التجمع الديمقراطي الفلسطيني.. السياق والآفاق

مقدمة

أُعلن في الثالث كانون الثاني/ يناير 2019 عن إطلاق التجمع الديمقراطي الفلسطيني، وقد عُدّ هذا الإعلان هو الإعلان الرسمي، من بعد إعلان أول كان في قطاع غزّة في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2018، ثم إعلان ثانٍ في الضفة الغربية في 23 كانون الأول/ ديسمبر 12018، ويضمّ التجمع الديمقراطي قوى اليسار الفلسطينية الأساسية في الساحة الفلسطينية؛ الجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، وحزب الشعب الفلسطيني، والمبادرة الوطنية الفلسطينية، وحزب فدا2، بالإضافة إلى شخصيات مستقلّة، في مبادرة اختلف المراقبون في توصيفها؛ هل هي محاولة لتوحيد قوى اليسار الفلسطيني في برنامج عمل مشترك، أم هي محاولة لخلق تيار وطني ثالث يحتوي الاستقطاب بين حركتي فتح وحماس3.

تقرأ هذه الورقة في السياق الذي وُلد فيه التجمع الديمقراطي الفلسطيني، والملابسات المحيطة بهذا الإعلان، وتحاول استشراف آفاق التجمع، واحتمالات نجاحه، والعقبات التي قد تعيق هذا النجاح.

نظرة عامة

السياق و السردية

في برنامج العمل المشترك الذي أعلنه التجمع، وبالإضافة للتحديات الخارجية الكبرى التي تواجه القضية الفلسطينية، فإنّه ركّز، في سياقته لمبررات إيجاد التجمع، على الحالة الفلسطينية الداخلية، انطلاقًا من الانقسام الذي يبدو، لمؤسسي التجمع، أنّه على وشك الدخول في حالة انفصال كامل تشكل كارثة للمشروع الوطني، بيد أنّه أولى الاهتمام بشكل واضح، لحالة الاستبداد الداخلي، "في الضفة الغربية وغزّة"، من سماتها الحكم بالمراسيم الرئاسية وإطلاق العنان للأجهزة الأمنية، ثم استعرض ما تتعرض له منظمة التحرير، من تآكل وتهميش لصالح السلطة الفلسطينية وأجهزتها، وعلى النحو الذي أغلقت فيه أي محاولات لإحياء المنظمة وترميمها، وبالتالي شلّ منظمة التحرير، والاستهتار بقراراتها ومكانتها التمثيلية، ولاسيما تلك الهادفة إلى الخروج من مسار أوسلو4.

وانطلاقًا من هذه التحديات الخارجية والداخلية، يرى مؤسسو التجمع حاجة إلى إستراتيجية وطنية جديدة، مشيرين إلى أنّ هذه الإستراتيجية محدّدة بقرارات سابقة اعتمدها المجلسان الوطني والمركزي، إلا أن القيادة الرسمية لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية –كما يقول مؤسسو التجمع- تدير ظهرها لهذه القرارات وتعطّل تنفيذها، فلا بدّ، والحال هذه، -كما يقول مؤسسو التجمع – من وحدة عمل، تقوم على كتلة شعبية متنامية تضغط على "قطبي السلطة"، وبالتالي كان "التجمع الديمقراطي الفلسطيني"، معبّرًا عن صيغة ائتلافية تعمل ضمن إطار منظمة التحرير، داعيًا، أي تجمع، سائر القوى والفعاليات، التي تؤمن بالعمل المشترك، للانضمام إليه، وفق برنامج أعلن عنه5.

البرنامج المعلن

يمكن القول إنّ البرنامج المعلن، من مؤسسي التجمع الديمقراطي، يمثّل في بنوده السياسية، محلاً لقدر معقول من الاتفاق الوطني، على المستوى النظري، وقد يظلّ النقاش فيما سوى ذلك، من بنود اجتماعية، باتت ومنذ تأسيس السلطة الفلسطينية، تشكّل محورًا مركزيًا في خطاب قوى اليسار الفلسطيني، ولاسيما في الأجواء التنافسية، كما في الانتخابات الطلابية الجامعية.

فسياسيًا، افتتح البرنامج بنوده، بالتمسك بالبرنامج الوطني الأساسي المتمثل بحق العودة وتقرير المصير، مع التأكيد على التمسك بمنظمة التحرير ممثلاً وحيدًا للشعب الفلسطيني، ورفض اصطناع أي بدائل لها، داعيًا إلى انتخابات عامة تجدد ثقة الجماهير بالمنظمة، وفق التمثيل النسبي الكامل، وفي الإطار السياسي، دعا إلى تعزيز الإجماع ضد صفقة القرن، وقطع العلاقات مع الولايات المتحدة، والتمسك بالمقاومة والنهوض بالمقاومة الشعبية، والضغط لإنهاء الانقسام، وتنفيذ قرارات المجلس الوطني بإلغاء الإجراءات التي تمسّ المصالح الحيوية للمواطنين في قطاع غزّة، وتنفيذ قرارات مؤسسات منظمة التحرير الرامية للخروج من مسار أوسلو، وتبني حركة المقاطعة، والنضال من أجل فكّ الحصار عن قطاع غزّة، وتشكيل مرجعية وطنية موحدة لأهالي القدس، والوقوف أمام محاولات تصفية قضية اللاجئين، والعمل على استنهاض دور منظمة التحرير للقيام بدورها في بلدان اللجوء6.

وأمّا في العلاقات الوطنية الداخلية، وإدارة السلطة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزّة، وما يتعلق بالحريات العامة، فقد دعا لاحترام الحريات وحقوق المواطنين، ووقف كلّ أشكال الاعتداء على الحريات العامة، كما في قانون الجرائم الإلكترونية، أو منع التجمع والتظاهر، أو محاولات فرض الهيمنة على مؤسسات المجتمع المدني، والدفاع عن استقلال القضاء، وقد دعا البرنامج، لإعادة تشكيل المحكمة الدستورية7.

وفي الشقّ الاجتماعي من البرنامج، وبالإضافة للتركيز التقليدي على ضرورة النضال في سبيل سياسة اقتصادية- سياسية، تعزز الصمود الوطني في مواجهة الاحتلال ومكافحة الفقر والبطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهو ما يحظى بالضرورة على الإجماع الوطني النظري، فإنّ البرنامج أولى اهتمامًا تفصيليًّا، بحقوق العمال، وبالسياسة الضريبية داعيًا إلى توزيع العبء الضريبي بشكل عادل بين مختلف طبقات الشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى ضرورة تصويب أولويات الإنفاق العام بتخفيض الإنفاق على الأمن لصالح إعطاء الأولوية لنفقات التعليم والصحة، وتأمين حقوق الأسرى والجرحى، وتعزيز صمود القدس وغيرها من المناطق المهددة بالسياسات الاستعمارية الاستيطانية8.

وفي الإطار الاجتماعي نفسه، وفي دعوته للدفاع عن حقّ المرأة، في المساواة التامّة والمشاركة الفاعلة في آليات صنع القرار، في مختلف المجالات، فإنّه دعا إلى مواءمة التشريعات بما ينسجم مع أحكام اتفاقية (سيداو) التي وقعت عليها دولة فلسطين9، وهي دعوة تتسق مع صبغة التجمع.

الفعاليات والمواقف

ما يزال التجمع في بدايته، ومن المبكر استعراض فعالياته ومواقفه، بيد أنّه حرص على إبراز نفسه عمليًّا، وعلى التعبير عن مواقف موحدة إزاء جملة أحداث وقضايا، ومن ذلك، وفي خطوة أشبه بالإعلان العملي عن نفسه وفاعليته، المسيرة التي نظّمها التجمع في كلّ من الضفّة الغربية وقطاع غزّة، في 12 كانون الثاني/ يناير 2019، تتبنى في أهدافها وشعاراتها جانبًا من البنود التي تضمنها برنامج التجمع، ولاسيما الدعوة لإنهاء الانقسام، والعمل على التصدي لصفقة القرن، ومواجهة حراك التطبيع10.

وفي موقفه إزاء سياسات "طرفي الانقسام"، كان التجمع وفي بيان الإعلان عن نفسه، قد هاجم حلّ المجلس التشريعي، حيث تزامن إعلان التجمع عن نفسه مع حلّ المجلس التشريعي، الذي اعتبره التجمع، لا أساس له دستوريًّا، وأنه يطيح بأحد أبرز بنود المصالحة، ويقوّض مسيرتها بما يعجّل نحو انفصال غزّة عن الضفة11، وفي المقابل أدان التجمع ما قال إنها اعتقالات واستدعاءات قامت بها الأجهزة الأمنية في قطاع غزّة ضدّ كوادر وعناصر حركة فتح بسبب الخلاف حول إقامة فتح لاحتفاليتها في ذكرى انطلاقتها في القطاع12.

وفي القضايا الدولية، أدان التجمع الديمقراطي الفلسطيني، المحاولة الانقلابية في فنزويلا، وذلك أثناء مشاركته في وقفة تضامنية دعت إليها عدد من القوى الوطنية والإسلامية أمام ممثلية فنزويلا بمدينة رام الله، فقد قال على عمر شحادة، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إنّ ما يجري في فنزويلا مؤامرة على الديمقراطية، وشعوب أميركا اللاتينية، منددًا بما وصفه بالسلوك الأمريكي الرجعي13.

المواقف والإشكاليات

لم تصدر القوى الفلسطينية الأساسية، فتح وحماس والجهاد الإسلامي، مواقف خاصّة من إعلان التجمع، بينما انحصرت المواقف تجاه التجمع، في كياناته وشخصياته المؤسسة، ولدى عدد من المراقبين و الكتاب والبحاث، ومراكز الدراسات والأبحاث.

وإذا كان، كما هو مفترض بداهة، أن تتفق قوى التجمع على الأفكار الأساسية الواردة في برنامجه، فإنّه من الضروري محاولة استكشاف متانة التجمع، وقدرته على مواجهة التحديات ذات الطابع التنظيمي والعملي، وهو ما حاولت زهيرة كمال، الأمين العام للاتحاد الديمقراطي الفلسطيني "فدا"، الحديث حوله، بقولها: "اليوم نعمل سوية على القواسم المشتركة، وكيفية فتح حوار حول أي قضية؛ فالعملية الديمقراطية هي ضمانة من أجل استمرار التجمع"14، بيد أنّ إحالة النقاشات إلى صيغة فضفاضة من الحوار الديمقراطي لا تبدّد مخاوف المراقبين الذين يرى بعضهم أن التجمع أمامه مهمة بلورة إطار قيادي مستقل بذاته، و صياغة نظام داخلي ينظّم عمل الأطر القيادية المنضوية في التجمع وهو ما قد يبقي التجمع في حالة تجاذب قيادي من شأنّها شلّ عمله15.

هذه النقطة، تطرق لها كذلك ممدوح العكر عضو التجمع الذي تحدث عن ضرورة توفير البيئة التنظيمية التي تُشجّع المستقلين على الانضمام للتجمع، وتضمن للتجمع النجاح16، وفي الإطار ذاته كان حديث جميل مزهر عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي تناول ضرورة استقطاب الشباب للتجمع لضمان نجاحه17، بيد أنّ هذه الدعوات ظلّت في الإطار العام دون تحديد آليات إنجاح التجمع، أو حل المعضلات التنظيمية المعيقة، كعقد مؤتمر عام للتجمع تنبثق عنه انتخابات حقيقية لإدارته18.

طريق ثالث أم وحدة يسار؟

يتكون التجمع الديمقراطي من قوى اليسار الفلسطيني الأساسية، وهو أمر قد يدعو لرؤية التجمع كواحدة من المحاولات العديدة لتوحيد قوى اليسار، التي تكررت عدة مرات منذ سبعينيات القرن الماضي، إلى ما بعد تأسيس السلطة الفلسطينية19، وإلى ما قبل الإعلان عن التجمع. وحتى وقت قريب، حرصت هذه القوى في بعض الأحيان على إصدار مواقف موحدة باسم "القوى الديمقراطية"20، بيد أنّ هذه المحاولات، التي صارت تأخذ في السنوات الأخيرة شكل المواقف أو البيانات المشتركة، لم تتخذ شكل المشروع المشترك، وفي محطات مفصلية سابقة، عجزت قوى اليسار عن دخول الانتخابات، سواء الرئاسية أو التشريعية في قائمة واحدة، أو بلورة موقف واحد من الانتخابات المحلية.

إلا أنّه ورغم الطابع اليساري للتجمع، سواء من جهة الكيانات والشخصيات المؤسسة، أو من جهة بعض المضامين الاجتماعية لبرنامج التجمع، فإنّ التجمع رغب في الوقت نفسه في أن يُعبّر عن ذاته بصفته طريقًا ثالثًا يحتوي الاستقطاب الناجم عن صراع حركتي حماس وفتح، وهو ما عبّرت عنه نادية أبو نحل عضو التجمع بقولها إنّ التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية تتطلب "وجود تجمع ثالث يحدُّ من حالة الاستقطاب الثنائي ما بين الطرفين، بما يقود إلى تعزيز العملية الديمقراطية21، أو بحسب تعبير القيادي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين طلال أبو ظريفة فإن التجمّع الديمقراطي "سيكون قوّة سياسية قادرة على أن توازن بين قوتي حركتي فتح وحماس لإحداث تغيير جذري على الساحة الفلسطينية"22، وهو التطلع الذي لاحظه المراقبون كذلك23، تجدر الإشارة حينئذ إلى محاولات سابقة، اشتغلت على اجتراح تيار ثالث من بين استقطاب حركتي حماس وفتح، حتى قبل الانقسام الفلسطيني، كما في محاولة "الطريق الثالث" التي قادها سلام فياض في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 24، والصورة التي حاول مصطفى البرغوثي أن يقدّم بها ترشحه للرئاسة في العام 2005 25.

إنّ محاولات خلق تيار ثالث بين حركتي فتح وحماس، سبق لها وأن أخفقت إذن، وبالقدر الذي ما يزال يتحمس فيه عديد المراقبين لمحاولة كسر ثنائية حماس وفتح، فإنّ آخرين يرون أن كسر هذه المعادلة دونه عقبات هائلة، وإذا كانت المحاولات التي أعلنت شعار "التيار الثالث" صراحة لم تسجل نجاحًا حقيقيًا، فإنّ بقية القوى الأساسية كذلك في الساحة الفلسطينية لم تستطع تعزيز وجودها في ظل انقسام حركتي فتح وحماس، بيد أنّ لحالة "التجمع الديمقراطي" خصوصية، تفرض محاولة النظر في ملابسات ظهوره والاحتمالات التي قد يؤول إليها، من خلال هذه التركيبة التي تحاول الجمع بين كونها تيارًا ثالثًا، وبين كونها تجمعًا يساريًّا وعلى نحو يبدو معقدًا.

حين النظر إلى ظروف ظهور التجمع، وبعد الأخذ بعين الاعتبار مجمل المحاولات التاريخية السابقة، القديمة منها والحديثة، لتوحيد قوى اليسار، ينبغي الأخذ بعين الاعتبار في اللحظة الراهنة، الظروف الخطيرة التي تعانيها هذه القوى على وجه الخصوص، في وقت تشكو فيه، من تفرّد مطلق بمنظمة التحرير، ومحاولات لتسميم علاقات فصائل اليسار البينية، وإيجاد بدائل عن هذه القوى26، وقد تجلّت أزمة هذه القوى مع القيادة الرسمية لمنظمة التحرير من خلال مقاطعة بعضها لاجتماعات المجلس الوطني أو المركزي الأخيرة التي أعيد فيها صياغة مؤسسات منظمة التحرير27، وقد عانت هذه القوى، في محاولتها اتخاذ خطّ مستقل عن سياسات القيادة الرسمية لمنظمة التحرير، من الابتزاز المالي، بقطع مخصصات تلك الفصائل، كما حصل مع الجبهة الشعبية عدة مرات28، وكذا كما يحصل أحيانًا مع الجبهة الديمقراطية29، وبالتالي فإنّ تعمّق الانقسام الفلسطيني في الفترة الأخيرة، بات يشكّل أزمة تقدر قوى اليسار خطورتها على دورها في المشهد الفلسطيني وعلى القضية الفلسطينية برمتها.

الظروف الراهنة كانت محركًا مهمًّا في هذا الاتجاه، بالإضافة إلى الحراك المطلبي المتمثل في رفض قانون الضمان الاجتماعي، الذي حقّق نجاحات مهمّة على مستوى الاستمرارية، في وقت تشير فيه استطلاعات الرأي إلى وجود كتلة ضخمة لا تؤيد أيًّا من قطبي الانقسام، ففي آخر استطلاعات الرأي، وفي حال أجريت انتخابات برلمانية، قال 10٪ إنهم سيصوتون لكتل أخرى غير حماس وفتح، في حين قال 21٪ إنهم لم يحسموا قرارهم بهذا الخصوص، وهذا من أصل 69٪ قالوا إنهم سيشاركون في التصويت في حال أجريت هذه الانتخابات30، وهو ما يعني أن الكتلة الجماهيرية العازفة عن قطبي الانقسام كبيرة، وهو ما يدفع بعض المراقبين للاعتقاد أن هذا يبعث على الأمل في إمكانية نجاح التجمع في حال وجدت فيه هذه الكتلة القدرة على تلبية مطالبها وطموحاتها31.

لكن السؤال يظلّ قائمًا حول هذا المركّب، إذ و بمعزل عن التحديات الداخلية المتعلقة بالتجمع نفسه والتي سبقت الإشارة إلى بعضها، هل يمكن للتجمع الجمع بين غاية يسارية خاصّة به، وبين أن يكون طريقًا ثالثًا يمثّل الكتلة الجماهيرية الضخمة العازفة عن القوى الرئيسية والتي قد تتنوع توجهاتها؟

خصوصا في ضوء توصيف التجمع نفسه للظرف الفلسطيني الحالي كأزمة وطنية، والتي قد تحتاج تجمعًا وطنيًّا لا يساريًّا32، والحال هذه، فإنّ هوية التجمع الجديد تظلّ إشكالية، على النحو الذي يرى فيه البعض، أن صيغة التجمع أقرب للهيكل الفضفاض بالمعنى التنظيمي، وبما يحول دون فهم واضح لطبيعة التشكيل33.

بجانب ما سبق ذكره هناك ضرورة للنظر في المسافات في المواقف السياسية بين القوى المؤسسة، والتي يبدو بعضها قريبًا من قيادة السلطة الفلسطينية، ويبدو بعضها الآخر أبعد بكثير، في حين لا تتفق هذه القوى على موقف واحد من موضوعات أساسية كالمقاومة المسلحة34، ولذلك جاء برنامج التجمع أقرب إلى البرنامج الوسط بين مجمل قواه المشاركة، كالصيغة الفضفاضة حول البرنامج الوطني "المتمثل بحق العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة بعاصمتها القدس"، والذي يرى فيه البعض تمسّكًا بحلّ الدولتين، كما أن التجمع لم يأت على ذكر المقاومة المسلحة، في حين نصّ على المقاومة الشعبية، وهو ما يعني أن برنامج التجمع أقرب ما يكون للتسويات بين مختلف مكوناته من أن يكون تعبيرًا عن حالة صلبة قادمة، تجمع اليسار، أو تكسر ثنائية فتح وحماس.

وبالإضافة لذلك تظلّ قدرات التجمع، محلّ شكّ، ويبدو ذلك جليًّا في عدم قدرته على استقطاب الشباب، كما ألمح لذلك بعض مؤسسيه35، ونوّه إليه بعض المراقبين، بالحديث عن سيطرة القيادات التاريخية على التجمع، دون شريحة الشباب36، كما أن قدرته على الحشد في المسيرة التي نظمها للإعلان عمليًّا عن نفسه لم تكن استثنائية. بالإضافة للمواقف المختلفة التي صدرت من مكونات التجمع تجاه مقترحات حركة فتح لحل حكومة رئيس الوزراء الفلسطينية رامي الحمد لله واستبدالها لحكومة مشكلة من فصائل منظمة التحرير.

خلاصة.. آفاق التجمع

بالرغم من الظروف العامّة المشجعة على محاولة خلق مبادرة وطنية تتصدّى لتحديات الظرف الراهن الداخلية والخارجية، وما يتصل بهذا الظرف من ممكنات مفتوحة لاجتراح مبادرات من هذا النوع، يواجه التجمع سؤال الهدف، إن كان محاولة لمعالجة أزمة ذاتية تخصّ اليسار، أم هو محاولة جادّة لخلق تيار ثالث. وهل الإجابة عن التحديات الوطنية الكبرى ذات الطبيعة السياسية، تتطلب اصطفافات على أساس أيديولوجي أم البحث عن القواسم السياسية المشتركة.

بالإضافة لذلك يكاد يجمع المراقبون، بما في ذلك المتشجعون منهم للفكرة، على أنّ مؤسسي التجمع لم يدرسوا أسباب الفشل السابقة عند محاولة إيجاد تشكيل كهذا، وأن أسباب الفشل ما تزال قائمة، ومنها التفاوت السياسي بين أطراف التجمع، في قضايا مركزية تتعلق بالمنظمة والسلطة والحكومة والمقاومة، وذاتيًّا في آليات إدارة التجمع الداخلية، إذ لم يبلور التجمع بعد آليات قيادية ديمقراطية وتمثيلية واضحة، واكتفى بالصيغ الفضفاضة لتشكيله ولبرنامجه، إذ لم يطرح التجمع برنامجًا تفصيليًّا يتجاوز العموميات التي لجأ لها في برنامجه المعلن عنه، وهو ما يعني افتقاده لا الممكنات العملية والمادية فحسب، وإنما النظرية أيضًا، إذ لا تكفي صيغ اللقاءات العمومية لحلّ أيّ من المعضلات التي طرحها التجمع، سواء فيما يتعلق بالمنظمة وتفرد القيادة الحالية، أو الانقسام، أو التحديات الخارجية الكبرى.

لغاية اللحظة لم يكشف التجمع عن بنية صلبة من شأنها أن تشكل ثقلا تنظيميا يكسر توازنات الحالة الفلسطينية، وقد ظلت صيغته الائتلافية، أقرب إلى نمط البيانات المشتركة، و لم تتطور صيغته الائتلافية إلى حالة تنظيمية أرقى وأكثر صلابة، ولذلك فإنّ القوى الأساسية في الساحة الفلسطينية لم تظهر ردود فعل واضحة تجاهه، و لم تصدر أي مواقف بشأنه، بينما استقطب اهتمام المراقبين وبعض مراكز الأبحاث، وبالتالي فإنّ من أهم أولويات التجمع أن يأخذ هو نفسه على محمل الجدّ37، وستكون بعض الملفات القادمة، مثل الموقف من تشكيل الحكومة، محلّ اختبار حقيقي لصلابة التجمع.


1 . التجمع الديمقراطي الفلسطيني، موقع مجلة الهدف، 13 كانون الأول/ يناير 2018، https://goo.gl/DBxFnD

2. 5 فصائل يسارية تعلن عن تشكيل التجمع الديمقراطي الفلسطيني، موقع وكالة سما الإخبارية، 23 كانون الأول/ ديسمبر 2018، https://goo.gl/jkdAwY

3. هاني المصري، التجمع الديمقراطي: ممنوع الفشل هذه المرة، 15 كانون الثني/ يناير 2019، https://goo.gl/6aP1dj

4. التجمع الديمقراطي الفلسطيني، موقع مجلة الهدف، مصدر سابق.

5. المصدر السابق.

6. المصدر السابق.

7. المصدر السابق.

8. المصدر السابق.

9. المصدر السابق.

10. بدعوة من التجمع الديمقراطي الفلسطيني الآلاف يتظاهرون ضدّ الانقسام وصفقة القرن والتطبيع في غزة والضفة، موقع مجلة الهدف، 12 كانون الأول/ يناير 2019، https://goo.gl/GnfZJn

11. صيغة ائتلافية داخل منظمة التحرير.. الإعلان عن انطلاقة التجمع الديمقراطي الفلسطيني، موقع مجلة الهدف، 3 كانون الثاني/ يناير 2019، https://goo.gl/fHFBhc

12. التجمع الديمقراطي يدين اعتقال كوادر وأعضاء فتح في غزة، موقع وكالة سوا، 31 كانون الأول/ ديسمبر 2018، https://goo.gl/GdG7D4

13. رام الله: وقفة تضامنية مع فنزويلا ضد محاولة الانقلاب، موقع وكالة معا، 24 كانون الثاني/ يناير 2019، https://goo.gl/mH5dKo

14. "التجمع الديمقراطي الفلسطيني".. هل يجتاز عتبة الانطلاقة؟، موقع صحيفة القدس المحلية، 23 كانون الثاني/ يناير 2019، https://goo.gl/P1XKCP

15. صابر عارف، حل المجلس التشريعي الفلسطيني وتشكيل التجمع الديمقراطي للحفاظ على الذات الفصائلية، موقع الرأي اليوم، 25 كانون الأول/ ديسمبر 2018، https://goo.gl/u63JQm

16. "التجمع الديمقراطي الفلسطيني".. هل يجتاز عتبة الانطلاقة؟، موقع صحيفة القدس المحلية، مصدر سابق.

17. المصدر السابق.

18. مداخلة للكاتب جهاد حرب في ندوة نظمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات)، انظر المصدر السابق.

19. صابر عارف، حل المجلس التشريعي الفلسطيني وتشكيل التجمع الديمقراطي للحفاظ على الذات الفصائلية، موقع الرأي اليوم، مصدر سابق.

20. "القوى الديمقراطية الخمس" تدعو للسرعة في إنجاز ملف المصالحة، موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، 21 أيلول/ سبتمبر 2017، https://goo.gl/EL1iFQ

21. "التجمع الديمقراطي الفلسطيني".. هل يجتاز عتبة الانطلاقة؟، موقع صحيفة القدس المحلية، مصدر سابق.

22. يهدف لمجابهة صفقة القرن وإنهاء الانقسام أبو ظريفة: "التجمّع الديمقراطي" قوّة سياسية لإحداث تغيير جذري، موقع وكالة صفا، 21 كانون الثاني/ يناير 2019، https://goo.gl/b4H5f8

23. تجمع ديمقراطي لكسر قطبية فتح وحماس وإنهاء انقسامهما، موقع الجزيرة نت، 12 كانون الأول/ يناير 2019، https://goo.gl/XJceWu

24. حسين حجازي، عن "الطريق الثالث"، والاستقطاب الفلسطيني الجديد…!، موقع صحيفة الأيام المحلية، 24 كانون الأول/ ديسمبر 2005، https://goo.gl/5qd8Qu

25. مصطفى البرغوثي: ضد أوسلو وزعيم "التيار الثالث"، موقع صحيفة الاتحاد الإماراتية، 28 كانون الثاني/ يناير 2005، https://goo.gl/hFsVTa

26. التجمع الديمقراطي الفلسطيني، موقع مجلة الهدف، 13 كانون الأول/ يناير 2018، مصدر سابق.

27. انظر عن ذلك تقرير مركز رؤية للتنمية السياسية:

المجلس المركزي وتجديد منظمة التحرير.. جدلية الانقسام والمواجهة، مركز رؤية للتنمية السياسية، 12 أيلول/ سبتمبر 2018، https://goo.gl/cu6d6z

28. عباس يقطع مخصصات «الشعبية» منذ 4 ـأشهر ولقاء مع فتح خلال يومين، موقع صحيفة الرسالة، 14 نيسان/ إبريل 2018، https://goo.gl/k1P6b5

29. الجبهة الديمقراطية تطالب بالتراجع عن قطع مخصصاتها، موقع وكالة معا، 17 نيسان/ إبريل 2016، https://goo.gl/miEVnz

30. نتائج استطلاع الرأي العام رقم – 70، المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، 27 كانون الأول/ ديسمبر 2018، https://goo.gl/bdM8Bt

31. هاني المصري، التجمع الديمقراطي: ممنوع الفشل هذه المرة، المركز الفلسطيني للأبحاث السياسية والدراسات الاستراتيجية – مسارات، 15 كانون الثاني/ يناير 2019، https://goo.gl/4h2PzG

32. هاني المصري، التجمع الديمقراطي: ممنوع الفشل هذه المرة، المركز الفلسطيني للأبحاث السياسية والدراسات الاستراتيجية – مسارات، مصدر سابق.

33. هاني حبيب، «أبو سيف».. والتجمع الديمقراطي الفلسطيني!، موقع وكالة سوا الإخبارية، 19 كانون الأول/ ديسمبر 2018، https://goo.gl/C1bqGf

34. خالد بركات، مبادرة "التجمع الديمقراطي".. هل ينجح اليسار الفلسطيني هذه المرّة؟، موقع شبكة نوى، 27 كانون الأول/ ديسمبر 2018، https://goo.gl/4KuaY6

35. مزهر: يجب إعطاء الشباب فرصة ومساحة في التجمع الديمقراطي الفلسطيني، موقع فلسطين اليوم، 25 كانون الأول/ ديسمبر 2018، https://goo.gl/LwtaVj

36. هاني حبيب، حتى لا يكون التجمع الديمقراطي "تجربة سابقة" إضافية!، موقع حزب الشعب الفلسطيني، 19 كانون الأول/ ديسمبر 2018، https://goo.gl/XmGW2q

37. هاني المصري، التجمع الديمقراطي: ممنوع الفشل هذه المرة، المركز الفلسطيني للأبحاث السياسية والدراسات الاستراتيجية – مسارات، مصدر سابق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى