عرض كتاب: شيفرة نتنياهو

اسم الكتاب: شيفرة “نتنياهو”

المؤلف: مازال مُعلام

عرض: د. عدنان أبو عامر

الناشر: كنيرت زامورا دفير

سنة النشر: 2022

اللغة: العبرية

المقدمة:

“بسبب قدرته التنافسية المتأصلة، والنظرة التي تلقاها من والده عندما كان طفلاً، فهو يسعى لتحقيق الفوز بأي ثمن”، بهذه العبارة استهلت المؤلفة كتابها عن البيوغرافيا الخاصة ب”نتنياهو”، وقد أجرت مئات المقابلات مع شركاء وأصدقاء ورجال دولة وسياسيين ومستشارين وأفراد عائلاتهم، وآلاف المقتطفات الصحفية والمقالات والكتب لتقديم حصيلة ما يزيد عن أربعين عامًا من خبرة “نتنياهو” السياسية، وحصاد سبع سنوات من التحقيق الشامل حول من ترأس الحكومات “الإسرائيلية” أكثر من كل أسلافه.

يأتي الكتاب الذي صدر قبيل أيام قليلة فقط من خوض الانتخابات المبكرة الخامسة في نوفمبر 2022، في ذروة استقطاب يعيشه المجتمع “الإسرائيلي” حول شخصية “نتنياهو”، وليس سواه، فقد جذبت شخصيته العديد من المعجبين المخلصين والناقدين الكارهين، حتى باتت متعددة الأوجه، وتناقضاته لافتة، والتي بدورها شكّلت العواملَ المهمة في مهاراته وشخصيته وبيئته، وتساهم في نجاحاته وإخفاقاته، وساعدته في إعادة اختراع نفسه مرارًا وتكرارًا، حتى بعد سقوطه المؤلم بين حين وآخر.

  • سلالة عائلية:

كشفت المؤلفة ذات الخبرة الصحفية الطويلة العديد من تفاصيل اللقاءات الدرامية الليلية التي أجراها “نتنياهو” مع الحاخام “عوفاديا” يوسيف زعيم حركة “شاس”، والعملية السرية المخطط لها في إيران، وآخر مكالمة هاتفية أجراها مع رئيس الوزراء الراحل “أريئيل شارون”، وخوفه المعلن من زوجته “سارة”، وحقيقة تنصّته على مكتب وزير الحرب “إيهود باراك”، ووجباته العائلية في منزل الرئيس الراحل “شمعون بيرس”، والدراما وراء خطابه في جامعة “بار إيلان” عن الصراع مع الفلسطينيين، وسرّ ارتباطه العميق مع المجتمع الأرثوذكسي المتطرف.

يمثل الكتاب الذي لقي رواجًا واسعا، السيرة الشاملة ل”نتنياهو” متفوقا على أي شخص آخر في جيله، وضمنيًا، فهو يقدم صورةً ل”إسرائيل”، تمثّل سيرة دولة بأكملها، حيث كتب هذا الكتاب الصحفية الحزبية “مازال موعلام”، التي تغطي التطورات السياسية والحزبية منذ بداية الألفية، فقد عملت مراسلة وكاتبة عمود سياسي في صحيفتي “هآرتس ومعاريف وموقع “المونيتور” الأمريكي، كما وتقدم برنامجًا على قناة “الكنيست”، وقد حصلت على درجة الماجستير في الدراسات الأمنية من جامعة “تل أبيب”.

تتناول المؤلفة الإرث الذي شكل الحالة الذهنية ل”نتنياهو”، المكون من شعوره بالاضطهاد المستمر واليقظة، مما يعتبره “مؤامرة دم أخرى قادمة”، فهو يشير إلى جدّه الحاخام “ناتان ميليكوفسكي” مؤسس السلالة، الذي زعم تولي مهمة خدمة الشعب اليهودي، ودفع ثمنًا شخصيًا باهظًا، وحين تضيف لكل هذا موهبة بلاغية، فإن الرابط بين الجدّ والحفيد له صدى قوي، بانتقاله من مقاعد المدرسة الدينية إلى حضن الصهيونية، ولعلّ وصول حفيده لمنصب سياسي رفيع في قيادة “إسرائيل” بمثابة امتداد لمساعي جده المؤسس.

يذكر غالبًا “نتنياهو” جدَّه في خطبه في “إسرائيل” وحول العالم، باعتباره صاحب رؤية ساهم في تحقيق الفكرة الصهيونية، وكان الشخصية الأكثر تأثيرًا على المؤسس “ثيودور هرتزل”، وبعد عشرات السنين، برز حفيده متحدثاً مفوّهاً، وبدا من الصعب تفويت التشابه بينهما، حتى أنّ صحف الجالية اليهودية وصفت الجدّ بأنه “أعظم متحدث أيديولوجي في جيلنا”، وقد وضع نتنياهو في كتابه “مكان تحت الشمس” صورة من المؤتمر الثامن 1907 للشاب “ميليكوفسكي” بجانب قادة الحركة الصهيونية “زئيف جابوتينسكي” و”حاييم وايزمان” و”ناحوم سوكولوف” و”حاييم بياليك”.

يصدر الكتاب الذي يوثق السيرة الذاتية ل”نتنياهو” وهو لا يزال في أوج قوته السياسية، رغم تعثراته الحكومية الداخلية، ووجود قدر كبير من النفوذ والتأثير، خاصة بعد فوزه اللافت في انتخابات “الكنيست” الأخيرة في نوفمبر 2022، وتشكيله حكومته السادسة، مما يمنح الكتاب أهمية استثنائية، كونه جاء بهدف فكّ ما تسميه المؤلفة “الكود” الذي يحتوي على إجابات للعديد من الأسئلة: ما سرّ قوة “نتنياهو”، وما الذي يحفّزه، وكيف أثّر والده المؤرخ “بنتسيون” وأخوه الجندي “يوني” على مجرى حياته، وهل فاته صناعة التسوية مع الفلسطينيين، أم فشل فيها، ولماذا لم ينجح حتى الآن بمهاجمة إيران.

  • التدرج السياسي:

يتناول الكتاب بالتفصيل الخطوات السياسية الأولى ل”نتنياهو” الشاب، لاسيما وقد بدأ عمله سفيراً ل”إسرائيل” لدى الأمم المتحدة، وما تخلله عمله المبكر من صراعات مراكز القوى في مقرّ السفارة، وفي الوقت ذاته بداية تعرفه على شخصية الأمين العام للمنظمة الدولية، الذي أصبح لاحقًا رئيساً للنمسا “كورت فالدهايم”، ممّا أعاد لأذهان “نتنياهو” الإبن ما كان يلقّنه إياه “نتنياهو” الأب حول ما يزعم أنه اضطهاد اليهود في تلك الدولة في حقبة الثلاثينات من القرن العشرين، قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية.

تضع المؤلفة يدها على ما اعتبرته المهارات الذاتية ل”نتنياهو” فور وصوله إلى نيويورك، حيث بدأ بتحسين قدراته في مجال الاتصال، وفهم مدى قوة التلفزيون وفعاليته في مجال المعلومات، وبحث عن أفضل معلم يدربه أمام الكاميرا، وفي هذه اللحظة وصلت مستشارة الاتصال “ليليان وايلدر” التي علّمته أن يختصر الرسالة إلى أجزاء قصيرة، وإخراج المقاطع الصوتية، والتلاعب بالصوت، والجمع بين حركات اليد ولغة الجسد في الوقت المناسب، بجانب حقيقة تمتاز بروح الدعابة يذكرها الكتاب تتعلق بشائعة تتردد في الأوساط المحيطة بنتنياهو، وتتعلق بتعهده أن يمسك بيد “سارة” في كل مناسبة عامة.

على صعيد السياسة الداخلية “الإسرائيلية”، وبعد أن أنهى “نتنياهو” مهمته الدبلوماسية في نيويورك، بدأ يخوض معركته المبكرة مع رئيس الحكومة الراحل “إسحاق رابين” عقب التوقع على اتفاق “أوسلو”، مما دفع الأخير ورجاله إلى قيادة استراتيجية تشويه صورة “نتنياهو”، بهدف سدّ الفجوة التي نشأت في الاستطلاعات بسبب الهجمات الفلسطينية الاستشهادية، الأمر الذي أسفر عنه لاحقًا التحريض عليه، دون وصف “رابين” بـ”الخيانة”، وهو ما وقع فيه قادة اليمين، مما أدّى لاغتياله في النهاية.

  • انتصارات وهزائم:

ينتقل الكتاب في فصله الثالث إلى مسار “نتنياهو” السياسي والحزبي بين عامي 1996-2009، وهي السنوات التي شهدت ما يمكن تسميته بتصالحه مع اتفاقيات “أوسلو” من ناحية، ومن ناحية أخرى صدّ الضغوط الدولية، خاصة من الإدارات الأمريكية، للاستمرار قدمًا فيه، بحيث أوقف عملية “أوسلو”، ومنع إقامة دولة فلسطينية، وصولًا إلى حدث فك الارتباط، والانسحاب من قطاع غزة عام 2005، وهو الحدث الذي يشكّل مصدر إحراج له في أوساط اليمين، الذي يتهمه بعدم منع إجلاء المستوطنين من “غوش قطيف”، بل والتصويت لصالحه ثلاث مرات في الحكومة التي ترأسها “شارون”.

  • ائتلاف التناقضات:

تُعدّ قدرة “نتنياهو” على تشكيل تحالفات حزبية جمعت كل التناقضات: بين “الحريديم”، والمستوطنين، ومهاجري الاتحاد السوفياتي، واليهود الشرقيين، من القضايا المثيرة للاهتمام فيما يتعلق بأدائه خلال سنواته الطويلة في مقعد رئاسة الحكومة، فقد سعى من كل تحالف إلى تحقيق تطلعات كل فئة على حدة، أمّا على الصعيد السياسي، فقد هدف هو شخصيًا في النهاية إلى منع إقامة دولة فلسطينية.

على الصعيد الاقتصادي، لا تتردد الكاتبة في منح “نتنياهو” امتيازًا بتحويل دولة الاحتلال إلى قوة اقتصادية، وارتفاع نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي بشكل كبير خلال سنوات حكمه، وتحسين ظروف جميع “الإسرائيليين”، كما أصبحت قوة سياسية وعسكرية، دون إغفال الأوقات المضطربة التي عاشتها الدولة خلال سنواته الطويلة في سدّة الحكم، مما يفسح المجال لأن يكون الكتاب فرصة مناسبة لتحليل شخصية الرجل الأكثر هيمنة وغموضًا في النظام السياسي “الإسرائيلي”.

  • مهاجمة إيران:

على الصعيد الخارجي، توسّع الكتاب بالحديث عن عدم نجاح “نتنياهو” بتنفيذ تهديداته ضد إيران، حيث يلومه اليمين واليسار معاً لعدم جرأته في الهجوم، فرغم خطابه الحازم، إلّا أنّ التفاصيل التي قدمتها المؤلفة تكشف أنه دافع بقوة عن خياره العسكري، وهو ما أيّده فيه وزير حربه “باراك”، لكنهما واجها معارضة من وزراء الحكومة، ورؤساء المؤسسة العسكرية والأمنية، فضلًا عن الحاخام “عوفاديا يوسف”، لكنّ عجائب السياسة تدفع “باراك” إلى تغيير موقفه من هذه المسألة، ليس لقناعات موضوعية، ولكن لأنه أراد الانتقام من “نتنياهو” لعدم ترقيته سياسياً.

تتساءل المؤلفة: بالرغم من العدد الكبير من الجنرالات الكبار المحيطين بنتنياهو، إلّا أنّه يمكن القول أنّ الشخص الذي منعه من تنفيذ خططه بقصف إيران هو الحاخام “عوفاديا يوسف” زعيم حركة “شاس” الدينية، وقد حصل ذلك في الأيام الأخيرة من أكتوبر 2011، حين اختتم لقاءً في منزله مع رئيس بلدية نيويورك آنذاك “مايكل بلومبر”، أحد أغنى أثرياء العالم، ثم ذهب للقاء الحاخام “يوسف” 91 عامًا، وفيما أراد الحاخام تهنئة “نتنياهو” بعيد ميلاده الثاني والستين، ومباركة جهوده في إطلاق سراح “غلعاد شاليط” في صفقة التبادل مع حماس، فقد طلب الأخير ممن حوله في ذات الغرفة إطفاء كاميراتها، وطلب من مستشاريه مغادرتها، وبقي وحده مع الحاخام ووزيري “شاس”، وأوضح لهم أنّ إيران عند نقطة اللاعودة النووية، وفي غضون أيام قليلة سيتعين على حكومته اتخاذ قرار بالهجوم، لكنّ ردّ الحاخام جاء قاسياً، حين سأله عن موقف وزير الحرب السابق “موشيه يعلون”، الذي ربطته علاقة وثيقة مع الحاخام، وعلم “نتنياهو” أنّ “يعلون” مثل رؤساء الجهاز الأمني​​، يعارض الهجوم على إيران، وفهم أنّه لن يحصل على الضوء الأخضر في هذا الاجتماع.

  • كتاب مغلق:

تقول المؤلفة: “في نهاية عام 2014، بدا أنّ “نتنياهو” اقترب من نهايته السياسية، وبعد ثماني سنوات تراكمية من المنصب كان على وشك التنحي عنه، في ذلك الوقت اعتقدت أنّ الوقت مناسب للبدء في كتابة كتاب يلخص إنجازاته، ويحلل أسباب إخفاقاته، اعتقدت حينها أنّه سيكون مشروعًا بسيطًا نسبيًا، حيث قضيت ساعات طويلة معه، ورافقت جميع حملاته الانتخابية عن كثب، وتوقعت لحظات الاكتئاب والانتصارات، ولكن على عكس كل التوقعات، فقد هزم “نتنياهو” “يتسحاق هرتسوغ” في انتخابات 2015، وحينها اتخذ مشروع الكتاب اتجاهاً جديداً، واتضح لي أنني كلما بحثت أكثر، أصبح واضحًا لي أنّ “نتنياهو” ليس كتابًا مفتوحًا، على عكس ما كنت أعتقده”.

جمعت المؤلفة المزيد من المقابلات والمعلومات، وأدركت أنّ المهمة لن تكون سهلة، ومن أجل الوفاء بهذه المهمة المتمثلة بكتابة السيرة الذاتية، فقد قررت أن تجمع اللغز بنفسها، لكن لم يكن لديها فكرة أنّ الأمر سيستغرق منها سبع سنوات، لم تعرف أنّ الدولة ستقع في أزمة سياسية تاريخية بسبب وجود “نتنياهو”، ولذلك واجهت عددًا غير قليل من الأزمات في عملية الكتابة، وفي مرحلة معينة شعرت بأنها لا تستطيع الانتهاء منه، لأنها اكتشفت أنّ نتنياهو أبعد من مجرد ظاهرة سياسية، بل هو ظاهرة اجتماعية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى