أحداث الضفة.. هل تدفع المواجهة الساخنة نحو “انتفاضة جديدة”؟
لتحميل الورقة اضغط هنا
في 29 آذار/ مارس 2022، شكلت عملية إطلاق النار، التي نفذها الشهيد ضياء حمارشة من مدينة جنين، في منطقة “بيني براك” داخل مدينة تل أبيب، نقطة ارتكاز تؤرخ لتحول واضح في مفهوم عمليات المقاومة المسلحة ضد الأهداف الإسرائيلية. ثم تأتي عملية رعد حازم من جنين أيضا، في شارع “ديزنكوف” في 7 نيسان/ إبريل 2022، لتضفي تأكيدًا على هذا التحول.
طبيعة العمليتين؛ من حيث النتائج وموقع التنفيذ وآليته، جعلت “إسرائيل” تدرك أنهما، أي العمليتين، قد تصبحان نموذجًا للمحاكاة من قبل مقاومين آخرين، وهو ما يعني كسر معادلة سعى الاحتلال لتثبيتها منذ ما يزيد عن 20 عامًا، عقب اجتياحه للضفة الغربية خلال انتفاضة الأقصى، والذي سماه الاحتلال “عملية السور الواقي”، حيث عمد الاحتلال إلى تفكيك البنية التحتية للمقاومة المسلحة بالضفة، ومنع صعود أي نماذج يمكن أن تشكل نواة جديدة لها.
تحاول هذه الورقة التي يصدرها مركز رؤية للتنمية السياسية في اسطنبول، قراءة العديد من المعطيات، وتقديم تقدير لتطوراتها المتتابعة، انطلاقاً من مجموعة تساؤلات يجيب عليها خبراء وأكاديميون[1]. تنطلق هذه التساؤلات من طبيعة الأسباب والعوامل الكامنة المسببة لأي انتفاضة في الضفة الغربية. فمثلا: إلى أي مدى يمكن أن تتحول ظاهرة العمليات الفردية إلى عمل منظم؟ وما مدى انتشارها لتشمل أنحاء الضفة الغربية؟ وما مدى تفاعل الحاضنة الشعبية الفلسطينية مع الأحداث الجارية؟ وما هي فرص استمرارها في الضفة دون أن تتحول إلى مواجهة عسكرية مع غزة؟ وهل يمكن أن تمتد إلى الأراضي المحتلة عام 48؟ وكيف يمكن أن يتعاطى الاحتلال معها في حال استمرارها؟ وكيف ستتعامل السلطة الفلسطينية مع هذه الحالة في حال تطورها؟
الدوافع الأساسية للتصعيد الأخير
هناك دوافع كامنة أسست حالة المواجهة وساهمت في إشعالها، ويمكن تقسيمها ضمن محورين:
الأول: دوافع أساسية قائمة تتمثل فيما يلي:
- وجود الاحتلال، حيث إنّه من الطبيعي أن تبقى هناك حالة وطنية رافضة له، وإن تراجعت هذه الحالة نتاج عوامل مرحلية، إلا أن أساسها يبقى قائمًا لوجود الاحتلال كمسبب أساس.
- انسداد الأفق السياسي، حيث إنّه من الواضح أن القضية الفلسطينية تمر منذ سنوات بحالة انغلاق في أفقها السياسي، من شأنه أن يولد حالة تململ ورفض شعبي.
- السلوك الإسرائيلي على الأرض من خلال الاقتحامات والاعتقالات والجرائم والإعدامات، وفي ذات الوقت إطلاق اليد للمستوطنين في العربدة ومصادرة الأراضي، يمثل سلوكًا استفزازيًا يولد ردة فعل رافضة له بأشكال متعددة.
- الجيل الذي يقود مرحلة المقاومة حاليًا هو جيل شاب ولد بعد أوسلو، وشب وترعرع خلال سنوات متقلبة، من انتفاضة إلى انقسام، ثم ويلات حروب متتالية على غزة، مقابل نظام سياسي رسمي غارق بالفشل، إلى أن وصل هذا الجيل إلى قناعة راسخة بأنه لا سبيل للكرامة والحرية إلا بمقاومة المحتل.
- تحويل الصراع من عربي إسرائيلي إلى تحالف من خلال اتفاقيات التطبيع، وترك الشعب الفلسطيني يواجه مصيره وحده.
- تعطل المسيرة الديمقراطية الفلسطينية، وحالة التهميش لفئات المجتمع المختلفة، وغياب مفهوم المشاركة السياسية، إضافة إلى عدم وجود قيادة فلسطينية موحدة تقود النضال الفلسطيني، وضعف القيادات الحالية.
الثاني: دوافع أساسية مرحلية تتمثل فيما يلي:
- تقاطع المناسبات الدينية والوطنية الفلسطينية مع مناسبات دينية لدى الاحتلال، يجعلها، عند مرحلة معينة، تنفجر.
- حالة النشاط التنظيمي، فبالرغم من أن العمليات فردية، إلا أن هناك محاولات من قبل الفصائل الفلسطينية، لاستنهاض المقاومة في شمال الضفة الغربية، مما يؤدي إلى تصعيد حوافزها ودوافعها.
- تقاطع الأوضاع بالضفة مع شرارة الداخل المحتل عام 48، وبالتحديد ممارسات الاحتلال في النقب، وعمليات الاقتلاع والهجمات عليه.
- نجاح عملية مقاومة واحدة يشكل حافزًا وموجة لعمليات أخرى، وهذا ما حدث في أعقاب العملية التي نفذها أبو القيعان في بئر السبع في 22 آذار/ مارس 2022.
- عودة الاحتلال لعمليات التصفية المباشرة، وفي وضح النهار، كما حدث في عملية اغتيال الشبان الثلاثة في مدينة نابلس يوم 8 شباط/ فبراير 2022، وعملية اغتيال المقاوِمين في مخيم جنين، أخذت منحى يوميًا في عملية التصاعد وبالتالي التصعيد.
- أحداث الشيخ جراح وعملية سيف القدس العام الماضي، كانت عاملًا ملهِمًا للشعب الفلسطيني، حيث أكدت له أن هناك مقاومة تسنده، مما ساهم في زيادة جرأته وإقدامه.
- ظهور ما بات يُعرف بـ “كتيبة جنين”، وهي محاكاة لغرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة بغزة، ولما كان قائمًا في انتفاضة الأقصى، وقد ارتبطت رمزية هذه التسمية بعملية اجتياح الاحتلال لمدن الضفة الغربية عام 2002.
- سياسة “الهدوء مقابل التسهيلات وأموال المقاصة وإدخال المواد الأساسية”، أحدثت حالة من الامتهان للكرامة لدى الأجيال الشابة، التي تطمح للحرية والكرامة.
- تردي الظروف الاقتصادية في ظل ظهور طبقة برجوازية ثريت على حساب الوطن، ووجود حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي، وبالتالي غياب العدالة الاجتماعية، دفع لفقدان ثقة المواطنين، وخصوصًا الشباب، بأي حديث عن أفق سياسي مقبل.
- هناك حالة تخص مخيم جنين، فقد تعرض لاقتحامات إسرائيلية عديدة ومتزامنة مع حملات الاعتقال التي مارستها أجهزة السلطة بحق المقاومين هناك، مما ولّد نوعًا من التمرد المضاعَف، وشجع على الانخراط بالعمل المقاوم والمسيرات و الاحتجاجات.
التحول من الفردي إلى التنظيمي
يلاحظ أن عمليات المقاومة بالضفة ما زالت ضمن الطابع الفردي، الأمر الذي يطرح سؤالًا حول الانتقال إلى مفهوم العمل التنظيمي خلال المرحلة المقبلة، وهذا ينطلق من عدة اعتبارات:
- تظهر العمليات الأخيرة التي نفذت في الداخل المحتل انطلاقا من الضفة الغربية، من حيث الأسلوب والطريقة، كأنه عمل فردي أكثر تنظيمًا، ويتعاون فيه أكثر من شخص، بمعنى أنه ليس ضمن بنية هرمية تنظيمية، وإنما ضمن دافع ذاتي في الأساس، لكنه ليس عفويًا، وإنما أصبح عملًا مخططًا له ضمن تعاون بين أكثر من شخص.
- سيبقى الطابع الفردي في الوقت الحالي وفي المستقبل، وذلك بسبب التفوق التكنولوجي للاحتلال، ووجود اختراق من قبل أجهزة السلطة والاحتلال، للأذرع العسكرية الفصائلية، مما يجعل من العمل المقاوم المنظم أمرًا صعبًا، ولكن مراكمة العمل الفردي، قد تؤدي إلى نشوء العمل المنظم في الفترة المقبلة.
- هذا يعني أن تبقى العمليات في المرحلة الحالية ذات طابع فردي، إلا في حالات الدفاع عن النفس مثل التصدي للاقتحامات.
- يمكن أن نطلق على هذا النمط “خلايا فردية”، وهو تطور جديد لكنه طبيعي، إذ إنه بعد سلسلة عمليات الدهس والطعن على مدار سنتين، من المؤكد أن هذا النمط سيصبح قائمًا.
- هناك من يرى أنه من الصعب أن تتحول العمليات الفردية إلى عمل منظم، وذلك لأن حركة فتح غير معنية بالتصعيد، وحركة حماس ليس لها تنظيم في الضفة.
- لا يمكن التقليل من أهمية “العمليات الفردية”، فهي ذات تأثير على الاحتلال، وقد تصبح نتائجها في مرحلة ما، مضاعَفة ومرهِقة لأمنه، فهو يدرك أنه من الصعوبة القضاء على هذا النوع من العلميات.
- ليس بالضرورة أن العمليات الفردية غير منظمة، بمعنى أنها قد تكون فردية التنفيذ، لكنها تنسجم مع التنظيم الذي ينتمي إليه المنفذ، وذلك بسبب الظروف الحالية التي تتطلب العمل بهذه الطريقة.
- هذه العمليات هي استنساخ لانتفاضة السكاكين، مع تطور طبيعي في استخدام الأدوات القتالية من السكين إلى السلاح، وتغير في أماكن الهجوم من الضفة إلى الداخل، وهو ما يشكل كارثة حقيقية للاحتلال.
- يحاول الاحتلال ألا تنتقل هذه العمليات إلى باقي مناطق الضفة، إلا أن ذلك مرهون بردة فعل الاحتلال من حيث التصعيد، فالتصعيد غالبًا سيقابله تصعيد، وانتقال الأمر إلى المناطق كافة، بما فيها الداخل المحتل.
- تتجه المؤشرات نحو مزيد من المقاومة الفردية والجماعية والهبات الشعبية، والأمر مرهون بطبيعة السلوك الإسرائيلي، خاصة فيما يتعلق بالأقصى، فإذا قام المستوطنون بذبح القربان في الأقصى، فستكون شرارة الانطلاقة الساخنة، وربما تعم كل فلسطين.
- يبدو أن قابلية الانتظام واردة، وبشكل كبير، إذ أصبحت جنين نموذجًا تتطلع إليه باقي المناطق، خاصة أن الاحتلال يستهدف كل المناطق بالضفة، لكن من المبكر الحديث عن قيادة موحدة، وإن كان هناك ضرورة سياسية وميدانية لوجودها.
- تشير سطوة السلطة وتحييد حركة فتح، إلى أن بيئة الضفة لا تسمح بتحوّل النضال الفردي إلى جماعي منظم، إلا إذا أقدم الاحتلال على فعل عدواني يستفزّ مشاعر الجمهور الفلسطيني، بحيث يصبح من المتعذّر على حركة فتح عدم الانخراط في المواجهة.
موقف السلطة وخياراتها
يستعرض هذا المحور احتمالات تعامل السلطة مع الأحداث في حال استمراريتها، وهنا يمكن الإشارة إلى عدة خيارات:
- موقف السلطة صعب، فقد كان بإمكانها أن تقترب من هذه الحالة وأن تستثمرها، لكنها تبتعد عنها وتنفر منها، وذلك بسبب ارتهانها للاشتراطات و”التسهيلات” التي يعد بها الاحتلال، رغم عدم وجود أي عملية سياسية.
- لن تستطيع السلطة مواجهة هذه العمليات في العلن، لكن من الممكن، وبعد هدوء الوضع، وتحت ذرائع معينة مثل محاربة انتشار السلاح، أن تحاول الحد منها، أو تنفذ حملة اعتقالات ضد نشطاء المقاومة.
- لن تنخرط السلطة الفلسطينية في هذه الحالة، ولن تكون جزءًا منها، وفي حال تطورت الأوضاع، فإن الأجهزة الأمنية ستقف موقف المحايد والمراقب، وستحاول أن تضبط الأمور حتى لا تخرج عن سيطرتها.
- إذا تصاعدت الأوضاع في الضفة في مرحلة معينة، فإن الاحتلال قد يتعامل بطريقة مختلفة عن السابق، وقد يتخلى عن الاعتماد على أجهزة الأمن الفلسطينية.
- السلطة الفلسطينية أمام خيارين؛ إما الذهاب باتجاه المقاومة “الدعائية”، وبالتالي توهم الشعب الفلسطيني بأنها ستدعم المقاومة، وذلك بهدف امتصاص غضب الشارع الفلسطيني، وإما أن يقوم الاحتلال بتهدئة الوضع مقابل توكيل الأمر لأجهزة السلطة وأذرعها لاحتواء أي تصعيد.
- ستبذل السلطة قصارى جهدها لمنع تمدد المواجهة، وذلك من خلال استراتيجية الامتصاص والتقييد، الامتصاص من خلال السماح بفعاليات وطنية محدودة بقيادة حركة فتح، كالمسيرات وغيرها؛ لتفريغ غضب الشارع، والتقييد من خلال خلق قضايا معيشية لإشغال الشارع وتقييده بها.
- في حال تطور الوضع في الضفة مستقبلًا، فإن هذا الأمر قد يحرك أفرادًا داخل قوى الأمن الفلسطيني للانخراط في المواجهة الشاملة، كما حدث في هبة النفق عام 1996، وفي الانتفاضة الثانية عام 2000.
- في ظل فشل كل مساعي ما يسمى بعملية السلام، وتنصل الاحتلال من أدنى المسؤوليات والالتزامات، فإن الفرصة ما زالت قائمة أمام القيادة الفلسطينية للذهاب باتجاه تعزيز الوحدة الوطنية، وإعادة بناء المنظمة، والانحياز لخيار الشعب.
الحاضنة الشعبية
لا شك أن هناك تطورًا فيما يتعلق بعودة حضور الحاضنة الشعبية بالضفة، ويمكن أن يتم ملامسة ذلك من خلال ما يلي:
- الالتفاف الشعبي حول خيار المقاومة يبرز وينضج في هذه المرحلة، من خلال الدعوات للتضامن مع جنين، وإنعاش اقتصادها ضد الحصار الذي يحاول الاحتلال فرضه عليها، وكذلك دعم المقاومة على وسائل التواصل الاجتماعي.
- لم ترتقِ الحاضنة بعد إلى مستوى حراك حقيقي وجدّي، فهي لم تتجاوز المسيرات وحالات التضامن، والتعبير عن التأييد والإسناد، وبالتالي قد لا نشهد مواجهة مباشرة مع الاحتلال على شكل انتفاضة شاملة، ومقاومة شعبية بكل منحنياتها.
- وحتى حركة فتح، لا زالت مرتبكة ولم تحدد موقفا منحازًا إلى كتائب شهداء الأقصى في جنين وشمال الضفة، مما قد ينعكس على امتداد الزخم الشعبي.
- إذا تم الوصول إلى وحدة وطنية وتنسيق بين القوى الفلسطينية الفاعلة، عندها يمكن القول إننا استطعنا استعادة الحاضنة الشعبية بشكل شامل وقوي لاحتضان المقاومة.
- رغم كل الإشكاليات، إلا أن شعور الشارع الفلسطيني بالضغط والإهانة بسبب ممارسات الاحتلال، قد يدفع باتجاه حالة تعبئة شاملة، لذا فإن الفلسطيني اليوم مستعد للمشاركة في أعمال المقاومة، ولم يعد لديه ما يخسره.
- أنهت معركة سيف القدس وأحداث الشيخ جراح مفهوم الفلسطيني الجديد، الذي حاول الاحتلال الإسرائيلي، من خلال المال الأمريكي والأوروبي، بناءه، لذلك أعادت فعاليات المقاومة بناء الإنسان الفلسطيني صاحب الانتماء، وأعادت له وعيه الوطني، ومنحته روحًا معنوية عالية، من خلال التحام الكل الفلسطيني في غزة والضفة والقدس والأراضي المحتلة عام 48 والشتات.
- يبدو التعاطف الجماهيري والشعبي جليًا وواضحًا في أكثر من مناسبة وطريقة، إلا أن ذلك قد لا يظهر بشكل علني أو مكشوف، حتى لا يتحمل المواطنون تبعات ذلك على المستوى الفردي، من الملاحقة والاعتقال ووقف مصدر الدخل، ولكن في حال تطور الأمر لمواجهة أكثر اتساعًا، فإن الحاضنة الشعبية ستفاجئ الجميع بمدى إسنادها ودعمها.
فرص الاستمرارية
استمرارًا لما سبق، هناك عدة مؤشرات تعزز الذهاب باتجاهات عديدة في هذه المرحلة من المواجهة، وهي تنطلق مما يلي:
أولا: ممارسات الاحتلال
- حكومة الاحتلال الضعيفة، وقلة خبرة رئيسها “بينت”، يجعلها من الناحية السياسية غير قادرة على اتخاذ خطوات تساعدها في احتواء الموقف، كالتوجه لتحسين العلاقة مع السلطة الفلسطينية ودعمها، أو طلب المساعدة من الإدارة الأمريكية لاحتواء الموقف، مما قد يدفعها لارتكاب خطوات غير محسوبة، ومن شأنها تعزيز استمرارية المواجهة.
- اعتماد الاحتلال على خيار القوة والخيار العسكري فقط، قد يولد ردة فعل وتحديًا يجعل من التطورات الميدانية أكثر سرعة، وبالتالي سيكون احتمال الانفلات والاستمرارية واردًا.
- سلوك الاحتلال وممارساته على الأرض، يُبقي احتمالات الاستمرارية واردة، لا سيما في حال استمرار عمليات القتل المباشر، أو السلوك الاستفزازي من قبل المستوطنين.
ثانيا: انخراط قطاع غزة
- لا شك أن ارتكاب جرائم متسارعة على الأرض من قبل الاحتلال، أو المستوطنين، وكذلك المس بالمشاعر فيما يتعلق بالمسجد الأقصى، قد يعزز انزلاق الأحداث، مما يستدعي تدخلًا من قوى المقاومة بغزة.
- لن تذهب فصائل المقاومة في غزة إلى الانخراط في المواجهة بشكل سريع، فهي ترسل رسائل للاحتلال، وحتى تعزز المعادلة التي وضعتها في أعقاب معركة سيف القدس، إلا أن هذا الأمر يبقى مرهونًا بالتطورات الميدانية.
- ليس من السهل الذهاب إلى قرار انخراط قطاع غزة بالمواجهة، إذ إن تطورات الأزمة هي التي تقود الأطراف إلى ساحات لم تكن في الحسبان. وفي ضوء محاولات اليهود إقامة شعائر وذبح قرابين في الأقصى خلال عيد الفصح اليهودي، فإن الحرب ستكون واردة.
- رغم وجود كل المقومات السياسية والاقتصادية والاحتلالية على الأرض، والتي تدفع غزة نحو مواجهة عسكرية، إلا أن انشغال المجتمع الدولي بالحرب الروسية الأوكرانية، قد يحول دون الذهاب بهذا الاتجاه.
- أصبحت المقاومة في غزة بمثابة حالة إسنادية لبرنامج المقاومة بشموليته، وبالتالي فإنها إذا لم تتدخل لإسناد مقاومة الضفة، فإن ذلك قد يعطي الاحتلال مبررًا للاستفراد بالفلسطينيين بالضفة، ومحاولة إجهاض حالة النهوض التي تمر بها.
- قد لا تكون فصائل المقاومة بغزة معنية بفتح جبهة أخرى، انطلاقًا من أن الفرصة الحالية التي يمكن أن تعزز مفهوم النضال بالضفة.
ثالثا: انخراط فلسطينيي 48
- يشكل الرابط العضوي والوطني بين أبناء الشعب الفلسطيني، وحالة التجييش والتحريض على الوسط العربي في الداخل، وانتشار السلاح الفردي في الوسط العربي، عاملًا مهمًا في احتمال تفجر الأوضاع في الداخل.
- أكدت أحداث الشيخ جراح العام الماضي، إمكانية دخول فلسطينيي الداخل على خط المواجهة، كما أن انطلاق بعض عمليات المقاومة من فلسطيني الداخل، قد يسهل انخراطهم أكبر في أي مواجهة مقبلة.
- قد لا تمتد مشاركة فلسطينيي الداخل إلى درجة العمل المسلح؛ بسبب العديد من الاعتبارات، ولكن على صعيد الدفاع عن المسجد الأقصى، ستكون هذه المشاركة فاعلة.
الخلاصة
يحاول الاحتلال الإسرائيلي أن يعتمد مقاربة أمنية وميدانية في تعامله مع تطورات المواجهة بالضفة الغربية، وهو يدرك في ذات الوقت أنه لا يستطيع أن يشن حربًا شاملة، ولهذا فإنه قد يحاول تحقيق أهداف مرحلية دون الانزلاق إلى فتح جبهة مواجهة مع فصائل المقاومة في قطاع غزة، أو استثارة فلسطينيي الداخل المحتل، ولكنه في ذات الوقت يسعى لاحتواء الوضع من خلال الإجراءات التي يتخذها، وسياسة الخنق والاعتقالات وغيرها.
من الناحية التكتيكية، يمكن أن يمنع الاحتلال أي تصعيد لا يمكن السيطرة عليه، ولكن على المدى البعيد لا يمكن أن يشكل حلًا، فحوافز استمرارية الانتفاضة، وتطورها وديموتها، لا تنتهي بسهولة، والحكومة الإسرائيلية الحالية غير جاهزة لتقديم أي أفق يمكن أن يحد من مسببات التصعيد، لذلك يمكن القول إن مفهوم الحالة النضالية وممارستها، ستبقى مستمرة، حتى لو هدأت هذه الموجة يومًا ما.
كما يمكن القول إن الاحتلال أمام خيارين صعبين، الأول أنه لا يستطيع أن يتحمل استمرار حالة المقاومة كما حدث في العمليات الأخيرة، لأن ذلك سيشكل حالة من الضعف لدى الكيان نفسه، وقد يفتح المجال أمام تطور العمل المقاوم بأشكاله المختلفة، وهو ما سينعكس على الجبهة الداخلية للاحتلال نفسه. لهذا سيعزز من بعض الإجراءات العقابية والخطوات الميدانية، بهدف إحداث نوع من الردع، أو تفكيك الحالة النضالية المتصاعدة، على أن تبقى هذه الإجراءات منضبطة في جغرافية التنفيذ وشكله، دون السماح بالانزلاق إلى انتفاضة أو مواجهة شاملة. أما الخيار الثاني، فهو اتباع النزوة اليمينية المتطرفة، وارتكاب مزيد من الإجراءات الاستفزازية، التي يمكن أن تفتح المجال أمام مواجهة مستمرة في الضفة والقدس والداخل المحتل وقطاع غزة، مما قد يخلط الأوراق التي قد تكون نتائجها أكبر وأعمق، وضمن أبعاد متعددة لا يمكن حسمها في الوقت الحالي.
[1] – يتقدم مركز رؤية للتنمية السياسية من الأساتذة الباحثين والأكاديميين الذين شاركوا برؤيتهم في التأسيس لهذه الورقة، ونخص بالذكر:
- د. إسلام البياري- أستاذ القانون الدولي، جامعة الاستقلال.
- د. أيمن دراغمة، نائب سابق بالمجلس التشريعي.
- د. بلال الشوبكي، رئيس قسم العلوم السياسية، جامعة الخليل.
- بسام أبو عكر، باحث في الشأن الإسرائيلي والإقليمي.
- د. رائد نعيرات، أستاذ العلوم السياسية، جامعة النجاح الوطنية.
- أ. سامر عنبتاوي، عضو القيادة السياسية للمبادرة الوطنية.
- د. سامر نجم الدين، أستاذ القانون، جامعة الخليل.
- أ.عصمت منصور، باحث في الشأن الإسرائيلي، وعضو سابق في اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
- أ. محمد القيق، إعلامي وناشط سياسي.
- أ. فارس أبو الحسن، محامٍ وناشط حقوقي.
- أ. فازع صوافطة، باحث وناشط سياسي.
- د. نشأت الأقطش، الكاتب وأستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت.