت هذا السيناريو دوافع الطرفين المذكورة سابقًا، وهذا السيناريو هو الأقل ترجيحًا.

ثانيًا: بقاء الأوضاع على حالها مؤقتًا، مع اللجوء إلى توتير مؤقت ومحدود للأوضاع الأمنية بين الجانبين ومن ثم العودة للهدوء والبدء بترتيبات سياسية وتحرك سياسي إقليمي وخاصة بتدخل تركيا التي تشترط فك الحصار لعودة العلاقات مع إسرائيل، ممّا سيؤهل غزة بعدها –ربما- لتوقيع اتفاق يضمن رفع الحصار عن غزة جزئيًّا أو كليًّا والسماح ببناء الميناء، وتحريك ملف الجنود الأسرى، وبالتالي سيُعتبر إنجازًا فلسطينيًّا، تود المقاومة الحفاظ عليه بتجنب الحروب وويلاتها.

 من جهة أخرى سيضمن هذا السيناريو لإسرائيل أمنها في الجنوب محققة هدوء يضمن لها بقاء المستوطنين في غلاف غزة، وبهذا تكون إسرائيل قد انتقلت إلى ردع غزة ردعًا ناعمًا، وتستطيع الحكومة الإسرائيلية كذلك تسويق اتفاق أمام جمهورها في ظل الاعتقاد الإسرائيلي بأن التوصل إلى حل لمشكلة غزة متطلب إستراتيجي، كما سيكون الموقف المصري سندًا لهذا السيناريو. وقد تستمر لغة التهديد والوعيد بين الجانبين، وربما بعض المناوشات الجزئية والمضبوطة كلما تم اكتشاف أنفاق في المناطق الحدودية أو أماكن تدريب للمقاومة الفلسطينية، وهذا السيناريو هو الأكثر ترجيحًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى