مقدمة

أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر الثامن عشر من تشرين أول/ أكتوبر الماضي، مكاتب تعود لثلاث شركات تقدّم خدمات البثّ لعدد من القنوات الفضائية الفلسطينية والإقليمية والدولية، وذلك بعد أن داهمت مكاتبها في مدن رام الله والخليل ونابلس، ونشرت أمرًا يقضي بسريان إغلاق المكاتب لمدة ستة شهور من تاريخه. وفي الأثناء داهمت أيضًا مطبعة في رام الله،`1` وصادرت محتوياتها، وأمرت بإغلاقها ستة شهور.`2`

وصادرت قوات الاحتلال من مكاتب شركات البثّ التي اقتحمتها معدات خاصة بالتصوير والبثّ والمونتاج،`3` واعتقلت في الحملة ذاتها عامر الجعبري مدير عام شركة ترانس ميديا، وشقيقه إبراهيم الجعبري مدير الطواقم في الشركة، وذلك من منزلهما في مدينة الخليل.`4` وكانت شركة ترانس ميديا قد أعلنت على صفحتها على موقع فيسبوك، أن الاحتلال مدّد الشقيقين ثمانية أيام للتحقيق في مركز تحقيق سجن عسقلان، ومنع عنهما لقاء المحامين.`5`

وبعد المداهمات والانتهاء من إجراءات الإغلاق، اتصل ضباط من مخابرات الاحتلال بعدد من العاملين في قناة القدس، وهددوهم إن استمروا في العمل بالقناة. وفي مقابلة خاصّة، أفادت إباء أبو طه، التي تعمل مُحررة في القناة، أنّ التهديد الذي تلقّته في اتصال هاتفي من ضابط إسرائيلي، تضمّن التهديد بالمنع من السفر، أو الاعتقال، في حال عملت مع القناة بأي شكل، وبصورة جزئية أو كلية، وسواء من داخل البيت أو من مقرّ القناة، أو تلقّت أي قسيمة مالية من القناة، وقد طلب منها الضابط الإسرائيلي البحث عن عمل آخر.`6` وهو ما تعرّض له أيضًا عماد أبو عواد، الذي يعمل معدًّا لبرنامج المشهد الصهيوني في القناة نفسها، كما أفاد في مقابلة خاصّة.`7`

الشركات الثلاث التي أُغلقت مكاتبها في المدن المذكورة، هي بال ميديا التابعة لمجموعة الاتصالات الفلسطينية، وترانس ميديا، ورامسات. والقنوات الفلسطينية التي تضررت من هذا الإغلاق هي قنوات القدس والأقصى وفلسطين اليوم، إضافة إلى قنوات عربية أخرى مثل المنار والميادين، وقنوات دولية أخرى، لا يمكن أن ينطبق عليها اتهام الاحتلال بـ "تنفيذ ونشر التحريض" حسب أمر الإغلاق، كقنوات روسيا اليوم، وفرانس 24.

يدعي أمر الإغلاق الذي نشرته قوات الاحتلال على أبواب الشركات، أن إغلاق مكاتب الشركات المذكورة، جاء بعدما تبين لـ "قوات جيش الدفاع الإسرائيلي" أنها "نفّذت وساعدت في نشر التحريض على العمليات الإرهابية التي تمسّ بالأمن"`8`. وحسب متحدثة باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإن قوات الاحتلال "فتشت مكاتب إعلامية وشركات إنتاج، يشتبه ببثها مواد تحريضية، والتشجيع والاحتفال والترويج للعنف والإرهاب ضد الإسرائيليين… وصادرت معدات ووثائق من الشركات الإعلامية، التي قدّمت خدمات لقناتي الأقصى والقدس، وهما منظمتان محظورتان".`9`

وقد صرّح الجنرال يواف مردخاي، منسّق أنشطة الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمسؤول عن وحدة الإدارة المدنية، على صفحته على موقع الفيسبوك، بأن المستهدف أساسًا من إغلاق مكاتب شركات البثّ هو قناتا القدس والأقصى، بدعوى أن هاتين القناتين "تبثّان التحريض المستمرّ على دولة إسرائيل"، وأنهما "شكّلتا، عدّة مرات، إلهامًا للمخرّبين في خروجهم إلى عمليات إرهابية وحشية ضد أبرياء".`10`

بينما قال أفيخاي أدرعي، الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، على حسابه على موقع تويتر، إنه "في نشاط مشترك لجيش الدفاع وقوات الأمن، تم مداهمة 8 وسائل إعلام وشركات إنتاج فلسطينية، يشتبه في بثها وإرسالها مواد تحريضية ومشجعة على الإرهاب".`11`

تسعى هذه الورقة، لعرض ردود الأفعال المختلفة، للجهات ذات الصلة بالحدث، ثم تحليل الحدث، ومحاولة معرفة الدوافع الحقيقية للإسرائيليين في اعتداءاتهم، وتقييم الأداء الفلسطيني في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة على هذا الصعيد.