ماذا بعد تأجيل قرار الضمّ؟ سياقات ومآلات

لتحميل الملف اضغط هنا 

الكاتب : ساري عرابي 

تمهيد

كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ قد تعهد عدّة مرّات في الآونة الأخيرة، وفي سياقات انتخابية، بضمّ مناطق من الضفّة الغربية، ولاسيما الغور وشمال البحر الميت، لـ “إسرائيل”. وبالرغم من الاتفاق الإسرائيلي، على ضرورة الهيمنة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية على الضفّة، فإنّ حيثيّات مشروع نتنياهو، وأبعاده وغاياته، لم تكن محلّ اتفاق إسرائيلي، وإن كانت الحكومة الائتلافية بينه وبين خصمه الرئيس بني غنتس، قد أشّرت على إمكان إنفاذ مشروع الضمّ، الذي لم تتّضح معالمه الجغرافية والديمغرافية تمامًا، بيد أنّ الموعد المحدد لإعلان الضمّ، وهو الأول من تموز/ يوليو 2020 قد دخل مع تأجيل الخطّة، وذلك بعد معارضة فلسطينية وعربية ودولية، ومؤشّرات على أن نتنياهو لم يأخذ الضوء الأخضر الأمريكي بإعلان خطّة الضمّ.

تحاول هذه الورقة أن تٌقدّم تقدير موقف، للجذور الإستراتيجية لخطّة الضمّ الإسرائيلية، وأسبابها وملابساتها الراهنة، وما قد يقف خلف تأجيلها، فضلاً عن السيناريوهات المتوقعة لمستقبلها بعد إعلان تأجيلها، ومآلات الموقف الفلسطيني الداخلي، من حيث سياسات السلطة الفلسطينية، والعلاقات الوطنية الداخلية.

مدخل:

في مطلع أيلول/ سبتمبر 2019 بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الإعلان لجمهور الناخبين الإسرائيليين عن نيته ضمّ الأغوار الفلسطينية ومنطقة شمال بحر الميّت، وجميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفّة الغربية، معلّقًا تنفيذ وعوده بالانتهاء من إجراء الانتخابات المبكّرة للكنيست، فقد أخذت تصريحاته في الظهور قبل أسبوعين من إجراء تلك الانتخابات، مجدّدًا بذلك تصريحات مماثلة كان قد أطلقها في الانتخابيات التي أجريت قبل شهور في نيسان/ أبريل 2020 من العام نفسه، وعلى أيّ حال، فإنّ ضمّ الضفّة الغربية، ظلّ حاضرًا بقوّة في خطاب اليمين الإسرائيلي خارج حتّى السياقات الانتخابية.

لم تأت مجريات السياسة الإسرائيلية الداخلية، على مقاس آمال قيادة السلطة الفلسطينية، فقد تشكل ائتلاف حكومي في “إسرائيل”، بين بنيامين نتنياهو، وبين بني غنتس، زعيم حزب “أزرق أبيض”، الخصم الرئيس في الآونة الأخيرة لبنيامين نتنياهو، متضمّنًا إطار اتفاق بين الطرفين، لضمّ غور الأردن والمستوطنات الإسرائيلية في الضفّة الغربيّة، في الأوّل من تموز/ يوليو الماضي، إلا أنّ الخلافات الصهيونية الداخلية ظلّت قائمة حول مشروع الضمّ، وهو الأمر الذي ظهر لاحقًا حينما تبيّن أن نتنياهو غير قادر على إنفاذ وعده لناخبيه في موعده، فقد صرّح غنتس، الذي صار وزير الدفاع، بأنّه على خطّة الضمّ أن تنتظر، وأنّ الأولوية ينبغي أن تكون لتجاوز الأزمتين الصحيّة والاقتصادية الناجمتين عن جائحة كورونا، وعلى نحو أكثر تحديدًا، أعلن عن موقفه الذي يقبل بالضمّ، ولكن في إطار خطّة سياسية أشمل، تضمّ الفلسطينيين والعرب، ويُمنح فيها الفلسطينيون ثمنًا مقابل الضمّ، وقد كشفت الصحافة الإسرائيلية عن خلافات بين الرجلين، حتّى قبل مرور الموعد المحدّد بلا ضمّ[1].

في أيار/ مايو الماضي، وبعد تشكيل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس الانسحاب من الاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع “إسرائيل”، وهو ما يعني وقف التنسيق الأمني، والذي يترتب عليه سحب القوات الفلسطينية من مناطق الإدارة المشتركة (مناطق ب)، ومنع الاحتلال لقواتها من الوصول إلى المناطق (ج)، الأمر الذي يعقّد من قدرة السلطة الفلسطينية على القيام بأعمالها، ولاسيما تلك التي تواجه بها جائحة كورونا، وبالإضافة إلى ما يتصل بذلك من تعطّل التنسيق المدنّي، فقد رفضت السلطة استلام عائدات المقاصة (الأموال الضريبية التي يجبيها لها الاحتلال من حركة التجارة الفلسطينية الخارجية)، مما جعلها عاجزة ولشهرين متتالين عن دفع رواتب موظفيها، حتّى دفعت مطلع تموز/ يوليو الجاري جزءًا من مستحقّات الموظّفين عن شهر أيار/ مايو الماضي.

لم تكن هذه الأزمة الاقتصادية الأولى التي تعانيها السلطة جرّاء سياسات الاحتلال، ففي مطلع آذار/ مارس 2019، امتنعت السلطة عن استلام أموال المقاصة بسبب اقتطاع الاحتلال الإسرائيلي منها ما يساوي ما تدفعه السلطة من رواتب للأسرى وعوائل الشهداء، وقد استمرت الأزمة حتّى الثلث الأخير من عام 2019، لتدخل السلطة في أزمة أخرى بسبب جائحة كورونا، ثمّ تجدّدت الأزمة مع إعلان نوايا مشروع الضمّ الإسرائيلي، ممّا يلقي بظلال كثيفة من القلق والترقب لدى الجمهور الفلسطيني، حول مستقبل السلطة وقدرتها على الاستمرار في الإدارة وتسيير أمور الفلسطينيين.

وفي السياق الفلسطيني نفسه، عقدت حركتا حمّاس وفتح، في الثاني من تموز/ يوليو الجاري، مؤتمرًا ضمّ أمين سرّ اللجنة المركزيّة لحركة فتح جبريل الرجوب، ونائب رئيس حركة حماس صالح العاروري، أُعلن فيه عن اتفاق “تجميد الخلافات” بين الفصيلين الأكبر في الساحة الفلسطينية، والعمل المشترك لمواجهة مخططات تصفية القضية الفلسطينية، وإشاعة روح الوحدة الوطنية بين عناصر الفصيلين، في خطوة قالت قيادات حركة فتح، إنّها جاءت تتويجًا لسلسلة حوارات جرت مؤخرًا بين الفصيلين، بتوجيهات من الرئيس عبّاس.

في الأثناء، كانت بوادر تراجع بنيامين نتنياهو عن تنفيذه وعوده لجمهوره الاستيطاني آخذة في التراجع، فقبل إعلان التأجيل، بدأ نتنياهو يتحدث عن تقسيم الخطّة إلى مراحل متعددة، أو مرحلتين تتضمّن الأولى المستوطنات المعزولة، والثانية ضمّ المستوطنات الكبرى وغور الأردن، وذلك في حين عَكَست تقارير صحفية أخرى لمرحلتين، وتحدثت تقارير أخرى عن نيّة نتنياهو الضمّ تحت غطاء تبادل الأراضي، الذي وافقت عليه السلطة من حيث المبدأ خلال مفاوضات أجريت في سنوات سابقة.

وبينما رفضت الدول العربية خطّة الضمّ، وأظهرت حتّى الدول العربية التي ترتبط بـ “إسرائيل” بعلاقات استراتيجية كدولة الإمارات العربية المتحدة، كما في مقالة يوسف العتيبة، سفير دولة الإمارات في الولايات المتحدة، ونشرها في صحيفة يدعوت أحرنوت الإسرائيلية[2]، رفضًا لخطّة الضمّ، فضلاً عن موقف الأردن الذي يشعر بخطر استراتيجي في حال أنفذت الخطّة، فإنّ الاتحاد الأوروبي عبّر عن مواقف واضحة في رفض الخطة، عزّزتها تسريبات عن نيته معاقبة “إسرائيل”[3] في حال أنفذت خطتها، وذلك بالإضافة لمواقف معلنة رافضة من كبريات الدول الأوروبيّة كفرنسا وألمانيا، وكذلك بريطانيا، في حين لم تحظ “إسرائيل” بعد بالضوء الأخضر الأمريكي.

الضمّ بين الاستراتيجي والراهن

ترجع الاستراتيجية الصهيونية إزاء الضفّة الغربية، على الأقل، إلى العام 1967، بعد احتلال “إسرائيل” لما تبقّى من فلسطين، وتحديدًا إلى خطة الوزير العمالي الإسرائيلي إيغال ألون، والتي نصّت على ضمّ القدس الشرقية، وغور الأردن من النهر إلى السفوح الشرقية لمرتفعات الضفة الغربية، و”غوش عتسيون” الفاصلة بين القدس وجنوب الضفّة الغربية، وقد هدفت الإجراءات الإسرائيلية، بعد ذلك، وطوال العقود الماضية، لتكريس وقائع تعزّز من تحقيق الأهداف الاستراتيجية والأمنية لـ “إسرائيل” في الضفة الغربية، وذلك لتعويض افتقار “إسرائيل” للعمق الاستراتيجي الناجم عن ضيق مساحتها وإطلال الضفّة الغربيّة مباشرة على الساحل الفلسطيني الذي يشكّل قلب الكيان الإسرائيلي.

في بيئة معادية، أي المنطقة العربية، وسياسات دولية متحوّلة، لم يكن لـ “إسرائيل” الاكتفاء بالغطاء الدولي الذي أوجدها وظلّ يوفّر لها الحماية، فكان لا بدّ لها من خلال الأرض التي تحتلّها من تحقيق جملة أهداف استراتيجية، تعوّضها عن ذلك العمق الاستراتيجي المفقود، والذي لا يمكن غضّ النظر عنه بمجرّد عقد اتفاقيات سلام مع الدول العربيّة المجاورة، فلم تركن “إسرائيل” إلى نوايا النظام المصري، وإنما حوّلت باتفاق كامب ديفيد 1979 سيناء إلى عمق استراتيجي لـها بتحديد الوجود المصري العسكري فيه قوات وعتادًا على ضوء التقسيم الثلاثي لسيناء (A, B, C)، وهي التقنية التي استخدمت لاحقًا في الضفّة الغربيّة في اتفاقية أوسلو، ولكن بحيثيات خاصة، ولأهداف لوجستيّة.

ظلّت الجبهة الشرقية، تتطلب استعدادًا أمنيًّا حمائيًّا واستراتيجيا خاصًّا، بعد تحييد الجبهة الغربية، بتحييد سيناء في اتفاقية كامب ديفد مع مصر، فاهتمت “إسرائيل” بتحويل الغور إلى منطقة عازلة، وتحويل الضفّة برمّتها إلى منصة إنذار مبكّر، وقواعد انطلاق وارتكاز، وأرض مناورة، وقد حقّقت “إسرائيل” أضعاف هذه الأهداف، باستكمال السيطرة على مفاصل الضفّة الأمنيّة، وفصل جنوبها عن شمالها، وتوسيع القدس الكبرى، التي تمزّق الضفة، وتصل بين تجمعات استيطانية متباعدة، فضلاً عن الجدار الذي يحيط بالضفّة ويفصلها عن الكيان الإسرائيلي.

لم تكن “إسرائيل” لتحقّق بذلك أهدافًا أمنيّة واستراتيجية فحسب، وإنّما تمثّل الضفّة الغربيّة جوهر الأيديولوجيا الصهيونية، وأحد أهم أدوات الاستقطاب الدعائي الاستيطاني، وفضلاً عن ذلك توفّر فرصة اقتصادية للكيان الإسرائيلي، وخزانًا من المياه، ومتنفّسًا للتوسع الديموغرافي الإسرائيلي، والتحكم المطلق بها يمنع بالضرورة إمكانات تطوير أيّ كيان فلسطيني فيها بفرصه الذاتيّة.

وقد استخدمت “إسرائيل” اتفاقية أوسلو، فرصة لفرض الفراغ الفلسطيني على أكثر أراضي الضفّة الغربية، وهي المناطق (C / ج)، التي تمثّل 60٪ من أراضي الضفّة، فبحسب اتفاقية أوسلو، تبقّى هذه الأراضي، أمنيًّا ومدنيًّا، طوال المرحلة الانتقالية خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، التي حوّلتها إلى أفق استيطاني، ومسرح للهندسة الاستعمارية، وعلى نحو حقّق لـ “إسرائيل” أهدافها الأمنية والاستراتيجية والاستيطانية.

جوهر الاختلاف بين الفاعلين الأهمّ في “إسرائيل” هو في شكل الضم وحجمه ومستواه، فبينما يرغب الوسط الإسرائيلي وبقايا اليسار، والكثير من مراكز النفوذ في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، في الاحتفاظ بالمصالح الاستراتيجية الإسرائيلية في الضفّة ضمن اتفاق، يفصل الفلسطينيين، ويضمن لـ “إسرائيل” مصالحها السياسية والدبلوماسية المتحقّقة من التسوية مع الفلسطينيين، وبما يمنع من انفجار الأوضاع في الضفّة، والإخلال بالتوازنات التي تجري لصالح “إسرائيل” في المنطقة، فإنّ اليمين الإسرائيلي، يتبنّى نظرية الدولة الواحدة، داخل حدود فلسطين الانتدابية، مما يعني إرادته تصفية أيّ وجود سياسي فلسطيني فيها، ولم تزل أوساط فيه تكرّر أنّ الأردن هي فلسطين، بينما، وفي ظلّ هذا الافتراق، سبق وتسرّبت أخبار عن منع قادة الأجهزة الأمنيّة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إعلان ضمّ الغور، في وقت سابق[4]، وهي الرؤية التي يشترك فيها حلفاء “إسرائيل” في المنطقة العربية وأوروبا مع أوساط الوسط واليسار وأجهزة الأمن في “إسرائيل”.

يشير ذلك، إلى أنّ أهداف اليمين الإسرائيلي، والتي تُعبّر عنها “خطّة ترامب”، أفضل تعبير، أكبر من مخطّطات نتنياهو الانتخابية، فخطة ترامب التي تبقي الضفّة بالكامل مسرحًا للوجود الإسرائيلي وفاعليته الأمنيّة، لا تعطي الفلسطينيين أكثر من تسمية الدولة بلا مضمون، وهو ما يتفق جوهريًّا مع رؤية اليمين الإسرائيلي، من حيث إنّها تفرّغ مجال حكم السلطة من أي سيادة أمنية، وتبقيها مجالاً للفاعلية الأمنية الإسرائيلية، القادرة على الدخول والاعتقال وإقامة الحواجز، داخل أراضي الدولة.

تسعى خطّة ترامب لفرض خطّة الضم ضمن اتفاق، لا من طرف واحد، وهي والحال هذه، تجعل من الوقائع التي كرّستها “إسرائيل” مرجعًا لأيّ تفاهمات مع الفلسطينيين، قد سبق لوزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، وفي سياق إعلانه شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الضفّة الغربية، من وجهة نظر إدارته، قد أعلن عن أنّ الحقائق على الأرض، لا سردية الحقوق، هي مرجعية أيّ تصورات لحلّ الصراع بالنسبة لإدارته، وهو الأمر الذي يؤكد على خطورة الوقائع التي فرضتها “إسرائيل”، بصرف النظر عن الترسيم القانوني الإسرائيلي لها.

بيد أنّ ذلك لا ينفي السياقات الانتخابية التي أعلن فيها نتنياهو مرارًا مشروعه للضمّ، لتثبيت نفسه رئيسًا للحكومة، وهروبًا من قضايا الفساد التي تلاحقه، ولذا ومن غير المستبعد، وبالرغم من أنّه لم يحظ بالضوء الأخضر الأمريكي لإعلان الضمّ، أن يعود لتفجير هذه القضيّة، لأهداف شخصيّة صرفة، لاسيما والضم يطابق رؤية جمهوره اليميني، خاصّة وأنّ التقارير المتتابعة من الكيان الإسرائيلي تفيد بنيّة نتنياهو تفجير الائتلاف الحكومي الحالي، ذهابًا نحو انتخابات مبكّرة جديدة، تفويتًا للفرصة على غنتس، واستمرارًا في الهروب من قضايا الفساد.

مآلات مشروع الضمّ بعد التأجيل

بالرغم من أهمية الضغوط التي تعرّض لها بنيامين نتنياهو من داخل “إسرائيل” أو من حلفائها في الإقليم والعالم، وبالرغم من أهميّة موقف السلطة الفلسطينية، الذي حاول هذه المرّة أن يبدو أكثر جدّية ومصداقية في وقف التنسيق لأمني، والإيحاء بإمكان التصالح المتدرج مع حركة “حماس”، فإنّ العامل الأهم بالنسبة لنتنياهو، هو الضوء الأخضر الأمريكي الذي لم يأت، من بعد ما مهّدت إجراءات الإدارة الأمريكية الحاليّة الكثير من الطرق أمام نتنياهو للوصول إلى الضمّ، كإعلانها الاعتراف بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل”، ونقلها سفارتها إليها، وشرعنتها المستوطنات الإسرائيلية في الضفّة، وإعلانها عن خطّتها المشهورة إعلاميًّا بخطّة الضمّ.

من غير المستبعد أن نشاطًا دبلوماسيًّا، ومواقف من داخل مؤسسات الدولة في الولايات المتحدة، ووجهات نظر أمنية إسرائيلية وصلت الولايات المتحدة، وهشاشة الاتفاق الإسرائيلي الداخلي حول الضمّ توقيتًا وشكلاً ومضمونًا، ساهمت في حرمان نتنياهو من تأييد أكبر حلفائه في العالم، دون غض النظر عن الخلافات الأخيرة المحتملة بين نتنياهو وكوشنير، بعد تسريبات في كتاب جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، قال فيها إن نتنياهو أعرب له عن شكوكه بشأن تعيين دونالد ترامب صهره جاريد كوشنر مسؤولاً عن خطّة السلام في الشرق الأوسط[5].

وفي إعلان صريح، ذكر نتنياهو، أثناء اجتماعه مع قادة مستوطني الضفة أنّ الإدارة الأمريكية طالبته بتعهد مبدئي بالتفاوض مع الفلسطينيين حول مستقبل بقية المناطق[6]، وفيما يتعلّق بالمناطق التي لن يشملها الضمّ، فإن نتنياهو رفض تسميتها بالدولة، رغم أنّ الإدارة الأمريكية الحالية ترى أن تكون محلّ الدولة الفلسطينية الخاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية وفق خطّة ترامب، وبالرغم من هذا السخاء الأمريكي على إدارة نتنياهو، فإنّ الجمهور الاستيطاني لنتنياهو لا يبدو قابلاً حتّى بالتسمية.

وفي حين تهتم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بتكريس الوقائع، ثمّ عدّها مرجعية للحلّ بحسب اليمين، أو للتفاوض بحسب بقية الفاعلين الإسرائيليين، فإنّ السلطة الفلسطينية هذه المرّة، بدت أكثر جدّية في تنفيذ إعلانها المتكرر، عن الانسحاب من الاتفاقيات التي وقّعتها مع الاحتلال، بيد أنّ نتائج هذا الإعلان كشفت عن استحالة الانفكاك الاقتصادي والسياسي والأمني عن الاحتلال، من داخل المسار نفسه، فالاحتلال الإسرائيلي يتحكم بكامل مجال الضفّة الغربيّة، والتي لا تملك السلطة فيها منافذ حدودية تديرها بنفسها مع الخارج، وقد أسفر الاحتلال أكثر عن بدائله، بمزيد من إبراز الإدارة الأمنية التي أخذت تتعامل مع الفلسطينيين، كالعمال الفلسطينيين والتجار، وإصدار التصاريح لهم، بمعزل عن الارتباط الفلسطيني.

قدرة السلطة الفلسطينية على الإدارة والتسيير ودفع الرواتب مرهون بعودتها لتنفيذ التزاماتها تجاه الاحتلال، وهذه العودة، قد تكون محتملة بعد إرجاء تنفيذ قرار الضمّ، وهو الأمر الذي يشكّل ضربة مجدّدة لمصداقيتها، وللحديث عن تقاربها مع حركة حماس، لاسيما وأنّه لا خطوات جدّية بعد، في سياق المواجهة مع الاحتلال، تنظّمها حركة فتح، أو يمكن القول إنّ السلطة تسمح بها.

في السياق نفسه، حاولت الحركتان، حماس وفتح، إشاعة أجواء التفاؤل بلقاء الرجوب العاروري، بالرغم من بعض مظاهر تجاوزات الأجهزة الأمنية في الضفّة بحق منتسبي حماس، ولم تكن هذه التجاوزات وحدها التي جعلت الجماهير والمراقبين أكثر تحفّظًا، وإنما تاريخ المصالحة الفلسطينية، وانتكاس اللقاءات والاتصالات السابقة في ظروف مشابهة كإعلان ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل”.

وبينما لا يرى مراقبون، بأسًا، في مصالحة متدرجة، تستجيب لمخاوف السلطة من مواجهة لا تريدها مع الاحتلال، فإنّهم يعتقدون أنّ التدرج ينبغي أن يكون أكثر كثافة من المؤتمر المشار إليه، وأن ينتهي إلى إستراتيجية وطنيّة لا تتوقف عند قرار الضمّ، وإنما تهدف إلى تفكيك الوقائع الإسرائيلية في الأرض، وصد مشاريع تصفية القضيّة الفلسطينية، وهو ما يبدو، بحسب هؤلاء المراقبين، أنّ السلطة غير مستعدة له، لاسيما وقد تحوّلت، إلى هدف قائم بذاته لجزء من قيادتها، بالرغم من فشل مشروع التسوية الذي أنتجها وإقرار قيادتها بذلك، فإذا كان جوهر التصرف الإسرائيلي، ليس إعلان السيادة، وإنما الوقائع نفسها في الأرض، فإنّه لا بدّ من أجل إحباطه مواجهة وقائعه على الأرض.

السيناريوهات المتوقعة بعد تأجيل خطّة الضمّ

من الواضح أنّ العامل الأهمّ في تأجيل خطّة الضمّ، هو قرار الإدارة الأمريكية الحالية، التي يبدو أنّها أخذت مسافة، ولو جزئيًّا، في هذا الموضوع، عن بنيامين نتنياهو. وعليه، وبدون إغفال بقية العوامل التي ساهمت في تأجيل قرار الضمّ، يعود الموضوع ليرتبط بالانتخابات الأمريكية، وبنوايا نتنياهو لإفساد الائتلاف الحكومي، ولذلك، فمن المحتمل أن يعود الموضوع للطرح أواخر هذا العام، سواء مع فوز ترامب، أو مع الفترة الانتقالية التي يظلّ فيها في البيت الأبيض استعدادًا لتسليمه للإدارة المقبلة.

إنّ كلّ الموانع التي تقف أمام نتنياهو، من فلسطينية وعربية وأوروبية، لا تكافئ المانع الأمريكي، القابل للتحوّل مع نهاية هذا العام، أو مع انفكاك ترامب من قضاياه الخاصّة كجائحة كورونا، والتراجع الاقتصادي، والانتخابات الرئاسية، واحتمال تراجعه عن اشتراطه إجماعًا إسرائيليًّا على إعلان الضم، أو انتهاء هذا الشرط بتمكن نتنياهو من تشكيل حكومة يمينية خالصة، وهو الاحتمال الذي ينبغي للفاعلين الفلسطينيين الاستعداد له جيدًا، لا بمجرّد توقّعه، ولكن بالبدء العملي، على الأرض، في مواجهة مشاريع التصفية، وتوصيل الرسائل لحلفاء “إسرائيل” بأنّ الانفجار في الضفّة، وارد جدًّا.

والحال هذه، لا ينبغي التقليل من احتمالات العودة لطرح المشروع، بالركون إلى أنّ إعلان نتنياهو الضمّ دعائي صرف، فهو لم يكن مجرد دعاية، بعدما جُعل جزءًا من اتفاق الائتلاف الحكومي. ومع تمزيق المعسكر المنافس لنتنياهو، وسعي نتنياهو للذهاب في انتخابات مبكرة، يصل بها إلى حكومة يمينية خالصة، تبقيه في الحكم، بما يضمن له حصانة من الملاحقات القضائية، وإجماع اليمين الإسرائيلي على الضمّ، وهشاشة الموقفين العربي والأوروبي، فإنّ العودة لطرح المشروع، ولو لأغراض شخصية صرفة لنتنياهو تظلّ قائمة بقوّة.

وبينما يواجه نتنياهو صعوبة حتّى اللحظة، في حلّ الائتلاف والذهاب نحو انتخابات مبكرة، لاسيما مع رفض القوى الحريدية لفضّ الائتلاف الحكومي، فإنّ التأجيل قد يطول، وحينئذ قد تعود السلطة الفلسطينية عن قرارها بمقاطعة “إسرائيل”، مما قد ينعكس مجدّدًا تعزيزًا للخصومة الداخلية الفلسطينية، وإفساح المجال لـ “إسرائيل” لتكريس المزيد من وقائعها في الأرض، وتوفير المظلّة لعلاقات التحالف العربي مع “إسرائيل” وجعل الأخيرة أكثر قبولاً في العالم.

ومع أنّ التأجيل المفتوح للضمّ محتمل، تحت عناوين شتّى، وكذا العودة إليه، كما سلف، ولو بتدرّجات أو أغطية متنوعة، مع إمكانية حصول المفاجآت بحكم السيولة التي تحكم الفاعلين في المنطقة والعالم، بما في ذلك “إسرائيل”، فإنّ الرهان الوحيد هو على الممكنات الفلسطينية الذاتية، بتعزيز خطوات الوحدة الوطنية، والبدء على ضوء رؤية وطنية، بالخروج من مشروع التسوية، نحو رؤية سياسية جديدة، تجرّد “إسرائيل” من مكاسبها الدبلوماسية والسياسية والأمنية في المنطقة والعالم تحت عنوان وجود سلطة فلسطينية، واستمرار المفاوضات.

وعليه فإنّه يمكن تلخيص السيناريوهات المحتملة، للفاعلين الأساسيين، الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية على النحو التالي:

  • الاحتلال الإسرائيلي:
  1. تنفيذ الضمّ خلال فترة قريبة قادمة بضوء أخضر أمريكي، لاسيما مع ظهور تسريبات إعلامية، في الصحافة الإسرائيلية عن مصادر أمريكية من داخل البيت الأبيض، بأنّ الضمّ ما زال ممكنًا[7]، وبالنظر إلى ظروف الانتخابات الأمريكية، والطبيعة الشخصية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسوابق الإدارة الأمريكية الحالية في التماهي مع سياسات بنيامين نتنياهو، فضلاً عن تصريحات سابقة لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، قال فيها إن بسط السيادة الإسرائيلية على مناطق في الضفّة الغربية، يعود للحكومة الإسرائيلية[8]، فإنّ هذا الاحتمال يبقى قائمًا، وإن لم يكن هو الأرجح في حدود المعطيات الراهنة، ولو أخذ هذا الاحتمال حظّه من التنفيذ الواقعي، فمن المرجح أن يكون الضمّ محدودًا، لبعض المستوطنات الإسرائيلية، التي سبق للسلطة الفلسطينية، من حيث المبدأ الموافقة على مبادلتها بأراض أخرى.
  2. أن يعود نتنياهو لطرح الضمّ مجددًا بعد فضّ الائتلاف الحكومي، والدخول في انتخابات جديدة، وهو مرجح عند كثير من المراقبين، بيد أنّ هذا الاحتمال ينقسم بدوره إلى احتمالين، إمّا أن يُطرح وعدًا جديدًا في سياق دعاية انتخابية كما سلف في المرات القادمة، أو أن يسعى به نتنياهو للتنفيذ لاكتساب مصداقية لدى جمهوره اليميني والاستيطاني، لاسيما وأنه سيكون بحاجة إلى إنجاز كهذا، ولكن احتياجه للموافقة الأمريكية، وهي العامل الأهم، كما سلف بيانه، العائق هنا إلا إذا تمكن من تحصيلها[9].
  3. أن يرتبط الضمّ بملابسات الدعاية الانتخابية الأمريكية، وهو ما تكشف عنه تصريحات أمريكية أخرى، تقول إنّ الإدارة الأمريكية ستدرس قرار الضمّ مجددًا خلال خمسة وأربعين يومًا، أيّ على نحو أكثر اقترابًا من موعد الانتخابات الأمريكية، وأنّ احتمالية الموافقة على قرار الضمّ تزيد على 50٪،[10] وهو الأمر الذي يكشف عن مستوى التردد لدى الإدارة الأمريكية، وتعقيد الحسابات المتعلقة بهذا الموضوع.
  4. أن يستغل نتنياهو، في حالة خسارة ترامب الانتخابات، الفترة الانتقالية الفاصلة بين خروج إدارة ترامب واستلام الإدارة الجديدة، وقد يرتبط بهذا السيناريو فضّ الحكومة الائتلافية، في سياق استغلال الفراغ نفسه، وسعيا من نتنياهو للبقاء في الحكومة، أطول فترة ممكنة هروبًا من قضايا الفساد التي تلاحقه.
  5. بقاء قضية الضمّ، معلقة، أو أن تقتصر على ضمّ رمزيّ للغاية، وخاصة في حال لم يحظ نتنياهو بموافقة أمريكية، وعجز عن فضّ الائتلاف الحكومي، وظلت خلافاته قائمة مع شركائه في الائتلاف حول الضم، وتزايدت الضغوط عليه إقليميًّا ودوليًّا، فضلاً عن ثبات الموقف الفلسطيني الرافض للضمّ، وتزايد مخاوف المؤسسة الأمنية من انفجار الأوضاع في الضفّة الغربية.
  • السلطة الفلسطينية:
  1. أن تمضي السلطة الفلسطينية في خطوات متدرجة من الوحدة الوطنية مع حركة حماس، وتبدأ حركة فتح في الضفة الغربية باستنهاض منتسبيها وكوادرها في مقاومة شعبية متدرجة، ويتضح من شكل التلاقي الجاري مع حركة حماس، أنّ السلطة الفلسطينية ما تزال حذرة ومتحفظة، ولا ترغب في قطع المسار الذي توجد فيه مرّة واحدة، على نحو قد يفتح مواجهة مع الاحتلال غير متكافئة ولا تريدها، ولذلك لم يزد المؤتمر المشترك مع حماس عن كونه إشاعة لأجواء إيجابية جديدة، دون الحديث عن حلّ أيّ من الملفات المستعصية بين الطرفين، أو عن برنامج نضالي بخطوات محددة، وبالإضافة لحذر السلطة الناجم عن توجهات قيادتها السياسية الكلاسيكية، فمن الراجح وجود وجهات نظر متعارضة داخل مراكز النفوذ فيها حول التقارب مع حركة حماس.
  2. بقاء السلطة على موقفها المتقارب مع حماس في حدود ضيقة للغاية، مع انتهاجها خطًّا دبلوماسيًّا دوليًّا، مع تفعيل الجهد القانوني لإحباط عملية الضمّ، من خلال المؤسسات الدولية، وتعزيز مواقف الدول الأوروبية، والتأثير على الدول العربية الأكثر انفتاحًا على الاحتلال الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه، قد تسعى السلطة لإيجاد حلّ لأزمة المقاصة، كأن تستلمها من طرف ثالث، حتى لا تفقد مصداقيتها أمام الجماهير الفلسطينية.
  3. بالنظر إلى سياسات السلطة الحذرة، ومراوحتها مكانها إياها، وبقائها لفترة طويلة في الحيز الخطابي، وانحكام وجودها بعدة عوامل إقليمية ودولية فضلاً عن الاحتلال الإسرائيلي، وتكون نخبة للسلطة مستفيدة من وجودها القائم بغضّ النظر عن أفقها السياسي، فإنّ السلطة قد تعود عن قراراتها بوقف التنسيق الأمني، وتحديدًا في حال عُلقت قضية الضمّ وأخرجت من التداول الجاري، ولاسيما أنّ فاعلية السلطة مشلولة اقتصاديًّا وإداريًّا وأمنيًّا بوقف التنسيق الأمني، فأزمة المقاصة لن تدع للسلطة أي إمكانية لدفع رواتب كاملة أو كافية، إلا إذا فُعّلت شبكة الأمان العربية، وهي، أي السلطة، غير قادرة الآن على تنفيذ أي مهام أمنية أو شرطية في المناطق (ب، ج)، وتعطلّت الكثير من المعاملات الإدارية، وبالتالي تعاطل مصالح الفلسطينيين، التي تحتاج موافقة إسرائيلية.
  4. احتمالات الانفجار، تبقى قائمة، سواء بحرب محتملة مع غزة، تلقي بظلالها على الضفّة كما في حرب العام 2014، ولاسيما مع تصريحات الناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، التي هدّد فيها بتدفيع “إسرائيل” الثمن في حال نفذت تهديداتها بالضمّ، أو بانفجار جماهيري، وتلك الاحتمالات، بالإضافة عجز السلطة عن تأدية مهماتها، وافتقادها لشرعية الإدارة والتسيير في حال تفاقم عجزها الاقتصادي، قد تؤدّى إلى تغير في موقع السلطة ووظيفتها، إمّا بفعل واع من قيادتها وباتفاق وطني، أو بانهيار تلقائي، أو بتدخل الاحتلال وفرض حلوله وبدائله. بيد أنّ هذه الاحتمال وبالرغم من تداوله بين عامة الناس في الشارع الفلسطيني، إلا أنه الأقل رجحانًا بالنسبة لما سبق.

[1]. الخلافات ترجئ الضم – نتنياهو لـ غانتس: تطبيق السيادة أو الذهاب الى الانتخابات، وكالة معا، 22 حزيران/ يونيو 2020، https://bit.ly/3ea7fiR

[2]. نص مقالة يوسف العتيبة، بعنوان (الضمّ أو التطبيع)، باللغة العبرية في صحيفة يدعوت أحرنوت:

יוסף אל-עוטייבה، סיפוח או נורמליזציה | בכיר באיחוד האמירויות במאמר מיוחד ל”ידיעות אחרונות”، ynet، 12/6/2020، https://bit.ly/2O9YYkv

[3]. هكذا يعتزم الاتحاد الاوروبي معاقبة إسرائيل في حال نفذت الضم، وكالة معا، 5 تموز/ يوليو 2020، https://bit.ly/3fk6llm

[4]. جنرالات الاحتلال منعوا نتنياهو من ضم “غور الأردن” فوراً، صحيفة العربي الجديد، 14 أيلول/ سبتمبر 2019، https://bit.ly/2ZPcxeC

[5]. هآرتس تكشف خبايا علاقة ترامب ونتنياهو جاءت بكتاب بولتون، موقع عربي21، 19 حزيران/ يونيو 2020، https://bit.ly/2DrYiVD

[6]. نتنياهو: لم نحصل على الضوء الأخضر من واشنطن لبدء الضم، صحيفة الغد الأردنية، 8 حزيران/ يونيو 2020، https://bit.ly/31XXxhj

[7]. صحيفة: البيت الأبيض سيستأنف اليوم بحث خطة الضم الإسرائيلية.. “جروزاليم بوست” نقلت عن مسؤول أمريكي إن قرارا أمريكيا بشأن الضم ما زال ممكنا هذا الشهر، وكالة الأناضول التركية، 8 تموز/ يوليو 2020، https://bit.ly/38IfhP9

[8]. بومبيو: يحق لإسرائيل فرض السيادة على مستوطنات الضفة، وكالة الأناضول التركية، 13 أيار/ مايو 2020، https://bit.ly/321nhcz

[9]. نتنياهو ينتظر قرار الضم من واشنطن: تشاؤم وتشكيك… وتجاذبات داخلية، صحيفة الأخبار اللبنانية، 6 تموز/ يوليو 2020، https://bit.ly/3gMbVxl

[10]. مسؤولون أمريكيون: واشنطن ستبتّ بخطة الضمّ خلال 45 يوماً، وكالة الأناضول التركية، 6 تموز/ يوليو 2020، https://bit.ly/2ZbhWxw

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى