أحداث نابلس والمواجهة مع السلطة الفلسطينية: السياقات والدلالات
كريم قرط[1]
أقدمت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية على اعتقال المطارد لقوات الاحتلال “مصعب اشتية” برفقة عميد طبيلة مساء الثلاثاء، 20 سبتمبر/أيلول 2022، وقد أثارت هذه الحادثة ردود فعل شعبية غاضبة، ومواجهات بين المقاومين وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية في كل من نابلس وجنين، ومواجهات شعبية شارك بها عشرات المحتجين، أدت إلى وفاة المواطن فراس يعيش وإصابة عدد من الشبان.
تثير هذه الحادثة جملة من التساؤلات، حول دوافع أجهزة أمن السلطة للإقدام على هذه الخطوة الآن؟ وأسباب تفجر الغضب الشعبي، مع أن هناك حوادث اعتقال متعددة لمقاومين من قبل السلطة الفلسطينية مثل معاذ حامد وأحمد الشبراوي عام 2015، إلا أنها لم تستتبع غضبًا شعبيًا مماثلاً لما حدث على خلفية اعتقال اشتية؟ وكيف تحولت جنين ونابلس إلى حالتين مقاومتين بشكل علني تتحديان سياسة التنسيق الأمني التي تتبعها السلطة الفلسطينية؟ وما مدى إمكانية امتداد هذه الحالة لتشمل مناطق أخرى؟
سياقات التصعيد:
شكلت جنين بمخيمها نموذجًا خاصًا بين محافظات الضفة الغربية في مقاومة الاحتلال ونشاط المقاومين، وفي غضون أشهر معدودة أصبحت نابلس بؤرة للمقاومة شبه المنظمة، حالها مثل حال جنين، ما يشير إلى أن حالة المقاومة قابلة للتوسع والتمدد، ولكن ضمن سياقات واعتبارات بعضها متوفر في بقية المناطق في الضفة الغربية وبعضها لا، ومن ضمن هذه السياقات والاعتبارات:
- قواعد الارتكاز: تعتمد المقاومة التي تنتهج أسلوب حرب الغوار،[2] على قواعد ارتكاز تتحصن فيها؛ لتخرج منها وتنفذ عملياتها ضد العدو، ثم تعود إلى قواعدها، كما هو الحال في الثورة الفيتنامية التي كان المقاتلون يتحصنون خلالها في الغابات، وكذلك الحال لدى حركة طالبان التي كانت تتحصن في الجبال، وهو الحال المماثل للثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 التي اتخذ فيها الثوار من الجبال قواعد ارتكاز لهم.
يختلف الوضع في الضفة الغربية في هذه المرحلة عن الوضع الذي كان سائدًا إبان ثورة 1936، فالضفة تقع تحت سيطرة الاحتلال “الإسرائيلي” الفعلية، ومعظم جبالها استيل عليها، وأنشئت المستوطنات والمعسكرات التابعة لجيش الاحتلال عليها، ولذلك يعد وجود قاعدة ارتكاز للمقاومة ليس ممكنًا من الناحية العملية، ولكن من ناحية أخرى، يعد تطويق الاحتلال للمدن الفلسطينية وعزلها، وما تبعه من ارتفاع الكثافة السكانية والعمرانية فيها، يساهم في أن تتحول مراكز المدن إلى قواعد ارتكاز يستطيع المقاومون التحصن فيها، ويجعل عملية استهداف الاحتلال لهم عملية صعبة.
في حالتي جنين ونابلس شكّل مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس، اللذان يقعان وسط المدن، قواعد ارتكاز بأزقتمهما الضيقة وكثافتهم السكانية والعمرانية، إذ يتحصن المقاومون في غالبيتهم داخلهما، وينفذّون عملياتهم انطلاقا منهما ثم يعودون للتحصن فيهما.
لا تتوفر مثل هذه البيئة في بقية المدن والمخيمات الفلسطينية بشكل كبير، فالبلدة القديمة في الخليل على سبيل المثال، تخضع للاحتلال والاستيطان “الإسرائيلي” المباشر، في حين أن مخيمات رام الله تقع فعليًا على أطراف المدينة وليس في وسطها.
- ضعف السلطة الفلسطينية: بدا في الفترة الأخيرة ضعف سيطرة السلطة الفلسطينية الفعلية على الأرض، وهذا الأمر ممتد شمال الضفة الغربية إلى جنوبها أيضا، حيث شهدت محافظة الخليل عددًا من المشكلات العائلية وحالات من الفلتان الأمني طلية أشهر، دون أن يكون هناك دور للأجهزة الأمنية الفلسطنينة في مواجهة تلك الأحداث، وعلى عكس الحالة في الجنوب، فقد تُرجم ضعف السلطة الفلسطينية إلى تصاعد الفعل المقاوم للاحتلال في الشمال، في ظل انتشار السلاح، لا سيما بين الأفراد المحسوبين على حركة فتح.
تُقرّ السلطة الفلسطينية بحالة الضعف هذه، حيث عبّر محافظ نابلس إبراهيم رمضان عن ذلك خلال مقابلته مع صحيفة “إسرائيل” اليوم “الإسرائيلية” بتاريخ 17 /9/ 2022، الذي حذّر خلالها من وشك السلطة الفلسطينية على الانهيار، كما بدأت تفقد السيطرة على الأرض والأحداث في شمال الضفة الغربية، إضافة إلى انعدام الثقة بين الشعب الفلسطيني وسلطته.
من المهم الإشارة إلى أن ضعف السلطة الفلسطينية ناتج عن جملة من الأسباب المتداخلة مع الحالة النضالية المتصاعدة، فمحافظ نابلس حمّل الاحتلال مسؤولية ضعف السلطة نتيجة الاقتحامات والاعتقالات والاغتيالات المتكررة التي ينفذها جيش الاحتلال في المدن الفلسطينية، وتؤدي ممارسات الاحتلال هذه بدورها إلى زيادة التصعيد والمواجهة بين المقاومين الفلسطينيين، وهو ما لاحظه كل من “أودي ديكيل” و”أوريت برلوف” في ورقة سياسات صادة عن معهد دراسات الأمن القومي “الإسرائيلي”.
بالإضافة إلى ذلك، فالسلطة الفلسطينية تمّر بأزمة مالية يتضمنها أزمة في المرتبات والأجور، عدا عن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الضفة الغربية بشكل عام، وتعدّ “إسرائيل” المسبب الأساسي لهذه الأزمة كما عبّر عن ذلك وزير الشؤون المدنية الفلسطيني حسين الشيخ في معرض رده على اتهامات رئيس الأركان “الإسرائيلي” “أفيف كوخافي” لأجهزة السلطة الأمنية بالضعف والتقاعس عن دوردها، حيث قال: ” إسرائيل تخنقنا اقتصاديًا ثم تبدأ بالشكوى”، ف”إسرائيل” تستمر في سرقة أموال المقاصة تحت حجج متعددة، كان آخرها مصادقة وزير دفاع الاحتلال “بني غانتس” على خصم مبلغ 10 ملايين شيكل “إسرائيلي” من أموال المقاصة كردّ على دفع السلطة لرواتب عائلات الأسرى والشهداء.
يضاف إلى ما سبق، ضعف وتشتت حركة فتح، الذي بدا واضحا إبان ترشّح القوائم لانتخابات المجلس التشريعي المؤجلة عام 2021، وخلال انتخابات البلديات في آذار المنصرم، وذلك في ظل التنافس على خلافة الرئيس محمود عباس بين عدد من أقطاب السلطة الفلسطينية وحركة فتح، هي عوامل أسهمت في ضعف سيطرة السلطة الفلسطينية على الأرض، وما يحدث الآن ليس سوى مقدمة بسيطة لما سيحدث في اليوم التالي للرئيس عباس كما يرى “أودي ديكيل وأوريت برلوف“.
من ناحية أخرى، فانسداد الأفق السياسي، واستشراس الاستيطان والمستوطنين، ومحاولات “إسرائيل” تهميش السلطة الفلسطينية عبر اتفاقيات التطبيع، وبعض المبادرات مثل السماح للفلسطينيين بالسفر عبر طريق مطار ريمون “الإسرائيلي” وغير ذلك، كلها عوامل أسهمت في ضعف السلطة الفلسطينية.
- الجيل الجديد: يكثر في التحليلات استخدام مصلحات “الجيل الجديد” و”الفلسطيني الجديد”، وأن هذا الجيل الصغير عمريًا لم يعاصر الانتفاضتين الأولى والثانية، وليست العبرة في معاصرة هذا الجيل للانتفاضات السابقة، فجيل الانتفاضة الأولى لم يعاصر النكبة عام 1948 ولا النكسة عام 1967 على سبيل المثال، ولكنه بكل تأكيد عاصر الاحتلال “الإسرائيلي”، فالعامل الدائم الذي يدفع الشباب الفلسطيني للثورة والتمرد هو وجود الاحتلال وممارساته القمعية اليومية، وهذا ما يجعل الجيل الفلسطيني الصغير في المرحلة الحالية أكثر قابلية للثورة، إذ إنه يعيش في ظل احتلال واستيطان وحواجز وانسداد أفق سياسي، وأزمات اجتماعية واقتصادية يعدّ الاحتلال المتسبب الرئيس بها.
يلاحظ أن هناك مبالغة في حجم تأثير سياسات التسهيلات “الإسرائيلية” على الشعب الفلسطيني، فالتسهيلات إما أن تكون هامشية، أو أن تكون محصورة في فئات معينة، أو أن أثرها لا يشمل جميع الشعب الفلسطيني، فعدد عمال الضفة الغربية في الداخل المحتل يقدّر بين 150 إلى 200 ألف عامل، ومع أن هذا العدد كبير إلا أنه لا يمثل سوى أقل من ربع القوى العاملة في الضفة الغربية البالغ عددها 866,800 ألفا، في حين تقارب نسبة البطالة 16% من عدد القوى العاملة، أي أن سياسة التسهيلات “الإسرائيلية” لا تمس كل المجتمع، وهذا ما لاحظه “أدوي ديكيل” و”أوريت برلوف” في تقييمهما لسياسة التسهيلات “الإسرائيلية” اللذان اعتبرا أن سياسة التسهيلات تقدم للنخبة الفلسطينية، أي قيادة السلطة، على شكل تصاريح خاصة وخدمات طبية وغيرها، بينما تستثني وتهمل “الهوامش”، أي القرى والمخيمات التي تعد بؤر للمقاومة، ولذلك فإن الحديث “الإسرائيلي” عن السلام الاقتصادي ومواجهة التصعيد بالتسهيلات هي أمور غير واقعية حتى اللحظة.
- الإرث النضالي وتكوّن الرموز: يمتاز مخيم جنين، والبلدة القديمة في نابلس أيضا، بإرث نضالي متجذّر، خاصة خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية 2000، وقد عززت الحالة النضالية المتراكمة منذ معركة سيف القدس وما تبعها مع عملية نفق جلبوع روح المقاومة في الشارع الفلسطيني، إلا أن تكّون رموز للمقاومة في مخيم جنين مثل المطارد ثم الشهيد جميل العموري، وفي نابلس مثل المطارد ثم الشهيد إبراهيم النابلسي كان له دور مهم في خلق الحالة النضالية في جنين ونابلس، حيث حلت هذه الرموز والشبان الملتفون حولها محل التنظيمات الفلسطينية في مقاومة الاحتلال، والواقع أن تراجع دور التنظيمات الفلسطينية جاء نتيجة عملية التفكيك التي مورست ضدها منذ عام 2007، بالشراكة بين الاحتلال “الإسرائيلي” والسلطة الفلسطينية، وخاصة ضد حركة حماس وبناها في الضفة الغربية.
وفي حين انشغل الاحتلال بملاحقة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، فإنه غض الطرف عن انتشار السلاح في المخيمات ولدى العشائر والعائلات، الذي يعود معظمهم لعناصر تابعين لحركة فتح، ولكنه يتفاجأ اليوم بانخراط عناصر حركة فتح وعناصر من الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية في المواجهات والمقاومة إلى جانب رجال المقاومة الفلسطينية، وقد كانت سياسة الاحتلال قائمة على افتراض خاطئ بأن الإشكالية تكمن في حركتي حماس والجهاد الإسلامي فقط، أمّا بقية الشعب الفلسطيني، لا سيما حركة فتح، فلا يحملون أفكار وتوجهات المقاومة.
وقد ساهم انضمام عناصر حركة فتح إلى المقاومة، الذين لم تكن السلطة الفلسطينية تلاحقهم وكانت تغض الطرف عن السلاح المنتشر بينهم، في تطور المقاومة وتحولها إلى كتائب شبه منظمة، ومن ناحية أخرى فإن تحول المخيم والبلدة القديمة إلى قواعد ارتكاز ساهم في تكوّن الرموز الذين كانوا قادرين على التحرك في محيطهم والاحتكاك بالسكان والإعلان عن أنفسهم أمام الملأ، على عكس المناطق الأخرى التي يضطر المقاومون فيها للتخفي والغياب عن الأنظار وممارسة عملهم بسرية تامة لا تسهم في استقطاب نشطاء آخرين للانضمام إلى المقاومة، في ظل غياب التنظيمات الفلسطينية عن المشهد.
في المحصلة، إن فرص امتداد نموذجي جنين ونابلس إلى بقية المدن ممكن، ولكن ربما بشكل مختلف، فقد شهدت عدة مدن ومناطق في الضفة الغربية عددًا من العمليات وإطلاق النار على جنود الاحتلال وحواجزه، مثل الأغوار، وسلواد، والخليل، وبيتونيا وغيرها، ولكن هذه العمليات ليس من السهل أن تتحول إلى عمل شبه منظم في الفترة الحالية لغياب قواعد الارتكاز، المهمة لتشكيل الحواضن الشعبية للمقاومة، وعدم تكوّن الرموز النضالية بعد في هذه المناطق، ولاختلاف السياق الجغرافي أيضًا.
دلالات الأحداث:
- الضغط على السلطة الفلسطينية من قبل الاحتلال:
أمام هذه الحالة النضالية المتصاعدة، التي يخشى الاحتلال من توسع رقعتها الجغرافية بمختلف الأشكال، وفي ظل عجز استراتيجيات جيش الاحتلال الحالية في مواجهة هذه الحالة النضالية، بل ومساهمة اعتقالات واقتحامات الاحتلال في تصاعدها، فإنه مارس ضغوطًا في الفترة الأخيرة على السلطة الفلسطينية لأخذ دورها في مواجهة هذه المقاومة الفلسطينية، فقد صدرت عن العديد من المسؤولين “الإسرائيليين” دعوات ومطالبات للسلطة الفلسطينية بدفع الأجهزة الأمنية الفلسطينية لاعتقال وملاحقة المقاومين، خاصة في ظل اقتراب موسم الأعياد اليهودية التي تخشى “إسرائيل” من حدوث عمليات خلاله.
كما طالبت “إسرائيل” من ألمانيا، خلال لقاء رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بالمستشار الألماني “أولاف شولتس” في برلين، أن تمارس ضغطًا على السلطة الفلسطينية للقيام بدورها في “محاربة الإرهاب”، كما طلبت منها إيصال رسالة إلى السلطة الفلسطينية بإنها إذا لم تقم بدورها فإن هذا سيدفع الاحتلال لأخذ زمام المبادرة، وهو ما سيضعف السلطة الفلسطينية.
- خشية السلطة الفلسطينية من الانهيار وضعف صورتها أمام المجتمع الدولي:
من ناحية السلطة الفلسطينية، فإنها لا تتمنى وضعًا تزداد فيه ضعفًا وتفقد سيطرتها على الأرض، لأن هذا الوضع يهدد بانهيارها وسيطرة قوى أخرى على الضفة الغربية، كما أن السلطة الفلسطينية لا تريد أن تظهر أمام المجتمع الدولي بأنها غير قادرة على إدارة وضبط سكانها، وأنها قد تخلت عن خيار السلام الذي يؤكد عليه الرئيس عباس دائما، خاصة في الوقت الذي يتوجه فيه الرئيس عباس إلى الأمم المتحدة للمطالبة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ضمن هذه السياقات، صاحب عملية اعتقال مصعب اشتيه المطارد للاحتلال، الذي تعرّض لعدة محاولات اغتيال سابقة ورفيقه عميد طبيلة، احتجاجات عارمة أعقبت الاعتقال، ولم تكن السلطة الفلسطينية تتوقع مواجهتها، وتعززت مع اسشتهاد المواطن فراس يعيش وإصابة عدد من المحتجين، حيث صدرت عن معظم الفصائل الفلسطينية بيانات إدانة ودعوات للإفراج عن المعتقليَن، كما صدرت بيانات عن كتيبة جنين ومجموعة عرين الأسود تطالب السلطة بالإفراج عنهما، وتبع ذلك مواجهات مسلحة بين المقاومين وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية في كل من نابلس وجنين.
أتت حادثة اعتقال المطارد مصعب اشتية في ظل عدد من المعطيات التي كانت تأزّم العلاقة بين السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، فحادثة الاعتقال جاءت بعد أسابيع من إقدام الاحتلال على اغتيال الشهيد إبراهيم النابلسي، التي أثارت غضب الشارع الفلسطيني، وسط توجيه اتهامات للسلطة الفلسطينية بالتقاعس عن حماية الشعب الفلسطيني من اعتداءات الاحتلال المتكررة.
من ناحية أخرى، فقد جاءت الحادثة في ظل أزمة الرواتب التي تعاني منها السلطة الفلسطينية، التي جعلتها تصرف لموظفيها 80% من قيمة الراتب فقط، في ظل توقعات بازدياد الأمر سوءًا في الأشهر القادمة، ما يزيد من حدة الغضب الشعبي. وإلى ذلك، فالسلطة تدرك أن هناك تراجعًا لشعبيتها في الساحة الفلسطينية، كما عبّر عن ذلك محافظ نابلس إبراهيم رمضان، في ظل تراجع القضية الفلسطينية وانسداد الأفق السياسي وتفاقم آثار الاحتلال والاستيطان، والخلافات داخل حركة فتح، ولذلك فإن حجم الرد الشعبي على حادثة اعتقال اشتية كانت محتملة في ظل هذه الظروف، خاصة وأن هناك حالة مماثلة شهدت مواجهة بين المسلحين والسلطة الفلسطينية في جنين على خلفية اعتقال السلطة الفلسطينية لابن الأسير زكريا الزبيدي.
الخاتمة:
تمكنت القوى والفعاليات الوطنية من التوصل إلى تفاهمات مع الأجهزة الأمنية لوقف الاحتجاجات الشعبية، التي كانت آخذة في التوسع إلى مناطق أخرى مثل مخيمي الأمعري وقلنديا في رام الله وغيرهما، إلا أن هذه الحادثة، التي لم تنتهِ تبعاتها بعد، قد أظهرت أن هناك شرخًا متزايدًا بين الشعب الفلسطيني وسلطته، وأن هناك احتمالات لمواجهات جديدة، وربما أعنف، إذا استمرت السلطة في سياساتها تجاه المقاومة.
إن السلطة الآن بين فكّي كماشة، فالانصياع للضغوط “الإسرائيلية” سيجعلها في مواجهة مباشرة مع شعبها، كما أن عدم الانصياع لهذه الضغوط سيزيد من الضغط “الإسرائيلي”، خاصة المالي عليها، وسيؤدي إلى إضعافها أكثر وأكثر، وعلى الحالتين فالسلطة الفلسطينية تواجه مأزقًا تحتاج في ظله إلى تقييم الأوضاع وتحديد استراتيجياتها وسياساتها المستقبلية، في ظل أن عناصر حركة فتح وعناصر من الأجهزة الأمنية باتوا منخرطين ويشكلون عصبًا مهمًا في المقاومة في الضفة الغربية، ما سيخلق شرخًا بين قيادة السلطة وقواعدها من حركة فتح.
كما أظهرت هذه الحادثة أن المقاومة قد أصبحت متجذرة في الشارع الفلسطيني، وهي غير مقتصرة على مجموعات المسلحين، فمشاهد المواجهات الغاضبة، ومشاهد جنازات الشهداء التي يشارك فيها الآلاف، والتفاف الناس حول المقاومين هي أمور تشير إلى بداية تشكّل الحواضن الشعبية للمقاومة التي ستعمل بدورها على تسهيل وتوسيع عمل المقاومين، ومن ناحية أخرى، فإن انتشار تأييد المقاومة في الشارع الفلسطيني، يشير إلى إمكانية انتشارها وتوسعها في بقية الضفة الغربية، بأشكال مختلفة في ظل توفر الكثير من العوامل التي تنتج المقاومة، وتزيد الإيمان بها في الشارع الفلسطيني، وعليه، فإن الحلول الأمنية، سواء من الاحتلال أو السلطة الفلسطينية، لظاهرة المقاومة المتنامية ستغدو صعبة المنال. وأنه لا بد من تقديم حلول سياسية للشعب الفلسطيني كاستجابة للمقاومة المتصاعدة في الضفة الغربية، وقد تنبه لهذا الأمر عدد من المحللين السياسيين “الإسرائيليين” الذين ينادون بحل سياسي، وليس أمني أو اقتصادي للقضية الفلسطينية.
[1] – باحث في مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، رام الله
[2] حرب الغوار أو حرب العصابات أو حرب الغوريلا، هي شكل من أشكال القتال بين مجموعات مسلحة وقوات نظامية، وهي أسلوب عسكري يلجأ إليه الطرف الأضعف للتغلب على خصم قوي عندما يجد أن المواجهة النظامية ليست في مصلحته. وقد تقوم بها مجموعات محلية ضدَّ محتل أجنبي.
للمزيد حول الموضوع يظر كتاب “مبادئ حرب الغوار”، أرنستو تشي غيفارا، https://2u.pw/Txp1t