الانتخابات التشريعية الفلسطينية وسباق القوائم
أيمن دراغمة
على الرغم من صعوبة الأوضاع الصحية والإغلاق التام، تنشغل القوى والفصائل والنخب الفلسطينية هذه الأيام بهندسة قوائمها الانتخابية، وتسابق الزمن مع اقتراب فترة تسليم القوائم، المحددة بين 20/3 و 31/3. تجري العملية بتكتم تام من قبل الفصائل والقوى الرئيسة، لدرجة أن كل المحاولات الهادفة إلى معرفة الأسماء والتفاصيل لا تنجح إلا بالقليل، وفي الغالب تتغير الأسماء أو ترتيبها في القوائم من يوم لآخر. يجري كل ذلك مع عدم اليقين بأن العملية الانتخابية ستصل إلى محطتها النهائية.
انعكاسات قانون الانتخابات الجديد على تشكيل القوائم
إن تشكيل قائمة انتخابية وفقا لمبدأ التمثيل النسبي الكامل، ويتعامل مع الوطن كدائرة انتخابية واحدة، ليس أمرا سهلا، فهناك عدة تحديات تواجهها الفصائل والقوى الرئيسة، حماس وفتح، فيما يتعلق باختيار الأسماء، وترؤس القائمة، وتقديم الأفضل لجمهور الناخبين. ولكن هذه العقبات تختلف بالنسبة للمستقلين وأصحاب التجربة الأولى، فأول هذه التحديات يكمن في البحث عن القاسم المشترك بين أعضاء القائمة، وبرنامجها الانتخابي، خاصة وأن الشعب الفلسطيني حدد أولوياته الانتخابية، فالشأن السياسي والوطني، خاصة فيما يتعلق بإنهاء الانقسام، والعمل من أجل إنهاء الاحتلال، تقع في مقدمة مطالبه، ثم تليها مسائل الحكم الرشيد ومحاربة الفساد، وتقديم الخدمات اللازمة واللائقة للمواطن، ومن ثم تحسين أوضاعه المعيشية والحياتية.
كذلك فإنه للقرارات بقوانين الأخيرة، يجب أن لا يقل عدد أعضاء القائمة عن 16 مرشحا يستوفون شروط الترشح. وأن لا تقل نسبة الإناث عن 26%. و لا تقتصر المشكلة على العثور على قائمة من 16 مرشحا يتوافقون على برنامج محدد، وإنما يجب أن يكون لدى مرشحي القائمة، الاستعداد لتحمل التكاليف المالية اللازمة للمشاركة في العملية الديمقراطية، وأن يكون عندهم إرث تاريخي وشخصي، لأن مهمة إقناع الجمهور ببرنامجهم وأشخاصهم ليست سهلة، وأن يتوافقوا على ترتيب الأسماء في القائمة، التي ينبغي أن تراعي التوزيع الجغرافي. وبسبب عدم القدرة على توفير هذه المتطلبات، فشلت العديد من مشاريع القوائم، وبعضها تغيرت عدة مرات، وأعيد ترتيب الأسماء فيها أكثر من مرة، وبعضها، حتى وإن تشكلت، لا تملك مؤهلات اجتياز نسبة الحسم.
ظروف غير ديمقراطية
على إثر الانقسام، ولغياب المجلس التشريعي وحله، وتحول الحالة من سلطة واحدة تحكم الفلسطينيين إلى سلطتين متناحرتين، تحول الواقع الفلسطيني إلى أشبه ما يكون بالنظام البوليسي، فغابت الديمقراطية، وبرزت العديد من الانتهاكات الحقوقية والقانونية، وأصبح الحال كنموذج لنظام الحكم في البلاد العربية.
يُعد إجراء انتخابات في بيئة غير مواتية، أهم عقبة أمام المواطن والنخب، فهم أولا غير متأكدين من جدية إجراء الانتخابات، وحديث الشارع يوحي بحالة من الشك وعدم الثقة. بعض القوى الوطنية، ستجد صعوبة في تشكيل قوائم قوية ومعبرة عن تمثيلها الصحيح؛ لأن الانقسام جعل من ميزان التنافس مختلا وليس عادلا، وغير متساوٍ أمام جميع الأطراف، فالاحتلال حاضر وبقوة، ويتدخل في العملية الانتخابية بشكل مباشر، من خلال الاعتقال والتهديد، وهذا مثلا سيؤثر بشكل مباشر على قدرة حركة حماس على تشكيل قائمتها في القدس والضفة، وفي أحسن الأحوال سيتم تشكيلها من كوادر تنظيمية عندها الاستعداد لتحمل تبعات المشاركة، مما سيفرز قائمة تنظيمية بعيدة عن التحالفات، وغير قادرة على ضم مؤيدين ونخب وشخصيات معروفة إلى القائمة، وهذا يعني أن هذه القائمة ستفتقد عنصر الجذب والإعجاب الجماهيري، مما سينعكس سلبا على قدرتها على استمالة أصوات شريحة واسعة من جمهور الناخبين.
الظروف الحالية في عام 2021، تختلف عنها في عام 2006، والتي جرت وفق تفاهمات التهدئة مع الاحتلال، مما أتاح لحركة حماس في حينه تشكيل قائمة تحظى بتأييد شعبي واسع، وتشمل عددا من المستقلين المعروفين، وقد تم ذلك في أجواء أكثر استقرارا، مما أتاح لهذه القائمة القدرة على القيام بدعايتها الانتخابية بنجاح.
لكن حركة فتح تواجه مشاكل من نوع آخر، أهمها وجود أكثر من قائمة، وعدم رضى كوادرها عن ديمقراطية الحركة، خاصة بعد فصل ناصر القدوة، وهذا بالطبع سينعكس على قناعة المؤيدين بشكل مباشر، وعلى القدرة على استمالة الناخبين. كما أن الثقة المطلوبة بين الشارع والسلطة والحكومة غير متوفرة بدرجة كافية، بسبب الإخفاقات المتتالية، وهذا أيضا يضعف من شعبية قائمة فتح. وللخروج من هذا المأزق، وضع الرئيس عباس محددات ومعايير لتشكيل قائمة تحظى بحضور مجتمعي، ويمكن أن تحقق نتائج متقدمة ، وتؤهل الرئيس عباس لترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية، وذلك ليضمن بقاء النظام السياسي برمته تحت السيطرة، ولهذا فإن اللجنة المركزية لحركة فتح، وبإشراف الرئيس، تشرف على تشكيل القائمة الانتخابية لضمان تحقيق الفوز. ولا بد من الإشارة إلى أن حركة فتح، وإن كانت ظروفها مهيئة في الضفة، إلا أن حالها في غزة مختلف تماما، بسبب تراجع رصيدها الانتخابي على إثر قرارات الرئيس ضد غزة وأبناء فتح، وهو جرح لا يمكن معالجته من خلال زيارات وفود أعضاء اللجنة المركزية للقطاع. يُضاف إلى ذلك، حالة الترهل التنظيمي خلال سنوات الانقسام، حيث غابت فتح غزة كتنظيم عن أجندة اللجنة المركزية، إلا في السنتين الأخيرتين، وهذا سيؤثر على قدرة فتح على فرز قيادات في غزة تحظى بدعم القاعدة التنظيمية، وتنال ثقة الشارع.
أما قوى اليسار الفلسطيني، فلم تنجح حتى اليوم في التوافق على تشكيل قائمة موحدة، ويتمحور الخلاف بينها على ترتيب الأسماء في القائمة، وبعضها أعلن عن انضمامه للقائمة الموحدة التي أعلن عنها الرئيس أبو مازن، لأن هذا هو أقصر الطرق وأسهلها لضمان مقعد في القائمة، ثم في المجلس. في هذا السياق، ليس أمام قوى اليسار للانضمام لقوائم حركتي فتح أو حماس، أو تنجح في تشكيل قائمة اليسار المشتركة، وإلا فإن تشكيل قوائم منفردة، سيجعل معظمها غير قادرة على تجاوز نسبة الحسم.
وبالرغم من أن سيناريوهات تشكيل القوائم تبقى متعددة، وأنها قد تتغير من يوم إلى آخر، فإن العرض التالي يعطي صورة أولية عما يجري الترتيب له من قوائم.
أولا : قوائم حركة فتح
بعد الإعلان رسميا عن فصل عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ناصر القدوة، زادت احتمالات تشكيل قائمة انتخابية جديدة يقودها القدوة نفسه، خاصة بعد إعلانه عن تشكيل الملتقى الديمقراطي الفلسطيني، الذي ضم عددا من شخصيات اليسار والمستقلين ورجال الأعمال، وعددا من قيادات حركة فتح. وبالرغم من تأكيد الملتقى على تشكيل قائمة انتخابية، إلا أن فرص هذه القائمة ليست عالية، لأنها لم تقم بأي شيء يمكنها من جذب أصوات ناخبين مستقلين، أو من أبناء حركة فتح، أو من مؤيدي اليسار، كما أن هذه القائمة تخلو من أي شخصية ذات ميول إسلامية.
وفي المقابل، فإن التيار الإصلاحي المحسوب على محمد دحلان، ومع ما يعانيه من عدة عقبات، مثل تحميله المسؤولية الكاملة من قبل الرئيس عن تسليم غزة لحماس خلال أحداث الاقتتال الداخلي 2007، وتحميل الجمهور له المسؤولية عن هذه الأحداث، وما تبعها من انقسام، فإنه يستعد لاغتنام الفرصة التاريخية التي ستمكنه من إثبات حضوره، وقياس شعبيته في أوساط حركة فتح والشارع الفلسطيني، والأهم هو الحصول على شرعية منتخبة. وبالرغم من احتمال الملاحقة القانونية لأعضاء قائمة دحلان، إلا أن ذلك لن يحول بين أنصار دحلان وتشكيل القائمة، فهم، كما ذكروا، جاهزون ومستعدون لجميع السيناريوهات، ولا شك أن هذا الخلاف بين الرئيس وتيار دحلان، يمكن أن يكون سببا لتعطيل الانتخابات، فهذا التيار يطمح لتحقيق نتائج متقدمة قد تحرج الرئيس وحركة فتح في حال كانت مفاجِئة.
وهناك حديث عن محاولات السيد نبيل عمرو تشكيل قائمة بدعم من بعض قيادات فتح، وعلى رأسهم أحمد قريع ” أبو علاء”، ولا يوجد تأكيد لذلك، أو فيما إذا كان سينضم لقوائم أخرى مثل قائمة سلام فياض.
وعليه، فإن تشكيل هذه القوائم وضع الرئيس أبو مازن وحركة فتح في حالة من التحدي، وباتوا بين خيارين أحلاهما مر، فإما تأجيل الانتخابات، أو القبول بقواعد اللعبة، واستنفار كل الإمكانيات من أجل المضي بمشروع تجديد الشرعية، وتحقيق الفوز لطي صفحة 2006، وإثبات أن حركة فتح لا زالت الفصيل الأقوى، وذلك من أجل توجيه رسالة هامة للداخل والخارج. ومن أجل تحقيق ذلك، أصدر أبو مازن تعليمات واضحة، ووضع معايير لاختيار أعضاء القائمة، بحيث يتم التركيز على اختيار أسماء ذات قبول اجتماعي، ولا يوجد عليها أي تحفظات شعبية، أو اتهامات بالفساد، واستغلال المال العام والموقع الرسمي والتنظيمي لأهداف خاصة. وتبقى أسماء أعضاء القائمة طي الكتمان، وكذلك مسألة رئاسة القائمة.
ثانيا : قائمة حركة حماس
أعلنت حركة حماس أنها جاهزة لجميع الخيارات، بما فيها تشكيل قائمة موحدة مع حركة فتح، وفي حال لم يتم ذلك، فان تشكيل قائمة خاصة بالحركة، سيواجه في الضفة الغربية عقبات واضحة، نتيجة الإجراءات الأمنية الاحتلالية، والتي أصدرت موقفها الرسمي بذلك، بل وقامت باعتقال العشرات على هذه الخلفية خلال الأيام الماضية، وقامت مخابراتها بتهديد جميع الرموز والقيادات في الضفة، متوعدة من يترشح ضمن القائمة بقضاء جميع الفترة البرلمانية في السجون الإسرائيلية، لذلك يرجح أن تتشكل القائمة في الضفة من رموز وقيادات تنظيمية، وستحرمها الأوضاع السائدة من فرصة ضم عدد من الرموز والقيادات الشعبية والشخصيات المؤيدة للحركة، أو من إمكانية التحالف مع شخصيات مستقلة لها رصيد شعبي، مما سينعكس سلبا على قوة القائمة جماهيريا في الضفة.
قائمة تحالف قوى اليسار
يجري حوار بين قوى اليسار الفلسطيني من أجل تشكيل قائمة انتخابية تضم هذه القوى، وهي الجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، وحزب الشعب، والمبادرة الوطنية، والحراك الديمقراطي، ولا زالت نقطة الخلاف الأساسية تتمثل في ترتيب الأسماء وحجز المقاعد الثلاث الأولى، حسب معلومات حصل عليها الكاتب من خلال تواصله مع عدد من قيادات اليسار. علما أن الجبهة الديمقراطية قدمت قائمة منفردة للجنة الانتخابات المركزية، منذ أن تم فتح باب الترشيح في 20/3.
قائمة سلام فياض
وهي قائمة يسعى لتشكيلها د. سلام فياض، رئيس الحكومة الأسبق، وتتشكل من عدد من رجال الأعمال أو ممن عملوا معه سابقا. ويراهن سلام فياض على شبكة العلاقات مع النخب والشباب التي بناها حينما كان رئيسا للحكومة، ولكن يبدو أن هذه الشبكة تآكلت مع الزمن، وضعف رصيدها. وكانت قائمة الطريق الثالث، التي شكلها سلام فياض وحنان عشراوي في انتخابات 2006، قد حصلت على مقعدين فقط.
قائمة حسن خريشة (قائمة وطن)
يشرف على تشكيل هذه القائمة د. حسن خريشة، عضو المجلس التشريعي والنائب الثاني لرئيس المجلس، وتضم عددا من الشخصيات الوطنية والإسلامية من غزة والضفة. وقد تشكلت هذه القائمة حديثا، وتراهن على قوة الحضور الجماهيري لشخوصها، وهي قائمة حديثة تشارك لأول مرة في العملية الديمقراطية، وكما هو معروف فإن المرحوم د. عبد الستار قاسم كان ضمن القائمين على تشكيل القائمة.