لجنة التواصل مع “المجتمع الإسرائيلي”.. جدلية الدور ومطلبية حلها

د. إياد أبو زنيط

في 28 نوفمبر/تشرين ثاني2021 الماضي، وجهت لجنة التواصل مع “المجتمع الإسرائيلي” المنبثقة عن منظمة التحرير الفلسطينية، دعوة لمن أسمتهم بـ”المناضلين لأجل السلام وحل الدولتين” من “الإسرائيليين”، للاشتراك في “مؤتمر السلام” الداعي لإنهاء الصراع في قاعة الشقيري داخل مقر المقاطعة بمدينة رام الله. وجاء في كتاب الدعوة الموجه من مسؤول اللجنة محمود المدني “على المناضلين لأجل السلام وحل الدولتين الاشتراك في المؤتمر الجماهيري الداعي لإنهاء الصراع في قاعة الشقيري داخل مقر المقاطعة”. وتحمل الدعوة الموجه عنوان “إسرائيليين وفلسطينيين معاً لإنهاء الصراع”.

أتى توقيت دعوة اللجنة بعد قرابة شهر فقط من رفض وزيرة داخلية الاحتلال، إيليت شاكيد، طلبا للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأتى توقيتها أيضا في ظل استمرار التعنت “الإسرائيلي” تجاه القضية الفلسطينية، واستمرار الممارسات على الأرض من بناء استيطاني وعمليات هدم وتهجير وقتل للفلسطينيين بالضفة ومدينة القدس المحتلة، واقتطاع من أموال المقاصة، وهو ما يعيد للذهن مجموعة من الأسئلة حول جدوى وجود لجنة التواصل المنبثقة عن منظمة التحرير الفلسطينية، والأدوار الفعلية التي يمكن أن تمارسها وقدرتها على تحقيق الأهداف التي تطرحها؟ وطبيعة المواقف للأطراف الفلسطينية حولها.

لجنة التواصل

تشكلت لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي، بقرارٍ من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عام 2012، وتمَّ تعيين محمد المدني رئيسًا لها، ومن أبرز أهدافها، بحسب اللجنة، التواصل مع مختلف الشرائح الإسرائيلية المجتمعية، سواءً اليسارية منها، والتي تؤيد حقوق الشعب الفلسطيني المدنية والسياسية، أو تلك الرافضة للحقوق الفلسطينية لشرح المواقف الفلسطينية، ورؤية قيادة منظمة التحرير للسلام المبني على حل الدولتين.

تقول اللجنة، أنَّ من أهدافها أيضا التواصل مع الشرائح اليهودية المختلفة في العالم، وغايتها في ذلك الرد على كل التشويهات التي يتعرض لها الفلسطينيون على كل المستويات، والتواصل الفعلي مع الامتداد الفلسطيني في الداخل المحتل، وأنّ هدفها في ذلك لم يتغير في فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد مكونات الشعب الفلسطيني المختلفة، في الأراضي الفلسطينية وخارجها.

يرى الكثير من فئات المجتمع الفلسطيني أن لجنة التواصل لم تحقق نتائج فعلية على الأرض، و في خلق تأثيرٍ حقيقي داخل مجتمع الاحتلال. ففي فبراير 2020، التقى الرئيس الفلسطيني بلجنة التواصل، عقب تقديم رئيسها محمد المدني استقالته على خلفية الانتقادات التي تعرضت لها من قبل الأطراف الفلسطينية المختلفة، واتهامها بعدم قدرتها على تحقيق أهداف على الأرض. ورفض عباس الاستقالة وقال في حينه إننا “نعمل وفق قرار مجلس وطني، وليس على هوانا، هذا عمل مشروع”. وتابع :”أنتم تؤدون هذه الرسالة، لذلك أنا أحييكم وأقول لكم نحن معكم، الرئاسة معكم بكل ما أوتينا من قوة، لأنه لا يصح أن نرسلكم بمهمة ونقول لكم اذهبوا بمفردكم، ونحن معكم وندافع عنكم بكل الوسائل القانونية الممكنة”. موقف عباس الداعم لعمل لجنة التواصل دفع باستمرار لقاء لجنة التواصل مع “إسرائيليين”، على الرغم من صدور توصيات عدة بوقف التواصل مع الاحتلال والمطالبة بوقف الاتفاقات مع “إسرائيل” وانتهاء «أوسلو»، وتجسيد الدولة، وتفعيل المقاومة، ومواجهة “صفقة القرن”.

مواقف متعددة من اللجنة

لاقت اللجنة منذ بداية تأسيسها جدلاً واسعاً حولها، وحول نطاق عملها، واعتراضاتٍ مختلفةٍ حول الجدوى التي من الممكن أن تقدمها، ومدى تأثير نشاطاتها على دعوات مقاطعة “إسرائيل” والتي تقوم بها منظمات فلسطينية مختلفة مثل BDS، والتي أصدرت بياناً دعت فيه إلى حل اللجنة، موضحةً أن اللجنة تشكل تطبيعًا واضحاً، ودعت إلى التراجع عنها، كونها لا تُلبي غرض فضح السياسات الإسرائيلية، وهو أحد أهدافها.

وعلى المستويين الفصائلي والشعبي، يرى الدكتور مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية، أنَّ اللقاءات التي تُجريها اللجنة، تتطلب تقييماً حقيقياً لعملها، باعتبار أنّها لم تؤدِ إلى أيّ تغييرٍ إيجابي لصالح القضية الفلسطينية، معتبراً أن الاستراتيجية الوطنية الأمثل تكمن في التوافق على التصدي لأي تعاطٍ مع الحركات الإسرائيلية.

وانتقدت حركة حماس وبشدة عمل لجنة التواصل، واعتبرته مرفوضاً وطنيًا باعتبارهِ يُشجعُ على التطبيع، ويُخالف الإجماع الوطني، مُطالبة بوقف اللجنة وعملها. فيما اعتبر القيادي في الجبهة الشعبية عبد الحليم دعنا في تصريح سابق، أن لجنة التواصل تعتبر خطأً فلسطينياً، وأن لقاءاتها لم تحقق الفائدة المرجوة منها، حيث يميل المجتمع الإسرائيلي إلى التطرف، وتغذيه النزعات العنصرية بشكل غيرِ مسبوق.

ولم يؤيد نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية قيس عبد الكريم النشاطات التي تقوم بها لجنة التواصل، لكنه في الوقت ذاته ضد استخدامها من قبل جهاتٍ “مشبوهة” لتبرير التطبيع الذي تقوم به الدول العربية مع الاحتلال، معتبراً أنّ هنالك فرقاً بين فتح قنوات تواصل مع الجهات المعادية لسياسات دولة الاحتلال داخل المجتمع الإسرائيلي، وبين التطبيع مع حكومة الاحتلال التي تمارس سياساتها التوسعية الاستيطانية بحق الفلسطينيين، وأنه يجب أن يكون واضحا للجميع بأن التواصل مع المناهضين لدولة الاحتلال أو الصهيونية هو أمر مختلف عن التواصل مع المستوى الرسمي في دولة الاحتلال، ولكنه في الوقت نفسه لا يعتبر نشاطات اللجنة تطبيعاً فلسطينياً.

فيما يرى عمر عساف (عضو التجمع الديمقراطي الفلسطيني)، وحسن خريشة (النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني)، أنَّ من الضروري وقف نشاطات لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي، وأن لقاءاتها لن تُقدم شيئاً للفلسطينيين، وفي ذات السياق يرى المحلل السياسي، جهاد حرب، أن أنشطة لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي يُمكن اعتبارها جزءاً من مسارات العمل الوطني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، لكن الأمر يتطلب التناغم مع المسارات الأخرى في عملية المواجهة والتي يُمكن أن تتمثل في المقاومة الشعبية، وتفعيل أدوات المقاطعة الاقتصادية والسياسية، لأن اختراق المجتمع الإسرائيلي يتطلب فعلياً عملية التناغم هذه.

وأمام تلك المواقف، يرى مُساعد رئيس لجنة التواصل صالح الحكواتي، أنّ هناك فرقاً بين التطبيع والتواصل مع المجتمع الإسرائيلي، فالتطبيع حسب رأيه هو التسليم برواية الآخر، والتساوق معها، وهذا ليس موجوداً في عمل اللجنة ونشاطاتها، وهي في دفاعٍ دائمٍ عن المواقف الفلسطينية، ومطالبها دائمًا تتمثل في إنهاء الاحتلال وتحقيق السلام، وهذا ما يراه عبدالله عبدالله القيادي في حركة فتح.

الخلاصة

يبدو واضحاً، أنَّ الكثير من المواقف الفلسطينية، باتت لا ترى تحقيقاً للفائدة من عمل لجنة التواصل، وأن حالة الضعف العربي والفلسطيني، هي مدعاة التواصل الأولى “للإسرائيليين”، وليس الإيمان الفعلي بحقوق الفلسطينيين، خاصة في ظلِّ حالة من الاستعلائية الاحتلالية التي باتت ترفض كل ما يطرحه الفلسطيني. وهذا ما أدى إلى تزايد التساؤل عن جدوى  لجنة التواصل، مع متغيرات “إسرائيلية” تُخبر يوماً بعد يوم بتعاظم مستويات العنصرية داخل المنظومة الاحتلالية مجتمعاً وحكومة، وهو ما يتطلب إعادة النظر في لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى