مركز رؤية يصدر الكتاب الأول من “سلسلة النخبة الفلسطينية المعاصرة”

المقدمة

في ظل الاهتمام الكبير الذي توليه المؤسسات البحثية والأكاديمية بالقضية الفلسطينية، واستنادا للسياسة البحثية التي اعتمدها مركز رؤية للتنمية السياسية والقائمة على التكامل مع الجهود البحثية المبذولة من تلك المؤسسات، والتركيز على ما نعتقد بأهميته من الملفات الفلسطينية، اجتهد فريق المركز في اختيار مجموعة من الموضوعات والملفات بهدف تكثيف البحث حولها، بغية تعريف القارئ الفلسطيني والعربي بها، من هنا جاء الاهتمام بمتابعة التطورات السياسية التي تحيط بالقضية الفلسطينية وقضايا الاستيطان وجدار الفصل العنصري والشؤون «الإسرائيلية» وغيرها من القضايا ذات الأهمية الخاصة والمتصلة بالقضية، علاوة على ذلك، أولى المركز اهتماما خاصا بالنخب الفلسطينية المعاصرة على اختلاف مكوناتها الفكرية والإيدلوجية والسياسية، وكذلك بمجالات اختصاصها المختلفة؛ السياسية والاجتماعية والاقتصادية، نظرا للدور المميز الذي تلعبه هذه النخب في المشهد الفلسطيني، ولما لها من تأثير كبير على واقع ومستقبل القضية الفلسطينية.

بدأ فريق مختص من المركز أواخر عام 2016 بالعمل في هذا المشروع الطموح، مدفوعا بالرغبة في تقديم جهد أكاديمي مرجعي لجمهور الباحثين المهتمين، وللمؤسسات الأكاديمية المعنية بدراسة النخبة، ولتحفظ للأجيال الفلسطينية القادمة جانبا مهما من سير ومواقف نخبها المختلفة، وتلبي حاجة جمهور القراء والمتابعين للشأن السياسي للتعرف على الشخصيات المنخرطة في الشأن العام، فالفلسطيني ينبغي أن يكون لديه معرفة ولو بالحد الأدنى عن هذه النخبة التي تؤثر في مسار حياته اليومي، بل وفي مستقبله ومصيره في بعض الأحيان، كما أن من حق هذه النخب أن تدون سيرها ولو بالحد الأدنى، وألا يبقى جهدها ودورها طي الكتمان أو مرتبطا بذاكرة عدد محدود ممن عاصروها أو عملوا معها، فالانقطاع المعرفي بين الأجيال ومحدودية معرفتها عن أسلافها، وحصر التاريخ في عدد محدود من القيادات والرموز الوطنية، يمكن المساهمة في جسره عبر هذه السلسلة التي نأمل أن تبلغ غايتها وتصل منتهاها.

مما زاد من الدافعية لإنجاز هذا المشروع ما تتمتع به هذه النخب من خصوصية مرتبطة بخصوصية قضيتها الفلسطينية، كونها تعبر عن مسار طويل نحو التحرر والاستقلال والبحث عن العدالة، فقد كانت سيرة غالبية هذه النخب جزءا من حركة النضال والمقاومة الوطنية في مواجهة مشروع استعماري استيطاني إحلالي يحظى بدعم القوى الدولية المهيمنة على مدى قرن من الزمن، فتقدمت النخب الصفوف في مواجهة مشروع الاحتلال بأبعاده المختلفة، وامتد تأثيرها إلى القطاعات والمسارات المختلفة؛ بدءا بالمسار النضالي والمقاوم، ومرورا بمسارات العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأكاديمي.

ولأن مركز رؤية ومنذ تأسيسه اعتمد المعيار الوطني في التعامل مع كافة القضايا، فقد حرص على تغطية متوازنة لهذا الملف سياسيا وجغرافيا وفكريا، وبذل كل جهد ممكن للوصول إلى النخبة الفلسطينية المعاصرة بصرف النظر عن الانتماء السياسي أو الجغرافي، كما عمل على تغطية كل القطاعات مع تركيزه في عدده الأول على النخبة السياسية والحزبية، لاعتبارات فنية ومهنية، على أن يعمل في المستقبل القريب على الوصول إلى كل من يقع ضمن تصنيف النخبة المعاصرة التي اعتمدها فريقه البحثي، فالأكاديميين والقيادات النقابية والمجتمعية والاقتصاديون المميزون سيحظون بذات الاهتمام الذي حظي به السياسيون وقادة العمل الوطني والحزبي في سلسلة النخبة التي سيتوالى تقديمها تباعا.

منهجية الكتاب

اتبع الكتاب منهجية خاصة قائمة على خطوات متتالية ومترابطة، تبدأ باختيار الشخصية ثم إجراء مقابلة مسجلة معها وجهًا لوجه، ينفذها فريق من الباحثين الميدانيين المدربين، على أن تستند المقابلة إلى قائمة أسئلة مركزية وإلى معرفة أولية بسيرة الشخصية قبل إجراء المقابلة، مع الانفتاح على أية إضافات تسمح بها حيثيات المقابلة أو أحب الشخص المقابَل الإدلاء بها، والاستعداد المسبق لاستيفاء أي نقص عبر أجراء مقابلة ثانية وربما ثالثة، ويصار بعدها إلى تفريغها ومراجعتها والتأكد مما فيها من معلومات عبر مقارنتها بمصادر أخرى معتبرة، ثمَّ يتم تحويل المقابلة إلى نص مكتوب، ثم يخضع النص للتحرير الأكاديمي والتدقيق اللغوي، بحيث تكون المادة بصيغتها النهائية مكثفة وشاملة ومختزلة ومطرَّزة بلغة سلسة.

راعى الكتاب عدة اعتبارات في اختيار الشخصيات منها؛ انخراط الشخصيات في العمل الوطني بأبعاده المختلفة، السياسية والنضالية والمدنية، وامتلاكها تاريخًا وتجارب في هذا المضمار، وكذلك الانتماء السياسي والفصائلي، حيث تنوعت الشخصيات على مختلف الانتماءات السياسية والفصائلية الفاعلة على الساحة السياسية، وتلك التي كان لها تاريخ في العمل السياسي، بالإضافة لشريحة المستقيلين الفاعلين ، وحرص على تغطية مختلف محطات النضال الوطني منذ اندلاع الثورة الفلسطينية المعاصرة، وأولى اهتمامًا بالبعد الجغرافي، فضم في مرحلته الأولى شخصيات توزعت على مختلف محافظات الوطن.

حرص الكتاب على أن يغطي الأبعاد المختلفة للشخصيات المدروسة، فتناول الحالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والكسب السياسي والنضالي، وقَدَّم رؤية الشخصية للنقاط الرئيسة التي تشغل المجتمع ونخبه من قبيل الموقف من ملفات التسوية السياسية والمقاومة والانقسام والمصالحة والرؤية المستقبلية للقضية الفلسطينية.

حاول الكتاب تقديم سيرة أشمل لشخصيات سبق وتم نشر تراجمها في موسوعات أو مواقع إلكترونية تعنى في تدوين السير والتراجم، كما قدَّم لشخصيات سياسية لم يسبق أن نشرت سيرتها من قبل، بل إن منها من لم يحظ بظهور إعلامي من قبل، ما شكل فرصة للجمهور الفلسطيني للتعرف على نخبه الفاعلة وعلى أنشطتها المختلفة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى