الأحزاب الموسمية الإسرائيلية بين الصعود وفقدان التأثير

       تتميز الدول الديمقراطية في العالم بالتعدد الحزبي والذي يعتبر السمة الأبرز للديمقراطية، حيث تظهر بعض الأحزاب وسرعان ما تختفي عن الخارطة السياسية لتوصف بأنها أحزاب موسمية، وتتميز إسرائيل كدولة تتبع نظام حكم ديموقراطي بالتعددية الحزبية، ووجود أحزاب عريقة امتدت منذ تأسيس الدولة إلى اليوم كحزب العمل  "هعفودا" والتكتل "الليكود" وغيرهما، كما تميزت تلك الدولة بظهور أحزاب أخرى سرعان ما اختفت عن الساحة السياسية والتي يطلق عليها اسم الأحزاب الموسمية.

         فالأحزاب الموسمية هي أحزاب تظهر وتختفي بسرعة من الخريطة السياسية، حيث تعبر عن مزاج معين عند الجمهور، وللأحزاب الموسمية العديد من السمات، "من الناحية السياسية تعتبر أحزاب مركز، إضافة إلى أنها مرتبطة بشخصيات معينة ذات شعبية مرتفعة وكاريزما جذابة وتركز غالبًا في دعايتها الانتخابية على جانب واحد" (شبيرا، 2014)، والملفت للنظر في إسرائيل أن غالبية هذه الأحزاب تستمر لدورتين انتخابيتين أو ثلاث دورات على الأكثر إذا استثنينا حزب إلى الامام  "كاديما"، الذي أسسه أرئيل شارون عام 2005، وهو الحزب الذي استمر لأربع دورات انتخابية، حيث حصل في الدورة الرابعة فقط على مقعدين ولم يجتز نسبة الحسم في الانتخابات الأخيرة، علمًا أن حزب كاديما، وهو الحزب الموسمي الأكثر نجاحًا، استطاع ترأس الحكومة بعد فوزه في انتخابات العام 2006 برئاسة إيهود أولمرت.

استمر توافد الأحزاب الموسمية ليكون إحدى الظواهر البارزة في منظومة الانتخابات عام 2013، التي حققت فيها الأحزاب الموسمية نجاحًا ملفتًا، حيث استطاع حزب يوجد مستقبل "يش عتيد" أن يحقق 19 مقعدًا، وهو ما لم يكن متوقعًا لدى العديد من المراقبين، وكان مفاجئًا لأعضاء الحزب انفسهم، حيث عبر عن ذلك المرشح السادس في القائمة عوفر شلح بقوله " تفاجئنا من النتائج، حان وقت العمل" (جليت ،2013)، وبعد مشاورات ائتلافية انضم لبيد لحكومة بنيامين نتنياهو وتحصل على العديد من الوزارات، أهمها وزارة المالية.

 وفي الانتخابات الأخيرة عام 2015 نجح حزب كلنا "كولانو" برئاسة الليكودي السابق موشيه كحلون، حيث حصل الحزب على 10 مقاعد واستطاع أن يدخل الحكومة بقوة بعد أن تحصل على العديد من الوزارات، أبرزها وزارة المالية.

  ساهمت عدة أسباب في تقدم الأحزاب الموسمية في إسرائيل، منها جاذبية الأشخاص الّذين ترأسوها، ودور البرنامج الاجتماعي الملفت للنظر والجاذب للناخب الإسرائيلي، إضافة إلى سخط الناخب الإسرائيلي على الأحزاب الراديكالية التقليدية، مما ساهم في أن تحصد هذه الأحزاب الكثير من المقاعد على حساب الأحزاب الكبرى في إسرائيل.

حزب "يش عتيد"

فيما يتعلق بالأحزاب الموسمية في الدورتين الانتخابيتين الأخيرتين؛ جاء حزب يوجد مستقبل "يش عتيد"، برئاسة يئير لبيد، ببرنامج انتخابي اجتماعي جعل الناخب الإسرائيلي يدفع بقوة في إنجاح هذا الحزب، فقد تركزت دعاية يئير لبيد الانتخابية على قضايا عديدة، أبرزها ضرورة تحسين الواقع التعليمي، وبلورة سلة تعليمية لكل طالب، والعمل على تقوية الطبقة الوسطى وتقليل نسبة الفقر في الدولة، (ميكي ، 2012)، كما وعد ببناء 150,000 وحدة سكنية خلال عشر سنوات، وتغيير نظام الحكم ومحاربة الفساد وزيادة الرقابة على مؤسسات الدولة، إضافة إلى العمل على إلزام جميع فئات الشعب الإسرائيلي بالتجنيد الإجباري، ولم يُغفل الحزب التطرق كذلك للمفاوضات مع الفلسطينيين حيث رأى ضرورة العودة إلى المفاوضات التي يجب أن تؤدي، وفق رؤيته وخلال ثلاث سنوات، إلى الوصول لحل الدولتين مع بقاء القدس عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل.

      حين النظر إلى لبيد ودراسة سلوكه الحكومي؛ يظهر أنه لم يكن له أي تأثير يذكر على قرارات الحكومة فيما يتعلق بالحرب على غزة، فقد اجتمع المجلس الأمني دون دعوته علمًا بأنه عضو فيه، وفصل "بنيامين نتنياهو لبيد وتسيفي لفني – رئيسة حزب الحركة «هتنوعاه»- من الحكومة متهمًا إياهما بالعمل كمعارضة داخل الحكومة" (ليس،2014)، بعدها أدرك لبيد أنه لم يحقق شيئًا من وعوده المقدمة للناخبين، لذلك أراد أن يمد من عمر الحكومة لتحقيق وعوده للناخبين ولتكون دعامة وسندًا له خلال الانتخابات المقبلة.

أما من الناحية الاجتماعية، فلبيد الذي صنف نفسه سندًا للفقراء، لم ينجح في تحقيق ما يرنو إليه الفقراء من تحسين أحوالهم وتخفيف الضرائب عنهم أو حتى في تحسين الواقع التعليمي لهم، وادعى أن الميزانية التي أعدها هي الميزانية الاجتماعية الأكبر في تاريخ الدولة وهو ما نفته معطيات بنك اسرائيل، (بسوك، 2015)، ولم يتمكن كذلك من تقليل عدد الطلاب في الغرف الصفية أو حتى من زيادة عدد الأسرة في المستشفيات، ولم يستطع تخفيض أسعار الشقق السكنية (المصدر السابق) ولم يستطع تحقيق شعاره الانتخابي 0% ضريبة على السكن الجديد للأزواج الشابة، حيث استطاع بنيامين نتنياهو محاربة مشاريعه الاقتصادية الاجتماعية، وكنتيجة لسوء أداء الحزب تراجع ليتحصل على 11 مقعدًا في انتخابات عام 2015.

حزب "كولانو"

ظهر في الانتخابات الأخيرة حزب جديد آخر ينظر له النقاد على أنه حزب موسمي، وهو حزب كلنا "كولانو" بزعامة الليكودي السابق موشيه كحلون والذي كان يعتبر الرجل الثاني داخل الليكود. لم يختلف (كلنا) كثيرًا في طرحه عن حزب يوجد مستقبل، فقد ركز كحلون كثيرًا على الجانب الاجتماعي، وتركزت دعايته الانتخابية على أزمة السكن حيث أكد أن الهدف الرئيس لتأسيس الحزب هو العمل على حل مشاكل السكن والتقليل من ارتفاع أسعارها، وتخفيض أسعار الخدمات البنكية، ومعالجة غلاء المعيشة، إضافة إلى تقليص الفجوات في المجتمع الإسرائيلي وتشجيع العمل ( نيسان، 2015)

   وبعد فرز النتائج مباشرة وحصول حزب كلنا على 10 مقاعد، بدأ كحلون مفاوضات ماراثونية  أفضت إلى تقلده وزارة المالية والتي أراد من خلالها تحقيق برنامجه الانتخابي.  لم يمض سوى سبعة شهور فقط على عمل الحكومة الإسرائيلية الرابعة والثلاثين والتي لقب فيها كحلون برئيس الوزراء الاقتصادي؛ حتى بدأ يشعر كحلون بنوع من التذمر والضيق,  وبدأ يتضح له ولمحيطه بأن الصورة ليست وردية كما توقعها، فإقرار الميزانية في شهر نوفمبر المنصرم يؤكد وبشكل قاطع أن الوعود شيء وتحقيقها على أرض الواقع شيء آخر، ليظهر كحلون وحزبه بمزيد من العجز أمام الأحزاب العريقة، اليمينية والمتأصلة داخل المجتمع الإسرائيلي كحزب شاس، والتي استطاعت أن تحقق كل مرادها خلال إقرار الميزانية.

   رغم تأكيد كحلون بأن الميزانية تدعم الفقراء وتركز على علاج أزمة السكن والحد من غلاء المعيشة، (شتاينمس، 2015 ) وبالنظر حتى إلى شركة اتصالات جولان التي تفاخر كحلون كثيرًا بأنها رمز من رموز إنهاء احتكار شركات الاتصالات والعمل على تخفيض أسعار الاتصالات في إسرائيل؛ فإن اتجاه هذه الشركة للاندماج بشركة سلكوم سيؤدي إلى إنهاء التنافس بين الشركات وبالتالي تحويل المستهلك إلى ضحية. ( بيرتس، 2015 )

    بالإضافة إلى ذلك؛ ظهر كحلون وحزبه (كلنا) منقادًا في أغلب الملفات لرغبة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، حيث لم يستطع الاعتراض على مسألة إلغاء تجنيد شباب الحريديم  للجيش، إضافة إلى عدم تقديم أي وجهات نظر لحل المشاكل الأمنية التي تعاني منها إسرائيل، والملفت للنظر أنه فقط وبعد مرور سبعة أشهر على عمل الحكومة، أظهرت استطلاعات الرأي تراجعًا كبيرًا لحزب كلنا، كنوع من الشعور بالإحباط من قبل الناخب الإسرائيلي، حيث أظهرت الاستطلاعات في حال حدوث انتخابات جديدة أن حزب كلنا سيحصل على 5 مقاعد فقط ( ناحمياس، 2015).

 

أسباب العجز عن التغيير والتأثير.

ومما سبق يتضح أن الأحزاب الموسمية عاجزة عن إحداث تغيير حقيقي في البنية السياسية والاجتماعية في إسرائيل وهذا يعود للعديد من الأسباب، منها:

أولاً: اعتماد الأحزاب الموسمية على أشخاص بعينهم داخل الحزب، الأمر الذي يسهم في تدهور الأحزاب في حال أي فشل ملقى على عاتق مسؤوليها.

ثانيًا: عدم وجود قاعدة جماهيرية صلبة، إضافة إلى فقدان البعد الفكري في ظل مجتمع يتجه إلى اليمين خاصة في السنوات الأخيرة.

ثالثًا: عدم وجود هيكلية ومؤسسات حزبية تسهم في التأطير للحزب.

رابعًا:  قناعة هذه الأحزاب بأنها مجرد أحزاب موسمية وهذا ما يدفعها بشكل دائم إلى دخول الحكومة، وعدم القدرة على الخروج منها في ظل القناعة بأن الذهاب إلى انتخابات جديدة سيضعف الحزب وقد يؤدي إلى انهياره .

خامسًا: الأصول الليبية لكحلون زعيم حزب كلنا، أسهمت في عدم حصوله على مقاعد أكثر، وستسهم في تراجع كبير للحزب في الانتخابات القادمة أو في عدم اجتيازه نسبة الحسم.

سادسًا: التصويت للأحزاب الموسمية يكون عادة كنوع من عقاب الناخب الإسرائيلي للأحزاب العريقة الموجودة على الساحة السياسية منذ سنوات طويلة.

سابعًا: عدم قدرة الأحزاب الموسمية على تقديم جديد فيما يخص القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية في ظل واقع إسرائيلي يزداد تعقيدًا في السنوات الأخيرة. (شبيرا،2014)

ويخلص المراقبون للساحة السياسية الإسرائيلية إلى أنه لم يكن للأحزاب الموسمية، أي قدرة للتأثير على الحكومات الإسرائيلية وتنفيذ برامجها الانتخابية، أو الحلول كبديل لأحزاب عليها سخط من الناخب الإسرائيلي مثل الليكود، التي يضطر الناخب الإسرائلي إلى العودة إليها بسبب قوة تأثيرها وانعدام البديل عنها.

 

 

المصادر المراجع

  1. اساف شبيرا. ( 22 كانون أول، 2014). الأحزاب الموسمية في إسرائيل (مفلجوت متساب هروخ بيسرائيل). المعهد الاسرائيلي للديمقراطية. http://www.idi.org.il/%D7%A1%D7%A4%D7%A8%D7%99%D7%9D-%D7%95%D7%9E%D7%90%D7%9E%D7%A8%D7%99%D7%9D/%D7%9E%D7%90%D7%9E%D7%A8%D7%99%D7%9D/mood_parties/
  2. فيلد ميكي. (12 حزيران،2012). يئير لبيد: الازدهار لا يأتي من الطبقات الكبرى ولكن من النجار وسائق التاكسي ( يئير لبيد: هتسميخا لو تفو مهفعديم هجدوليم ايلا مهنجار) تم الاسترداد من جلوبس. http://www.calcalist.co.il/local/articles/0,7340,L-3582690,00.html
  3. جاد بيرتس. (5 تشرين ثاني،2015). أيضًا وزير المالية يرفض صفقة جولان سلكوم (جم سار هاوتسر كحلون متنجد لعسكات تلكوم جولان). تم الاسترداد من جلوبس.http://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=1001078875
  4. عدوت جليت. (26 كانون ثاني،2013). كل رجال لبيد: "هكذا أصبحت يوجد مستقبل مفاجئة الانتخابات" (كول انشي لبيد: "كاخ هفخا يش عتيد لهفتعات هبخيروت). تم الاسترداد من فوربس اسرائيل.http://www.forbes.co.il/news/new.aspx?Pn6VQ=E&0r9VQ=GJFL
  5. عمري ناحامياس. ( 3 كانون ثاني 2015). استطلاع رأي كحلون وهرتسوغ في انهيار (سيكر كحلون فهرتسوغ مترسكيم) تم الاسترداد من والا.http://news.walla.co.il/item/2912331
  6. موطي بسوك. (6 كانون ثاني،2015). لبيد يضخم المعطيات ويتناسى الفشل (لبيد منبخ نتونيم فمتشتش كيشلونوت). هارتس.http://www.themarker.com/news/1.2531202
  7. موشيه شتاينمس. ( 5 اغسطس،2015). في نهاية ليلة عاصفة تم إقرار الميزانية (بتوم ليلا سوعرت اوشار هتكتسيب). تم الاسترداد من والا.http://news.walla.co.il/item/2879394
  8. يهونتان ليس. (2 كانون اول،2014). معارضة داخل الحكومة (اوبوزتسيا بتوخ هممشلا). هارتس.http://www.haaretz.co.il/news/politi/1.2502416
  9. يوسي نيسان. (29 كانون ثاني،2015). الحملة الانتخابية لكحلون كشفت، هذا ما يؤكده كحلون لكم (متسع كحلون نحشاف: زي ما شهو يبتيخ لخم) تم الاسترداد من جلوبس.

http://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=1001005106

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى