إعلان وزارة الخارجية الأمريكية بخصوص صالح العاروري.. التوقيت والدوافع والأبعاد

أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر نويرت، في إيجاز صحفي في 13 تشرين ثاني/ نوفمبر، عن تدابير اتخذتها الإدارة الأمريكية ضد كلّ من حركة حماس الفلسطينية، وحزب الله اللبناني. تضمن الإيجاز الصحفي إعلانًا من مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الأمن الدبلوماسي مايك إيفانوف، باسم "برنامج المكافآت من أجل العدالة" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، عن تقديم مكافآت مالية تبلغ 5 ملايين دولار، مقابل معلومات تفضي إلى تحديد هوية نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري، والقيادييْن في حزب الله اللبناني خليل يوسف محمود حرب، وهيثم علي الطبطبائي، أو مكان تواجدهم1.

تتناول هذه الورقة توقيت الإعلان الأمريكي، وكيفية إخراجه، ودوافعه السياسية وأبعاده القانونية، وذلك في سياق سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، التي تتضمن توظيف تهمة "الإرهاب"، وخدمة المصالح الإسرائيلية.

حيثيات الإعلان الأمريكي بخصوص العاروري

تضمنت المعلومات التي أعلن عنها مساعد وزير الخارجية الأمريكية مايك إيفانوف عن صالح العاروري، إشاراتٍ عن موقعه في حركة حماس بصفته نائبًا لرئيس مكتبها السياسي، وعن ماضيه بصفته أحد مؤسسي كتائب القسام، وعلاقاته الدولية بالإشارة إلى مكان إقامته في لبنان، واتصالاته، حسب الإعلان الأمريكي، بفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وصولًا إلى اتهامه بجمع الأموال لصالح عمليات حركة حماس بالضفة الغربية، وإدارة تلك العمليات، بما في ذلك عمليات خطف الإسرائيليين2.

على نحو خاص، أشار مايك إيفانوف إلى إعلان العاروري عام 2014 مسؤولية حركته عن أسر ثلاثة إسرائيليين، قُتلوا فيما بعد في 12 حزيران/ يونيو 2014، من بينهم إسرائيلي يحمل الجنسية الأمريكية3.

في الإعلان ذاته، ذكر مايك إيفانوف أن وزارة الخزانة الأمريكية، كانت قد أدرجت العاروري على قائمة الإرهابيين المصنفين بشكل خاص، وذلك في أيلول/ سبتمبر 2015.4

من الواضح أن هذا الإعلان هو الاستهداف الثاني لصالح العاروري وليس الأول، فقد سبق وأدرجته وزارة الخزانة الأمريكية على قائمتها الخاصة بالإرهاب، إلى جانب القيادي الآخر في حركة حماس ماهر صلاح، والذي يشغل الآن منصب رئيس حركة حماس خارج الأرض المحتلة، وكذلك شخصيات أخرى تعيش في المملكة العربية السعودية، وشركات وكيانات اقتصادية في السعودية والسودان، زعمت وزارة الخزانة الأمريكية ارتباطها بحركة حماس، وذلك في 10 أيلول/ سبتمبر 20155.

في إعلانها السابق المشار إليه، كانت وزارة الخزانة الأمريكية، وإضافة إلى حديثها عن الماضي العسكري للعاروري، قد تحدثت في حينه عن تمويله لحركة حماس في الضفة الغربية، وإدارته من الخارج لمجموعات حماس العسكرية في الضفة، لا سيما المجموعة التي أسرت المستوطنين الثلاثة عام 2014.6

تجديد الولايات المتحدة استهدافها للعاروري، ومن وزارة أخرى، وفي غضون ثلاث سنوات، يعني اهتمامًا خاصًّا بالعاروري. بيد أن التوقيت هذه المرّة بالغ الأهمية، بالنظر إلى جملة اعتبارات لا يمكن إغفالها، منها قيادة العاروري لملف العلاقات السياسية والدولية في حركة حماس، وعلاقته بإيران، كما جاء في الإعلان الأمريكي الأخير، الذي يبدو وكأنه يستهدف إيران أيضا.

هنا يمكن ملاحظة الربط بين العاروري وإيران من خلال جملة عناصر، منها ضمّ قيادييْن عسكرييْن من حزب الله إلى الإعلان ذاته، مع الإشارة إلى كونهما مدرجيْن على "قائمة الإرهابيين المصنفين بشكل خاص" لكل من وزارتي الخارجية والخزانة الأمريكيتين7. وكذلك اتهام إيران بإمداد حماس وحزب الله بالسلاح والتدريب والتمويل، والتذكير بكون إيران مصّنفة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية كدولة راعية للإرهاب، وبتصنيف الوزارة ذاتها حماس وحزب الله منظمتيْن إرهابيتيْن أجنبيتيْن في تشرين أول/ أكتوبر 1997، وكيانيْن إرهابييْن دولييْن محدديْن بشكل خاص في تشرين أول/ أكتوبر 2001. إضافة إلى الإعلان عن إدراج جواد نصر الله، نجل حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، على قائمة الإرهابيين الدوليين المحددين بشكل خاص، التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية.8

في الإيجاز نفسه، تحدث ناثان سايلز، السفير المتجول، ومنسق شؤون مكافحة الإرهاب، عن علاقة حماس بإيران، مشيرًا إلى إعادة بناء العلاقة بينهما بعد خلاف بشأن الأحداث في سوريا، ومنوّهًا إلى أن العاروري يلعب دورًا رئيسًا في هذه العلاقة. وذكر سايلز أن هذا الإعلان هو خطوة في سياق تأسيس أقسى نظام عقوبات ضد إيران، وذكر جانبًا من أشكال الدعم المالي والعسكري الذي تقدّمه إيران لكل من حزب الله وحماس، والذي يبلغ 100 مليون دولار لمختلف الجماعات الفلسطينية، والتي منها حركة حماس9.

لا تقتصر مهام صالح العاروري على إدارة العلاقة مع إيران، فهو يتولّى إدارة ملف المصالحة الفلسطينية، والتهدئة مع "إسرائيل"، والاتصالات بالمصريين. فقد وقّع العاروري في القاهرة، ونيابة عن حركته، إعلان المصالحة مع حركة فتح في 12 تشرين أول/ أكتوبر 201710، وما يزال يقود وفود حركته إلى القاهرة، سواء في مباحثات التهدئة مع "إسرائيل"، أو المصالحة مع حركة فتح، حتى بعد الإعلان الأمريكي المشار إليه11.

وحين النظر إلى هذه المهام التي يؤديها العاروري، يتضح أن استهدافه في هذا التوقيت، هو بالضرورة استهداف لاتصالات حركة حماس الإقليمية والدولية، وتأسيس لخطوات أوسع قد تتخذها الإدارة الأمريكية لاحقًا لحصار حركة حماس في مجالها الإقليمي والدولي، أو لابتزازها والضغط عليها، أو للضغط على الدول والكيانات التي تتصل بها الحركة.

إضافة إلى تلك الاعتبارات، فإنّ التحريض الإسرائيلي على العاروري، لم يتوقف منذ إبعاده إلى خارج الأرض المحتلة، بل تكثف بعد انتخابه نائبًا لرئيس حركة حماس، وذلك باتهامه بأنه المسؤول عن تنظيم العمليات العسكرية ضد "إسرائيل" في الضفة الغربية12. وفي سياق التحريض على العاروري، كتبت الصحافة الإسرائيلية عن فعالية الضغوط التي مارستها "إسرائيل" والولايات المتحدة لتقييد حركته، أو إخراجه من بعض البلاد التي أقام فيها قبل استقراره في لبنان وقطر وتركيا13.

توظيف الأبعاد القانونية

أعلنت الولايات المتحدة في فترات متعددة عن عدة قوائم متخصصة وتم تفويض بعض الوزارات والوكالات لمتابعة شؤنها، وأسست كذلك مراكز ذات ميزانيات كبيرة للعمل على تلك القوائم. وأبرز تلك القوائم هي "قائمة الإرهابيين الدوليين المحددين بصفة خاصّة"، التي أوكلت بشكل مباشر لوزارة الخزانة مع السماح للخارجية بإضافة أسماء لها، وقائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية التابعة حصراً لوزارة الخارجية، والقائمة الأكثر أهمية وخطورة وهي قائمة "الإرهابيين الأكثر مطلوبية" التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي FBI والتي يشمل اختصاصها كل ما تعلق بالإرهاب في العالم حسب التعريف الأمريكي. وتستند هذه القوائم على أوامر تنفيذية متعددة، وتستند تلك الأوامر إلى التعريف الأمريكي للإرهاب والذي لا يلقى قبولاً دولاياً.

اقتصر إعلان وزارة الخارجية الأمريكية على دفع مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات عن صالح العاروري، تتعلق بتحديد هويته ومكان وجوده، بهدف "تقديمه إلى العدالة" حسب الإعلان. إلا أنّ الإعلان ضمن هذه الحدود، كما هو واضح، يتضمن بُعدًا سياسيًّا، إذ إنّ هوية العاروري، ومكان وجوده، وتحركاته الإقليمية، معروفة وغير سرّية. كما يتضمن الإعلان بُعدًا أمنيًّا يهدف إلى تجنيد أشخاص يمكن أن تغريهم المكافأة المالية. أمّا البعد القانوني، فيكمن في الإحالة على "قائمة الإرهابيين الدوليين المحددين بصفة خاصّة"، التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية.

وقد أضاف سايلز أن هذه العقوبات تعني تجميد أصولهم المالية في الولايات المتحدة، وحظر الاتصال بهم من أي مواطن أمريكي، وأن المتوقع من لبنان بعد ذلك، هو التعامل على هذا الأساس14.

تجدر الإشارة هنا إلى أن "برنامج المكافآت من أجل العدالة" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، هو برنامج مشترك بين عدد من الوكالات الأمنية والحكومية، يملك القرار النهائي فيه وزير الخارجية الأمريكي. وهو بذلك أحد البرامج المشتركة بين مختلف الوكالات الأمريكية، التي توظّف مسألة الإرهاب في السياسات الأمريكية.

وفي السياق نفسه، تأتي خشية الدول من اتهامها بدعم الإرهاب، في حال قدّمت الدعم لحركة حماس، لا سيما وأنّ للولايات المتحدة قائمة أخرى، هي قائمة الدول الراعية للإرهاب، التي تضمّ الآن أربع دول هي إيران، والسودان، وسوريا، وكوريا الشمالية15. وتظهر نتائج الابتزاز السياسي فيما يتعرّض له قادة حركة حماس في بعض الدول من الاعتقال، أو الترحيل، أو رفض استقبالهم وتقييد حركتهم، وتراجُع بعض الدول عن دعم الحركة، وتشديد الإجراءات على حركة المال، ومنع جمع التبرعات لصالح الحركة. ويعزّز من هذه القدرة، هيمنة الولايات المتحدة على النظام الاقتصادي العالمي، وقدرتها الفائقة على مراقبة الحوالات المالية. ويمكن هنا استحضار القضية التي رُفعت على البنك العربي في الولايات المتحدة الأمريكية16.

وإضافة إلى قائمتي "المنظمات الإرهابية الأجنبية"، و"الدول الراعية للإرهاب"، التابعتين لوزارة الخارجية الأمريكية، تأتي القوائم المنبثقة عن "الأمر التنفيذي رقم 13224"، الذي أصدره الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن في 23 أيلول/ سبتمبر 2001، وهو قانون طوارئ خاصّ مكّن وزارتي الخارجية والخزانة الأمريكيتين، من إصدار قوائم خاصّة تصنّف المنظمات والشخصيات المتهمة أمريكيًّا بالإرهاب؛ بهدف محاصرة موارد دعمها في الولايات المتحدة، والتنسيق مع الدول والحكومات الأخرى لعزلها دوليًّا. وقد كان هذا القرار فضفاضًا إلى درجة سهلت إضافة ما يقارب 1000 تصنيف من الكيانات والأشخاص17.

بموجب هذا القرار، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية قائمتها الخاصة، والتي تسميها "قائمة الكيانات والإرهابيين المصنفين بشكل خاص"، والتي تتوخّى ذات الأهداف المعلنة في قائمة "المنظمات الإرهابية الأجنبية"18. وقد أدرج إسماعيل هنية في هذه القائمة في 31 كانون ثاني/ يناير 2018، بينما أدرج فيها في أوقات سابقة عدد من قيادات حماس في قطاع غزّة، هم يحيى السنوار وفتحي حماد وروحي مشتهى، وعدد من قيادات جناحها العسكري، هم محمد الضيف وأحمد الغندور19. كما أُدرج محمد هشام أبو غزالة، الذي تقول قائمة وزارة الخارجية إنه مرتبط بحماس.20

وإضافة إلى القيادات، تضم هذه القائمة عددًا من المنظمات الفلسطينية. فقد أُدرجت حركة حماس في 13 تشرين أول/ أكتوبر 2001، على "قائمة الكيانات والإرهابيين المصنفين بشكل خاص"، الصادرة بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224، إضافة إلى حركة الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية – القيادة العامة، وجبهة التحرير الفلسطينية، وكتائب شهداء الأقصى21.

قابلية هذه القرارات للتطبيق؟

عدا عن القائمة التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي، والتي تخول المكتب بتصفية المطلوبين أو اعتقالهم، مثل ما حصل مع أسامة بن لادن مثلاً، فإن هذه القوائم تهدف لمحاصرة الشخص أو الكيان المطلوب والتضييق عليه مالياً وسياسياً أكثر من اعتقاله أو تصفيته.

وفي أي حال، فإن هذه القرارات غير ملزمة قانونياً، بشكل تلقائي، لأي دولة باستثناء الولايات المتحدّة الأمريكية. ومن أجل أن يصبح الأمر ملزما للدول الأخرى أن تقوم باعتقاله فيتوجب القيام بأي من التالي:

الإخطار عبر الإنتربول: من أجل أن يصبح القرار الأمريكي ملزماً فيجب أن تقوم بتقديم طلب رسمي للأمانة العامّة للإنتربول. وحتى تتضح هذه المسألة، فإن الإنتربول ليس كياناً فوق الدول، ولا يمتلك قوات شرطة خاصة، وإنما هو مجرد منظمة تنسيقية بين أجهزة الشرطة المصادقة على الاتفاقية المؤسسة للإنتربول. وفي حال رغبت الولايات المتحدة اعتقال صالح العاروري في مطار ما، مثلاً، فعليها تقديم طلب للأمانة العامّة للانتربول وبعد أن يصادق عليه يقوم الأمين العام باصدار أي من المذكرات الرسمية وأهمها هي المذكرة الحمراء، التي تعتبر بمثابة مذكرة اعتقال دولية. وبعد صدور القرار، تلزم الدولة التي يتواجد على أراضيها أن تعتقله من أجل إجراءات التسليم في حال كانت الدولة عضواً في الاتفاقية. وبالإمكان طبعاً الطعن في القرار عبر إجراءات الإنتربول الرسمية.

تفعيل اتفاقيات تسليم المطلوبين: وتعتمد هذه على الاتفاقيات الخاصّة الثنائية بين الولايات المتحدة والدول الأخرى. ففي حال شملت هذه الاتفاقيات الاعتقال والتسليم الفوري فإن الدولة ملزمة بموجب هذه الاتفاقية باعتقال صالح العاروري وتسليمه. وهذه وسلية أكثر فعالية من الإنتربول. ولكن من أجل تفعيل هذه أيضاً ينبغي على الولايات المتحدة التقدم بطلب رسمي للدولة المضيفة.

الانحياز ضد الفلسطينيين:

لا يمكن فصل هذا الإعلان عن المسار الذي تنتهجه الإدارة الأمريكية الحالية في التعامل مع الملف الفلسطيني، خاصة مشروع القرار الذي استهدف توجيه إدانة لحركة حماس في الجمعية العامة للأمم المتحدة. فهناك مؤشرات واضحة لمسعى أمريكي إسرائيلي مشترك، هدفه سحب الشرعية من أي من المكونات الفلسطينية الفاعلة. فعلى وجه العموم، تهدف هذه الإعلانات الأمريكية إلى إسقاط الرمزية السياسية لأي من الشخصيات، وحرمانها من حقها في الحركة والتنقل. وفي حالة نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يبدو الأمر كجزء من خطة لمنع حماس من العمل السياسي خارج فلسطين. فالإدارة الأمريكية تدرك أنها لا تستطيع تنفيذ مطاردة حقيقية للقيادي الفلسطيني البارز، ولكنها تراهن على الحد من تحركه العلني، ومنعه من اللقاءات السياسية الرسمية.

يبدو السلوك الأمريكي وكأنه يهدف لإخراج حماس من موقعها الهام كصاحبة أغلبية برلمانية، ووضعها في خانة الحركات السرية، التي لا مكان لها في حقل السياسة العلنية. وربما يهدف أيضا لمنع تمدد علاقات الحركة لمساحات جديدة، في ضوء سياسات حماس الآخذة بالانفتاح، والتي من شأنها تقديم الحركة كحركة تحرر وطني، قادرة على اجتذاب تأييد واسع من الدول الصديقة تاريخيا للشعب الفلسطيني، أو حركات التحرر الوطني في العالم الثالث.

إن الإصرار على إلصاق أي صلة للحركة مع دولة مثل إيران، بخانات السرية والغموض، هو جزء من محاولة الإدارة الأمريكية لاستعداء البيئة الرسمية العربية ضد الحركة، ومنْعها من قبول تفسيرات حركة حماس المعلنة لهذه العلاقات مع إيران، والتي اعتادت حماس تفسيرها بأنها تنبع من استعدادها الدائم، للتلاقي مع أي دولة تقدم دعمها للقضية الفلسطينية.

هناك بُعد آخر يمكن قراءة خطورته في تعمد تكرار استهداف صالح العاروري بهذه التصنيفات والإعلانات، وهو احتمال كون هذه الإعلانات توطئة لاستهداف الرجل فعليا، سواء عبر الأذرع الإسرائيلية، أو غيرها.

ردود الأفعال

من جهتها، وبعد تأكيدها على رفض الإجراء الأمريكي الذي عدّته ظالمًا بحقّ العاروري، قالت حماس إن العاروري مستمرّ في القيام بدوره القيادي وواجبه الوطني، واستنكرت في الوقت نفسه استهداف الولايات المتحدة لقوى المقاومة في المنطقة، مشيرة إلى القيادييْن من حزب الله اللذيْن شملهما القرار. وطالبت الحركة الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، برفض هذا القرار بشكل حاسم وقاطع، والتصدي له، ومنع تنفيذه على أراضيها، وعلى كل المستويات22.

واعتبرت حركة الجهاد الإسلامي القرار الأمريكي بخصوص العاروري، وشخصيات أخرى من حزب الله، عداءً جديدًا وفاضحًا ضد مشروع المقاومة، والأمة العربية والإسلامية، منوّهة إلى سوابق الولايات المتحدة في هذا الاتجاه، كإدراجها الأمين العام الحالي للحركة أنور نخّالة، وأمينها العام السابق رمضان عبد الله شلّح، على لوائح الإرهاب، ومؤكدة على دعمها ومساندتها لحماس وحزب الله23.

الموقف ذاته أبدته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حيث اعتبرت الإجراء الأمريكي امتدادًا للسياسات الأمريكية التي تدعم الاحتلال، وتستهدف محور المقاومة. وقالت إن الإدارة الأمريكية أصبحت أداة تنفيذية بيد الاحتلال الإسرائيلي، ولا سيما الإدارة الحالية "الأكثر تطرفًا وانحيازًا لدولة الاحتلال". وفي تحليلها لدوافع القرار، قالت الجبهة إنّه يهدف إلى تغطية جرائم الاحتلال، وحمايته في المحافل الدولية، وإسناد الاحتلال بعد تراجعه أمام صمود المقاومة.24

من جهته قال عبّاس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، إن الإجراء الأمريكي الذي يعكس انحياز الإدارة الأمريكية في معاداة الشعب الفلسطيني، هو وسام شرف على صدر العاروري والشعب الفلسطيني25. كما قال منير الجاغوب، رئيس المكتب الإعلامي في مفوضية التعبئة والتنظيم لحركة فتح، إن الولايات المتحدة أصبحت خصمًا للشعب الفلسطيني، وتبني سياساتها وإجراءاتها استجابة للحاجات الإسرائيلية، دون أدنى مراعاة لدورها التاريخي في رعاية اتفاقيات السلام26.

خلاصة

أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن مكافأة تبلغ 5 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عن صالح العاروري نائب رئيس حركة حماس، وشخصيات أخرى من حزب الله، منوهة إلى إدراج العاروري على "قائمة الإرهابيين المصنفين بشكل خاص"، التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية منذ أيلول/ سبتمبر 2015.

حاولت وزارة الخارجية الأمريكية إبراز الإجراء وكأنه جزء من العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران، مشيرة إلى الدور الذي يقوم به العاروري في توثيق العلاقات بين حماس وإيران. بيد أن القرار من جهة أخرى، ينسجم مع توجهات الإدارة الأمريكية الحالية، التي تضاعف من إجراءاتها المنحازة للحكومة الإسرائيلية الحالية، والتي تستهدف القضية الفلسطينية بصورة عميقة وجذرية، وبما يختلف عن الإدارات السابقة. ومن جهة أخرى، فإنّ استهداف العاروري يمثل استهدافًا لاتصالات حماس، وعلاقاتها الإقليمية والدولية، وذلك نظرًا إلى الدور الذي يلعبه العاروري في مباحثات التهدئة ولقاءات المصالحة. هذا فضلًا عن التحريض الإسرائيلي المكثف طوال السنوات الأخيرة على العاروري، وما تنسبه إليه من قيادته لحركة حماس في الضفة الغربية.

تستخدم الولايات المتحدة تهمة الإرهاب لمحاصرة خصومها في سائر الملفات، ومنها القضية الفلسطينية. فمنظمة التحرير الفلسطينية التي وقعت اتفاقية أوسلو، وعدّلت الميثاق الوطني الفلسطيني، ما تزال تُعرّف كمنظمة إرهابية حسب قانون للكونغرس صدر عام 1987، وهو أمر سهّل للولايات المتحدة ابتزاز منظمة التحرير طوال تلك الفترة، إلى أن أُغلق مكتبها في واشنطن في أيلول/ سبتمبر 2018.

تصدر الولايات المتحدة قوائم تضم منظماتٍ وأفرادًا تتهمهم بالإرهاب، وقائمة تضم دولًا تتهمها برعاية الإرهاب، وذلك استنادًا لمعايير فضفاضة وواضحة التسييس. ومن أشهر تلك القوائم "قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية"، الصادرة عن وزارة الخارجية، والتي أدرجت ضمنها حركة حماس منذ إنشاء القائمة عام 1997. ومنها أيضا القوائم الخاصة بكل من وزارة الخارجية ووزارة الخزانة، اللتين بدأتا إصدارها بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، بناء على قرار تنفيذي من الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن. علمًا أن صالح العاروري مدرج على قائمة وزارة الخزانة بالفعل منذ عام 2015.

الأبعاد السياسية في الإجراءات الأمريكية ظاهرة ومعلنة بالفعل، وهي تمارس ضغوطًا فعلية على العديد من الدول التي تخشى استضافة قيادات من حركة حماس، أو تطوير علاقاتها بها، أو تقديم الدعم لها. كما أن النفوذ الأمريكي دفع الاتحاد الأوروبي إلى إبقاء حماس على لائحته الخاصّة، وصعّب من تعاملاتها المالية.

أما الأبعاد الأمنية في إعلان وزارة الخارجية الأخير، فقد تشمل تجنيد العملاء، وإمكانية البناء على القرار مستقبلًا من أجل خطوات سياسية وقانونية أخرى، وذلك بهدف الضغط على حركة حماس، ومحصارة علاقاتها الإقليمية والدولية.


1 Department Press Briefing – November 13, 2018, U.S. Department of State, November 13, 2018, https://goo.gl/cv2zKT

2 المصدر السابق.

3 المصدر السابق.

4 المصدر السابق.

5 Resource Center : Counter Terrorism Designations : OFFICE OF FOREIGN ASSETS CONTROL: Specially Designated Nationals List Update, U.S. DEPARTMENT OF THE TREASURY, September 10, 2015, https://goo.gl/wFLvFx

6 Press Center: Treasury Sanctions Major Hamas Leaders, Financial Facilitators and a Front Company, September 10, 2015, https://goo.gl/cHv3Go

7 Department Press Briefing – November 13, 2018, U.S. Department of State, November 13, 2018.

8 المصدر السابق.

9 المصدر السابق.

10 وفدا حماس وفتح يوقعان اتفاق المصالحة بالقاهرة، موقع عرب 48، 12 تشرين أول/ أكتوبر 2018، https://goo.gl/HkD3au

11 العاروري على رأس وفد لحماس في زيارة للقاهرة، موقع الجزيرة نت، 21 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/LPHFPw

12אדריכל הפיגועים ששולט בעברית: זהו מספר 2 בחמאס، ynet، 5 באוקטובר 2017 ، https://goo.gl/j5sMfc

13 المصدر السابق.

14 Department Press Briefing – November 13, 2018, U.S. Department of State, November 13, 2018, مصدر سابق

15 State Sponsors of Terrorism, U.S. Department of State, https://goo.gl/bgBeno

16 محكمة استئناف أمريكية تلغي حكما بشأن البنك العربي وحماس، موقع وكالة رويترز للأنباء، 9 شباط/ فبراير 2018، https://goo.gl/LeZm33

17 Zac Copeland, The National Emergency Under Executive Order 13224 Moves into Year 16, lawfare, November 3, 2016, https://goo.gl/ig3gB5

18 عن أهداف قائمة وزارة الخارجية الأمريكية بموجب الأمر التنفيذي 13224 انظر:

Executive Order 13224, U.S. Department of State, https://goo.gl/WVPyxF

19 Individuals and Entities Designated by the State Department Under E.O. 13224, U.S. Department of State, https://goo.gl/p9wv9Q

20 عن محمد هشام أبو غزالة، انظر:

ماثيو ليفيت، «حماس» تتحول إلى استراتيجية عملياتية تنطلق من الخارج إلى الداخل، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، 26 أيلول/ سبتمبر 2011، https://goo.gl/6D5nZg

21 انظر القائمة:

Individuals and Entities Designated by the State Department Under E.O. 13224, U.S. Department of State, https://goo.gl/p6Ss1w

22 تصريح صحفي تعقيبًا على إدراج الخارجية الأمريكية العاروري على قائمة الإرهاب، موقع حركة حماس، 14 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://hamas.ps/ar/post/9879

23 بيان: الجهاد الإسلامي تدين إدراج قيادات من حزب الله وحماس على قوائم الإرهاب الأمريكي، موقع حركة الجهاد الإسلامي، 14 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/DWMFeH

24 الكعبي: قرار وزارة الخارجية الأمريكية بحق العاروري استمرار لاستهداف محور المقاومة، موقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، 14 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/LGGn6c

25 عباس زكي: لوائح الإرهاب الأمريكية وسام شرف للعاروري، موقع عربي21، 14 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/7CPyAd

26 "فتح" تدين إدراج نائب رئيس حركة حماس على قوائم الإرهاب، موقع دنيا الوطن، 15 تشرين ثاني/ نوفمبر 2018، https://goo.gl/gLQK9k

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى