الانتخابات التشريعية الفلسطينية.. هل ستحقق الوحدة أم العكس؟
لتحميل الملف اضغط هنا
عقدت حركتا حماس وفتح في اسطنبول في الثلث الأخير من أيلول/ سبتمبر 2020، سلسلة من اللقاءات التي أطلقتها الحركتان بهدف مواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية، وقد أسفرت مباحثات الحركتين عن التوافق على تهيئة الأجواء لعقد انتخابات شاملة، تبدأ بالمجلس التشريعي، ثم المجلس الوطني، وتنتهي بالانتخابات الرئاسية.
يرى بعض المراقبين أن هذه الانتخابات تشكل بالفعل سدا منيعا لمواجهة المخاطر التي تحيق بالقضية الفلسطينية، كصفقة القرن وموجة التطبيع، كما تشكل مدخلا لتحقيق التوافق الفلسطيني وإنهاء الانقسام المستمر للعام الرابع عشر على التوالي، فيما يتحدث آخرون عن وجود صعوبات جمة تحول دون تحقيق هذه الأهداف.
ومن أجل الوقوف على حقيقة الأمر، وقراءة دور الانتخابات في حماية المشروع الوطني، استطلع مركز رؤية للتنمية السياسية آراء عدد من السياسيين والأكاديميين والناشطين، وذلك من خلال توجيه الأسئلة التالية لنخبة منهم: هل يمكن أن تشكل الانتخابات التشريعية مدخلا صحيحا باتجاه المصالحة؟ وفي حال عقد الانتخابات: ما هي الضمانات لاستكمال باقي مراحلها، أي المجلس الوطني والرئاسة؟ ثم ما هي الضمانات المطلوبة لاحترام نتائج الصندوق؟ وما هي أولويات المرحلة المقبلة في البرنامج السياسي؟ كيف ستتعامل القوى الدولية مع هذه الانتخابات؟ وما إمكانية إفشال الاحتلال لها؟ وفي المقابل، هل تستطيع السلطة مواجهة التحديات التي قد تُفرض عليها لمنع تنفيذ هذا الاستحقاق؟
تلخصت آراء هذه النخبة فيما يلي:
- يرى البعض أن الانتخابات قد تشكل مدخلا للمصالحة وإنهاء الانقسام، لكن فريقا آخر يشك في ذلك، ويرى أن المصالحة يجب أن تسبق الانتخابات، وإلا سوف يتعمق الانقسام.
- كذلك يشك معظم المستطلعين في إجراء انتخابات رئاسية وأخرى للمجلس الوطني، مع وجود من لا يستبعد ذلك.
- الضمانات المطلوبة لاحترام نتائج الانتخابات، تتركز في الرقابة الداخلية، وإجراءات بناء الثقة، وإعادة تشكيل السلطة والمنظمة، والتوافق على حكومة وطنية، وهذا كله غير متوفر.
- أولويات المرحلة المقبلة تتركز في إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، على مستوى السلطة والمنظمة والفصائل.
- أهم التحديات هي إجراء الانتخابات في القدس، والحد من التدخلات الأمنية، ونزاهة الانتخابات، ومنع تدخل الاحتلال، وجميعها غير مضمونة.
- الاحتلال سيعرقل الانتخابات في القدس، والقوى الدولية ستقبل بنتائج الانتخابات فقط إذا كانت تصب في مصلحتها وضد المقاومة.
- السلطة ضعيفة ولا تستطيع الوقوف في وجه التحديات، إلا إذا توفرت الإرادة السياسية والمساندة الشعبية.
منى قعدان، محررة سابقة وناشطة سياسية، جنين
إن احتمال تشكيل الانتخابات مدخلا صحيحا باتجاه المصالحة، هو احتمال وارد، ولكن درجة معقوليته والوثوق به ليست كبيرة، إذ إنّ المدخل الصحيح لبلوغ المصالحة يأتي من الميدان، ومن القواعد والجماهير، ومن وحدة البرنامج، ووحدة المصير المشترك، أو المواجهة وإنتاج الدم، ومن ثم يُفرض على صانع القرار وضع الآليات والأطر، بعد الاتفاق على الاستراتيجيات الدفاعية المشتركة، فهي تأتي من القاع إلى القمة.
وكذلك ليس هناك ثمة ضمانات باستمرار الانتخابات عبر مراحلها المختلفة، فالولايات المتحدة الأمريكية لا تريد للانتخابات الفلسطينية أن تتم، لأن التعامل اليوم مع السلطة غير التعامل معها بالأمس. فالانتخابات مثلا في عام 1996، كانت من أجل تثبيت وشرعنة الاتفاقات الموقعة. وفي عام 2006، كانت لجلب حماس لمربع التسوية، وسحب الجميع لمظلة أوسلو. أما حول المعيقات المحتملة، فهي عدم سماح الاحتلال بإجرائها، لا سيما في القدس، وخاصة بعد القرارات الأخيرة، كنقل السفارة الأمريكية إليها، وخطط الضم، والتطبيع العربي، وصفقة القرن، فهذه ظروف مثالية لـ “إسرائيل”، لمنع إجراء الانتخابات الفلسطينية فيها، في ظل المباركات الأمريكية والعالمية والعربية.
الضمانات المطلوبة لاحترام نتائج الصندوق، هي ضمانات المضطر وليست ضمانات المرتاح والمقتنع، سواء من قبل فتح أو حماس. ولولا المآزق التي تمر بها حركتا فتح في الضفة وحماس في غزة لما تحدثوا عن تجديد الشرعيات، التي هدفها توفير الاستقرار لكل منهما في منطقته.
أما أولويات المرحلة المقبلة، فهي اشتقاق برنامج سياسي يرتكز على فهم المرحلة، بناءً على أننا في مرحلة تحرر وطني يُتفق على أدواتها الكفاحية مسبقا، ولسنا في مرحلة بناء الدولة ومؤسساتها.
أما تعامل القوى الدولية مع نتائج الانتخابات، فسوف يتراوح بين الرفض الإسرائيلي والأمريكي، والرضى الأوروبي، والدعم الروسي، والتحفظ من بعض أطراف الدول العربية التطبيعيية.
وبتقديري قد تلجأ “إسرائيل” إلى رفضها المطلق في القدس، وعرقلتها في مناطق C، والقبول بها في مدن الضفة وغزة.
وحول قدرة السلطة على مواجهة الضغوط الإسرائيلية والأمريكية، فإن ذلك لن يكون إلا بالتوجه إلى مؤسسات الأمم المتحدة، ومخاطبة الاتحاد الأوروبي، وروسيا والصين وبعض الأنظمة العربية، لممارسة ضغوطها على أمريكا و”إسرائيل” لتمرير الانتخابات، وليس أكثر من ذلك.
د. عفاف ربيع، أخصائية اجتماعية، وناشطة سياسية، رام الله
أعتقد أن الانتخابات، إذا حصلت، ستشكل طريقا ممتازا للمصالحة، وخطوة إيجابية في ذلك. ولكن لا أتوقع أن تكون هناك انتخابات رئاسية في الفترة المقبلة، وذلك لحساسية الوضع السياسي، إذ إنها بحاجة إلى تروٍ أكثر، وربما تأتي في مراحل لاحقة، بعد إتمام وإنجاز عدد من الملفات العالقة.
الأولويات في المرحلة المقبلة تتجلى في المحافظة على ما تم إنجازه من تقدم، والاتفاق على ملف المصالحة، وإنهاء الشرخ الفلسطيني، وأن نعود لقوتنا قبل أوسلو، وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، وخاصة مع وجود كثير من الأعداء في الفترة الحالية.
القوى الدولية قوى مراوغة، فإذا كانت نتائج الانتخابات لصالح الشعب الفلسطيني، فستكون هناك مراوغات لعدم قبولها، إما إذا كان تأثيرها سلبيا، ويُديم الانقسام، فستكون مقبولة على الأغلب.
كما أن الاحتلال معني بإطالة عمر الأزمات التي يمر بها الشعب الفلسطيني، وعرقلة الانتخابات تأتي في هذا السياق.
والموقف الفلسطيني أصبح ضعيفا في الآونة الأخيرة، ومن الممكن أن نتعرض لضغوط، وبالرغم من أن القيادة من الممكن أن تتحمل، إلا أن الأمر يبدو صعبا دون وجود شارع مساند.
د. محمد المصري، مدير المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات
المصالحة ممكنة ولكن ليس بالضربة القاضية. هنالك عدد من الخطوات اللازمة لتحقيق المصالحة، وإن كان من الصعوبة بمكان إنجاز ذلك اليوم، إلا أن الأصل أن يتم الاتفاق على قواسم مشتركة، وليس فقط الحد الأدنى من تلك القواسم، وأهم القواسم التي يجب الاتفاق عليها، هي التداول السلمي للسلطة، وأعتقد أن الانتخابات التشريعية هي خطوة مهمة يُمكن البناء عليها.
أعتقد أن القيادة الفلسطينية لديها رغبة في تنفيذ العملية السياسية بمراحلها الثلاثة، التشريعية والرئاسية والوطني، والرئيس يرى أنه يجب دفع الثمن في طريق الوحدة، والانتخابات أمر مهم جدا، وهي استحقاق دستوري، والأصل أن نقوم به. هذا فضلا عن أن الانتخابات المتكاملة، هي حماية للشرعية الفلسطينية، ومنع وصول أي دخيل مفروض عليها، وهي مدخل لضخ دماء جديدة قائمة على التعددية السياسية في المجتمع الفلسطيني.
نعم هنالك مخاطر قبل الانتخابات، وأثناءها وبعدها. فـ “إسرائيل قد تعرقل الانتخابات قبل إجرائها، وأثناء الانتخابات قد تحصل عمليات تزوير مثلا، وبعد الانتخابات قد لا يحترم المجتمع الدولي نتائجها، بغض النظر عن الطرف الذي تكون لصالحه.
ومع ذلك، فالأصل أن نُقدم على الانتخابات، وبعدها يُمكن معالجة الموضوع. أما أن نبقى نتوقع حدوث صعوبات دون خوض الانتخابات، فهو أمرٌ مربك، ولا يأتي بنتيجة صحيحة. وبالنسبة لانتخابات القدس، وهي النقطة المفصلية، فمن الممكن إجراء الانتخابات فيها إلكترونيا، وخاصة أنها ستكون على أساس التمثيل النسبي.
د. إياد أبو بكر، عميد كلية التنمية الاجتماعية بجامعة القدس المفتوحة، رام الله
نعم، ستشكل الانتخابات مدخلًا للتصالح، لأن الاتفاق بحد ذاته، يُعد بداية للمصالحة. ومن الممكن أن تشكل الانتخابات التشريعية استمرارًا للانتخابات الرئاسية، وهذا يعتمد على كيفية إنجاز المرحلة الأولى، وطبيعة التحديات التي من الممكن أن تواجهها.
وبشأن الضمانات المطلوبة حتى يتم احترام نتائج الصندوق، فإنه مطلوب رقابة داخلية من الفلسطينيين أنفسهم، وهذا يتطلب جهدا ذاتيا، مثلما يتطلب رقابة دولية.
أما الأولويات، فإن الأولوية الأولى التي لا يمكن الحديث عن غيرها دون إنجازها في هذه المرحلة، تتمثل في إعادة ترتيب البيت الداخلي، وإنجاز المصالحة.
أعتقد أن المجتمع الدولي يمكن أن يقبل نتائج الانتخابات، بسبب تجاذبات القوى العالمية تجاه القضية الفلسطينية، والتي من الممكن أن تكون الانتخابات مخرجا لها. لكن الاحتلال سيعرقل الانتخابات، لأنه يرفض فكرة الوحدة.
وفي حال الاستمرار بالمصالحة، فإن السلطة تستطيع مواجهة الضغوط الإسرائيلية والأمريكية، ولكن هذا يتطلب توفر الإرادة، ووجود تناغم بين القيادة والشعب.
د. سامح القبج، رئيس قسم العلاقات الدولية بجامعة الاستقلال
نعم، من الممكن أن تشكل الانتخابات التشريعية مدخلا صحيحا باتجاه المصالحة، ولكن هذا يتطلب أن نفهم أننا شعب واحد، ولسنا فصائل حزبية. وكذلك من الممكن أن تقود الانتخابات التشريعية إلى انتخابات رئاسية، لكن البدائل التي يُمكن الاتفاق عليها مفقودة.
وحتى يتم احترام نتائج الصندوق، فإن الضمانات الوحيدة هي قوة الدول الراعية للانتخابات.
إن فقدان البرنامج السياسي الموحد يُشكل عقبة فلسطينية أساسية، لذلك فإن الأولويات تتمثل في إيجاد برنامج موحد، وليس بالضرورة أن يستند البرنامج لرؤية تاريخية مسبقة.
كما أن احترام نتائج الانتخابات مطلوب، ولكن ربما لا تحترم القوى الدولية هذه النتائج. كذلك من المتوقع أن يقدم الاحتلال على عرقلة الانتخابات في الضفة، وتحديدا في القدس.
وحول قدرة السلطة الفلسطينية على مواجهة الضغوط الإسرائيلية والأمريكية في حال استمرار المصالحة، فإن السلطة قادرة على ذلك، ولكن الأمر يتطلب التفافا حقيقيا حول القيادة، ودعمها في رفض تلك الضغوط.
إسلام أبو عون، باحث وناشط سياسي، جنين
الانقسام الفلسطيني أعمق من موضوع تجديد الشرعيات على أهميتها، وما تحتاجه الحالة الفلسطينية اليوم، هو توافق على التفاصيل كافة، إضافة إلى تهيئة الأجواء وتعزيز الثقة، وتوفير ضمانات قبيل التوجه لانتخابات قد تعزز حالة الانقسام، وتزيد التشرذم في حال عدم قبول النتائج، أو ظهور اتهامات بالتزوير، وذلك في ظل سيطرة إدارية كاملة في الضفة والقطاع للطرفين المتخاصمين.
وحول تأجيل انتخابات الرئاسة والمجلس الوطني لما بعد انتخابات المجلس التشريعي، فإن هذه هي أكبر عقبة، وغير متفهمة من قبل الجمهور، وتثير عدة تساؤلات حول هذا التراتب، خاصة في ظل التحديات والصعوبات الوجودية، التي تتعرض لها القضية.
التحديات كبيرة، وأبرزها عدم توفر حكومة مستقلة ضامنة لتنظيمها، إضافة إلى معيقات إجرائها في القدس، وعدم توفر البيئة المناسبة في ظل استمرار إجراءات الحظر، والتسلط الأمني على العمل السياسي، والقيود على التنظيمات.
والضمانات المطلوبة متعلقة بالأجواء السابقة، منها رفع سقف الحريات، وإعادة تشكيل لجان الانتخابات، والتوافق على حكومة وطنية تقوم بإجراء هذه الانتخابات، وضمان نزاهتها، وتحقيق تكافؤ الفرص للقوائم الانتخابية.
أما الأولويات، فإن الأولوية القصوى يجب أن تكون لرأب الصدع الداخلي وتحقيق الوحدة، وذلك بعد إعادة تشكيل منظمة التحرير بما يضمن دخول جميع الفصائل إليها، وإعادة الاعتبار لكل الخيارات الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، والصلف الأمريكي، والخذلان العربي.
ستوافق القوى الدولية على انتخابات تؤدي لهزيمة فريق المقاومة لصالح البرنامج الآخر، وفي حال الشك في ذلك فلن تتدخل، وربما تقوم بمقاطعة الحكومة الجديدة.
أما الاحتلال فقد بدأ فعليا بعرقلة الانتخابات، وذلك عبر سلسلة الاعتقالات والاستدعاءات في صفوف حركة حماس، وتحذير الكوادر من أي تفاعل مع إجراءات المصالحة.
وحول قدرة السلطة على مواجهة الضغوط الإسرائيلية والأمريكية، فإن السلطة تحاول المناورة، ولكنها وضعت نفسها في وضع تبدو أضعف من تحمل أي ضغط، وتراجعت حتى في قضايا صغيرة، مثل مقاطعة استيراد العجول وغيرها.
د. مروان الأقرع، باحث في التاريخ الفلسطيني وعضو مجلس بلدي
لا أظن أن تشكل الانتخابات التشريعية مدخلا صحيحا باتجاه المصالحة، والأمر يتعلق بعدم وجود قانون ناظم للعملية، كما يجب أن تشكل حكومة تتولى مسؤولية إجرائها، وأن تكون على مسافة واحدة مع الجميع.
وحول إجراء انتخابات الرئاسة والمجلس الوطني، فإن الأمر يتعلق بموقف الاحتلال منها، ولا أظن أنه من الممكن إجراء الانتخابات دون موافقة الاحتلال. لذلك، فإن أبرز التحديات هي إجراء الانتخابات في القدس، ووجود جهة راعية تكون محايدة وقادرة على مواجهة التدخلات الأمنية.
أما الضمانات المطلوبة حتى يتم احترام نتائج الصندوق، فهي إعادة هيكلة السلطة بشكل كامل، والتراجع عن كل الإجراءات التي اتخذت في الفترات السابقة، والتي تتعارض مع القانون الأساسي، والعمل على فصل السلطات، وخلق المناخ المناسب.
وبشأن أولويات المرحلة المقبلة، فهي العمل على إعادة الثقة بين المواطنين والسياسيين، واحترام حق المواطنين في التعبير عن الرأي ، والعمل على إظهار شراكة سياسية حقيقية على الأرض، تكون وسيلة لردم الهوة بين المواطنين والسلطة.
سوف تتعامل القوى الدولية مع نتائج الانتخابات حسب مخرجات هذه النتائج. ووفق ما هو معلن، فإنني لا أتوقع أن تتعامل معها إن كانت تحقق شراكة حقيقية بين الفصائل الفلسطينية. أما الاحتلال، فمن المتوقع أن يمنع الانتخابات في القدس ومناطق C، وأن يتدخل بشكل غير مباشر.
وحول قدرة السلطة الفلسطينية على مواجهة الضغوط الإسرائيلية والأمريكية، فلا أتوقع أن تكون هناك مواجهة، لأن المواجهة تعني حل السلطة، وبقاء السلطة هي مصلحة إسرائيلية.
عبد الرحمن زيدان، وزير الأشغال العامة في الحكومة العاشرة، وعضو سابق في المجلس التشريعي
كنت وما زلت أتحفظ على الانتخابات كمدخل للمصالحة، وأعتقد أن الانتخابات يجب أن تكون ثمرة لترتيب البيت الداخلي، وأن يسبقها إعادة بناء منظمة التحرير كمرجعية، ولكن يبدو أنها اليوم هي الإجراء الوحيد الذي يمكن التوافق عليه لتحريك المياه الراكدة، وتبديل حالة الجمود.
لا ضمان بشأن استمرار مراحل الانتخابات بعد التشريعي لتشمل الرئاسة والوطني، لأنها، بعد التجربة، تخضع لحسابات الربح والخسارة لدى حركة فتح، للسيطرة على كل المفاصل. كذلك لا توجد ضمانات بشأن احترام نتائج الانتخابات.
وأبرز التحديات أمام الانتخابات، هي منع الانتخابات في القدس، وتدخل الأجهزة وقمع الحريات، وتدخل الاحتلال بالاعتقالات.
برأيي لن تكون الانتخابات الطريق الصحيح وطنيا، إلا إذا نجحنا في إفراز مجلس وطني يمثل شعبنا الفلسطيني أصدق تمثيل، على تنوع مشاربه وآرائه ومواقعه الجغرافية، ثم أن يفرز هذا المجلس برنامجا سياسيا وطنيا يكون مرجعية الجميع، والباقي هي تفاصيل يمكن بحثها.
لا أظن أن القوى الدولية ستكون إيجابية تجاه جهود الإصلاح الداخلي، سواء بشأن الانتخابات أو إعادة بناء المنظمة. وإذا كانت التدخلات والإملاءات تتم سابقا بالسر، فهي اليوم تتم علنا.
سيبذل الاحتلال كل جهده لتعطيل الانتخابات، أو على الأقل التحكم بنتائجها، من خلال اعتقال المرشحين والناشطين، ومنع الانتخابات في القدس، وملاحقة تمويل الحملات الانتخابية.
السلطة مهما تشددت في الرفض فهي تنحني أمام الترغيب والترهيب دائما.
هناك تهديدات باستبدال أبو مازن، وهناك مرشحون كثر ينتظرون الانقضاض على مقعد الرئاسة، وفي سبيل ذلك سيقدمون التنازلات للحصول على الدعم والمباركة من أمريكا و”إسرائيل”، وهم مستعدون للتضحية بالشعب كله، وليس المصالحة فقط، للفوز بالرئاسة، ولذلك لا أراهن على ثبات موقفهم. وهذه الرؤية لا تعني عدم قناعتي بالسير في الخطوات التي تم الاتفاق عليها، ولكن لا بد من تحريك المياه الراكدة، وتغيير حالة الجمود الراهنة، فالتدافع هو سنة ربانية.
د. ناصر عبد الجواد، عضو سابق في المجلس التشريعي الفلسطيني
كان من المفترض أن تكون الانتخابات نتيجة للمصالحة وليس مدخلا لها، لأن الانتخابات في جميع النظم السياسية، تعتبر وسيلة وليست غاية، والقول بأنها تملك عصًا سحرية لحل مشكلة الانقسام، هو قول بعيد عن الصواب والمنطق. كما أننا يجب أن نأخذ العديد من القضايا بعين الاعتبار، خاصة فيما يتعلق بالوضع في الضفة الغربية، فالوضع في الضفة ليس ناضجا حتى الآن لهذه الانتخابات، فلم يتغير شيء على أرض الواقع، فالاعتقال السياسي مستمر، وكذلك الحملة على النواب المحسوبين على التغيير والإصلاح، والإجراءات القمعية التي تعرض لها أبناء الحركة الإسلامية، وإجراءات “السلامة الأمنية” في التوظيف في الوظيفة العمومية، وحتى في القطاع الخاص.
إن السؤال حول عقد انتخابات الرئاسة والمجلس الوطني بعد التشريعي، ينبغي أن يوجه للسلطة الفلسطينية وحركة فتح، والأجهزة الأمنية التابعة لها، فهي وحدها القادرة على وضع الضمانات لاستمرار الانتخابات بمستوياتها المختلفة. فعلى ضوء الظروف الموضوعية التي نعيشها، والتجارب الماضية التي عشناها منذ الانقسام، فإننا لا نملك أية ضمانات لذلك، إلا إذا وقعت السلطة والأجهزة الأمنية وثيقة شرف واضحة وصريحة، وبحضور كل الفصائل الفلسطينية، وتحت ضمانة عدد من الدول والجهات الإسلامية والعربية الحريصة على القضية الفلسطينية.
وأهم التحديات التي سنواجهها في الضفة الغربية في بداية الانتخابات، هي سيطرة الهاجس الأمني على المواطنين، فإذا لم تتغير الأحوال في الضفة الغربية، ولم تتغير الظروف الأمنية فيها لفترة كافية، بحيث يشعر المواطن بالأمن والأمان على حرياته، فلن تكون الظروف مهيأة لهذه الانتخابات، ولن تجد أحدا، مثلا، يعمل في الدعاية الانتخابية للتيار الإسلامي، أي أنه إذا بقيت الظروف الحالية بالضفة الغربية على ما هي عليه، فلن يكتب النجاح لهذه الانتخابات، بل من المتوقع أن تزيد القضية تعقيدا، وقد يتعمق الانقسام أكثر وأكثر أثناء الانتخابات وبعدها. وإن حصلت الانتخابات حقا في ظل هذه الظروف، فلن تكون انتخابات نزيهة، وسوف لن تعبر بأي حال عن توجهات المواطنين في الضفة الغربية.
وحسب تجربتنا السابقة في انتخابات 2006، ليس هناك ضمانات، والواقع اليوم لم يتغير كثيرا عن تلك الفترة، إن لم يكن أسوأ.
وبشأن المواقف الدولية، بالتأكيد سوف تتباين هذه المواقف تجاه نتائج الانتخابات، حسب مصالح هذه الدول، وحسب الجهة التي ستفوز في هذه الانتخابات، وأعتقد جازما أن معظم هذه الدول، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول المطبعة، سيكون موقفها سلبيا جدا إذا فازت حركة حماس، كما حصل عام 2006.
وبالتأكيد سيضع الاحتلال عقبات كبيرة أمام هذه الانتخابات، كوضع العراقيل أمام المرشحين والعاملين في الدعاية الانتخابية، وبدون موافقته على هذه الانتخابات، وتعهده بعدم التدخل فيها، فلن تكون هناك انتخابات، خاصة في مدينة القدس، إلا إذا أُجبر الاحتلال على عدم التدخل، من خلال برنامج نضالي قوي ومؤثر، ومن خلال قوى خارجية وإقليمية لها تأثير كبير عليه.
في المقابل، تستطيع السلطة مواجهة كل الضغوط، إذا كانت صادقة وحريصة على هذه المصالحة، ومستعدة للتضحية ودفع الثمن وتحمل النتائج، وكذلك من خلال إقناع الاحتلال ومن وراءه، بأن السلطة وباقي الفصائل وجميع ممثلي الشعب الفلسطيني، متفقون على المصالحة، عندها سيفرض الشعب الفلسطيني إرادته، وستكون نقطة تحول إيجابية كبيرة لصالح القضية الفلسطينية، ومنعطفا للبدء بتحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني. فهل السلطة مستعدة لذلك؟
د. هانس البسوس، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية بغزة سابقا، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة السلطان قابوس في عُمان حاليا.
الانتخابات هي حق لكل مواطن حتى وإن لم تطالب بها الفصائل، والهدف منها هو ضخ الدماء بالمنظومة السياسية. لقد تعرضت المصالحة لانتكاسات سابقة، ومحاولات باءت بالفشل نتيجة ضغوط إقليمية ودولية وإسرائيلية. وبالتالي يمكن أن تكون الانتخابات أحد المداخل لإنهاء الانقسام، أو طريقا للوصول للحد الأدنى من القواسم المشتركة من أجل تحقيق الوحدة الوطنية، لأنه سينتج عن الانتخابات مرجعية سياسية ممثلة للشارع.
أبرز التخوفات أن لا يتم عقد الانتخابات كما هو مخطط لها بالشكل الكامل، وكذلك عدم القبول بنتائجها، لذا فإن احتمال إجراء انتخابات تشريعية، هو أمر وارد جدا، لكن التخوف الأكبر هو عدم تنفيذ انتخابات رئاسية، خاصة في ظل خلافات فتح الداخلية، وعدم توافقها على مرشح معين.
أما بالنسبة للضمانات، فباعتقادي لا يوجد أي ضمانات لاحترام نتائج الانتخابات، فتجربة انتخابات 2006 ما زالت حاضرة، وكذلك جولات المصالحة السابقة، التي كانت تفضي إلى اتفاق، ولكن كان يتم إفشالها في اللحظة الأخيرة، وبالتالي لا يوجد ضمانات إلا إذا توافقت الحركتان على تشكيل حكومة وحدة وطنية مدعومة من الفصائل كافة، وبذات الوقت مقبولة دوليا وإقليميا.
أستبعد أن يضع الاحتلال العراقيل الكبيرة أمام إجراء الانتخابات، وقد يفضل الانتظار لمعرفة النتائج، لذا فإن الأهم بالنسبة للاحتلال ليس إجراء الانتخابات بحد ذاتها، وانما نتائجها.
أعتقد أن أحد أسباب ذهاب السلطة وحركة فتح باتجاه المصالحة الآن، هي الضغوط الكبيرة إقليميا ودوليا، باتجاه تعزيز التطبيع العربي الإسرائيلي وصفقة القرن، وبالتالي فإن عقد الانتخابات هو منفذ للسلطة، لا سيما أنها قد تقطع الطريق على البديل الذي تحاول أطراف معينه فرضه.