سوريا ما بعد نظام الأسد والقضية الفلسطينية

في ظلّ التطوّرات الكبرى التي تشهدها المنطقة العربية، نظّم ملتقى فلسطين بالتعاون مع مركز رؤية للتنمية السياسية ندوة بعنوان “سوريا ما بعد نظام الأسد والقضية الفلسطينية”. جاءت هذه الندوة في توقيت حساس للغاية، حيث يشهد العالم العربي تحوّلات سياسية وجيوسياسية عميقة، أبرزها الحرب الإسرائيلية على غزة وسقوط نظام بشار الأسد. ناقشت الندوة هذه التغيرات من زوايا مختلفة، مركزةً على الأبعاد السياسية والاجتماعية والإقليمية المرتبطة بسوريا بعد الأسد، وكيفية تأثير هذه التحولات على القضية الفلسطينية. استضافت الندوة مجموعة من الباحثين والأكاديميين الذين قدموا رؤى تحليلية معمّقة حول المشهد الإقليمي الجديد، مع التركيز على الفرص والتحديات التي تواجه الفلسطينيين والسوريين على حد سواء.

افتتح الباحث بمركز رؤية حسن عبيد الجلسة بالتأكيد على أن القضية الفلسطينية لطالما تأثرت بالأحداث الإقليمية الكبرى، مثل نكبة 1948، ونكسة 1967، والانتفاضات المتعاقبة، وصولاً إلى الحروب المتتالية على غزة. وأوضح أن التغيرات الجارية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد تمثّل لحظة مفصلية في تاريخ المنطقة. أشار عبيد إلى أن الديناميكيات التي تلت 7 أكتوبر 2023، والتي أدت إلى تدخلات إقليمية ودولية واسعة النطاق، تتطلب إعادة فهم عميق لمستقبل المنطقة، كما شدّد على أن الفلسطينيين بحاجة إلى قراءة هذه التحوّلات بشكل واقعي؛ لفهم تأثيراتها على نضالهم الوطني.

سقوط نظام الأسد والحرب في غزة كنقاط تحوّل مفصليّة

أكّد الأستاذ الجامعي بجامعة حيفا أسعد غانم في مداخلته أن سقوط نظام الأسد والحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة يمثلان نقطتين تأسيسيتين لمستقبل المنطقة والقضية الفلسطينية؛ وتناول غانم الحرب على غزة باعتبارها حدثًا غير مسبوق في شدّته ووحشيته، مؤكّدًا أنّها تشكل جريمة إبادة جماعية تهدف إلى تدمير الفلسطينيين. أشار إلى أن هذه الحرب غيرت موازين الصراع، حيث أدخلت أطرافًا إقليمية ودولية في المعادلة بشكل أكثر وضوحًا.

أما سقوط نظام الأسد، فقد اعتبره غانم حدثًا تاريخيًا يحمل دلالات مهمة. وأشار إلى أن النظام السوري، الذي لطالما رفع شعارات القومية العربية ودعم القضية الفلسطينية، كان في الواقع يستخدم هذه الشعارات كغطاء لتثبيت سلطته. وأكد أن سقوط هذا النظام يبرز أهمية أن يعتمد الفلسطينيون على أنفسهم، من خلال إصلاح نظامهم السياسي، وبلورة برنامجهم الوطني. كما أضاف أن بناء نظام ديمقراطي حقيقي في سوريا سيكون خطوة إيجابية تدعم النضال الفلسطيني بشكل غير مباشر، من خلال تعزيز قيم الديمقراطية والعدالة في المنطقة.

التحدّيات والفرص أمام الدولة السورية الجديدة

تحدّثت الباحثة في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية صبا عبد اللطيف عن التحوّلات في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، مشيرةً إلى أن هذا الحدث لم يكن متوقعًا حتى من قبل الفاعلين الرئيسين في الساحة الدولية والإقليمية. أوضحت عبد اللطيف أن سقوط الأسد كان نتيجة تفاعل بين عوامل داخلية وخارجية. من بين العوامل الخارجية، ذكرت عبد اللطيف ضعف الدور الإيراني نتيجة استنزاف ميليشياته في لبنان وسوريا، وتراجع الدور الروسي بسبب انشغاله في الحرب في أوكرانيا. كما أشارت إلى التململ العربي من تعنّت النظام السوري، ورفضه التعاون مع الدول المجاورة في قضايا مثل ضبط الحدود، ومعالجة التحدّيات الأمنية.

أمّا على المستوى الداخلي، فقد سلطت الباحثة الضوء على استمرار الثورة السورية منذ عام 2011، ودور المعارضة السورية في استغلال الفرص التي أتاحتها التغيرات الدولية. وأضافت أن التحدي الأكبر أمام الدولة السورية الجديدة يتمثل في إدارة التنوع الداخلي، حيث أكّدت أن الحكومة السورية القادمة يجب أن تكون قادرة على إشراك جميع السوريين في صياغة مستقبل البلاد. وأشارت إلى أن عدم النجاح في إدارة هذا التنوع قد يؤدي إلى عودة الفوضى، أو حتى اندلاع حرب أهلية جديدة.

تأثير التحوّلات الإقليمية على القضية الفلسطينية

في مداخلة أخرى، تناول مدير الأبحاث في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية معن طلاع موضوع تأثير سقوط الأسد على القضية الفلسطينية، مؤكّدًا أنّ هذا الحدث يمثل فرصة لإعادة ترتيب الأولويات الفلسطينية. وأشار إلى أن التغيرات الإقليمية، بما فيها ما بعد 7 أكتوبر/ 2023، فتحت الباب أمام الفلسطينيين لإعادة التفكير في إستراتيجياتهم السياسية والنضالية. وشدد على أن نجاح السوريين في بناء نظام ديمقراطي جديد سيسهم في تعزيز الدعم الإقليمي للقضية الفلسطينية.

أشار طلاع إلى أن نظام بشار الأسد حوّل سوريا إلى ساحة توازنات ومفاوضات إقليمية ودولية، وأداة لتنفيذ أجندات إيرانية، ممّا أدى إلى تغييب دور الدولة السورية كفاعل مستقل. وأوضح أنّ التحولات التي مرّ بها الجيش السوري منذ عام 2013 أظهرت فقدان النظام قدرته على اتخاذ القرار المركزي، وتحوله إلى ميليشيا تديرها قوى خارجية، مثل روسيا وإيران. هذه التحولات أضعفت النظام السوري وأدخلته في حالة تبعية متزايدة لهذه القوى.

أكّد طلاع وجود تقاطعات واضحة بين المشهدين الفلسطيني والسوري، حيث تستخدم الأنظمةُ الاستبداديةُ القضيةَ الفلسطينيةَ أداةً لتحقيق مصالحها. النظام السوري، تحت حكم الأسد، اتبع هذا النهج دون تقديم دعم حقيقي للفلسطينيين. وبيّن أن تغييب القضية العادلة للفلسطينيين مرتبط بتحولات النظام العربي وتبادل التحالفات الإقليمية، مما يستدعي من الفلسطينيين التركيز على بناء حركة وطنية جديدة تعتمد على الذات.

 يرى طلاع أن التحدي الأمني هو الأولوية في سوريا ما بعد الأسد، حيث إن ضمان الاستقرار الأمني يعد شرطًا أساسيًا لتحقيق نقاش وطني شامل، وتأسيس بيئة سياسية واجتماعية مستقرة. كما شدد على ضرورة التخلي عن الذهنية الرغبوية في التعامل مع الواقع، واستغلال الفرص الراهنة، مشيرًا إلى أن الأحداث الكبرى مثل “طوفان الأقصى” قد تؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة في المنطقة، ولكنها تتطلب تنظيمًا واستعدادًا فكريًا من الأطراف الفاعلة لتحقيق هذا التغيير.

الموقف الإسرائيلي من سقوط الأسد

ناقش طالب الدكتوراه في قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة بار إيلان ساهر غزاوي الموقف الإسرائيلي من سقوط نظام الأسد، مشيرًا إلى أن الإعلام الإسرائيلي يضطلع بدور أساسي في تشكيل الرأي العام الإسرائيلي وتوجيهه، لكنه لا يعكس بالضرورة السياسات الرسمية بشكل كامل. وأشار إلى أن الإعلام الإسرائيلي ركز على ربط الأحداث في سوريا بتداعيات ما بعد 7 أكتوبر/2023، مشددًا على فشل التوقعات الإسرائيلية المتعلقة بالأوضاع السورية، بما يشابه فشل توقعاتهم بشأن الهجوم الفلسطيني في السابع من أكتوبر 2023. هذا الفشل يعكس ضعف تقدير الموقف الإسرائيلي في التعامل مع تطورات المنطقة.

تناول غزاوي المخاوف الإسرائيلية من احتمال تحول سوريا إلى دولة فاشلة (ما أطلق عليه “الصوملة”)، وما قد يترتب عليه من انفلات أمني يمتد تأثيره إلى دول الجوار مثل الأردن والعراق وتركيا. كما أشار إلى خشية إسرائيل من صعود جماعات إسلامية متشددة، مثل هيئة تحرير الشام، قد تهدد أمنها المباشر. في هذا السياق، أكد أن إسرائيل تفضل استمرار الصراع بين الأطراف المتنازعة داخل سوريا كوسيلة لضمان عدم استقرار يسمح بتهديد مصالحها.

أشار غزاوي إلى أن إسرائيل تبنت الخيار العسكري وسيلةً لتعزيز موقعها الإستراتيجي في المنطقة، خاصة بعد سقوط نظام الأسد. وقد تمثل ذلك في الضربات الجوية والتوغلات البرية في سوريا، التي تهدف إلى إضعاف الدولة السورية ودفعها نحو مزيد من الفوضى الداخلية. وأكد أن التحركات العسكرية الإسرائيلية تحمل رسائل سياسية واضحة، أبرزها التأكيد على دورها كفاعل رئيس في المنطقة، والاستفادة من الوضع الجديد لتحقيق مكاسب تفاوضية وسياسية مستقبلية.

يمكنكم مشاهدة تسجيل الورشة على اليوتيوب من خلال الرابط التالي: [إضغط هنا].

اظهر المزيد

مركز رؤية للتنمية السياسية

يسعى المركز أن يكون مرجعية مختصة في قضايا التنمية السياسية وصناعة القرار، ومساهماً في تعزيز قيم الديمقراطية والوسطية. 11

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى