في حوار مع د.رباب عبد الهادي: حركات التضامن مع فلسطين، التاريخ، التأثير، المستقبل
أجرى الحوار/ د. حسن عبيد
بعد السابع من أكتوبر العام الماضي، شهدت كثيرٌ من دول العالم حركةً تضامنيةً واسعةً مع الشعب الفلسطيني ومقاومته، التي تخوض غمار معركة طوفان الأقصى ضد الاحتلال الصهيوني. ونظرًا لأهميّة هذا الدور التضامني، عقد مركز رؤية للتنمية السياسية لقاء مع الأكاديمية الفلسطينية د.رباب عبد الهادي، وهي من أهم المثقفين المشتبكين والناشطين في العمل التضامني مع فلسطين، ومختصة في الدراسات العرقية والاستعمارية والمقاومة في الولايات المتحدة. عملت أستاذة في العديد من الجامعات والمعاهد الأمريكية، مثل جامعة ميشيغان وييل، وجامعة سان فرانسيسكو. وتعرّضت عبد الهادي، خلال ما يزيد عن 15 عامًا، للهجمات الصهيونية والعنصرية لتشويه لسمعتها، وتهديدات بالعنف، وتوجيه تهم ملفقة لها بغرض طردها من عملها، وأخطرها دعوى قضائية في المحكمة الفيدرالية. إلا أنّها انتصرت ضدّ هذه المحاولات كافّة، واستمرت في بناء برنامجها لتدريس فلسطين. كما ألّفت الكتب، وكتبت الدراسات والمقالات في مواضيع متعددة، منها التضامن، ومناهضة العنصرية، والحركة النسوية، وغيرها.
تبعًا لدورها البارز في تأسيس لجنة التضامن مع فلسطين، وفي عدد من اللجان والفعاليات التضامنية في الولايات المتحدة، عقد مركز رؤية هذه المقابلة مع الدكتورة رباب عبد الهادي؛ بهدف الوصول إلى فهم أعمق وأوسع لحركات التضامن مع فلسطين في الخارج، وكيفية تشكيل هذه الحركات، وتطورها عبر الزمن، وتصاعد دورها بعد السابع من أكتوبر. وقد طرح المركز عددًا من الأسئلة التي صيغت لفهم سياق حركات التضامن التاريخي، وتأثيرها، ومستقبلها. وجاءت المقابلة على النحو التالي:
باختصار، كيف يمكن تعريف حركات التضامن مع فلسطين؟
حركة التضامن مع فلسطين هي جزء لا يتجزأ من الحركة التضامنية العالمية، التي تشمل مجموعة من الحركات الاجتماعية المختلفة التي يناضل من أجلها المضطهدون في أماكن مختلفة من العالم، مثل: حركات السلام والعدالة، وحقوق السود، والعمال والمرأة، والمهمّشين والمضطهدين والمستعمَرين المنتشرة في العالم.
التضامن هي عملية جدلية مترابطة مع بعضها البعض؛ فهي تدعم الشعوب المستعمَرة الثائرة في صراعاتها ضد الاستعمار والقمع والعنصرية والاضطهاد من ناحية، ومن ناحية أخرى تتضامن معًا لتحقيق حريتها. أي إنّ حركات التضامن لا تطالب فقط بتسوية النزاعات، وإنما تنحاز إلى جانب الطرف المضطَهد.
تختلف التركيبات والقواعد في كل مجموعة عن الأخرى، وتعتمد هذه القواعد في تشكيلها للخطاب التضامني مع فلسطين على الفضاء الجغرافي الذي تتواجد فيه هذه المجموعات، وطبيعة ارتباطها مع القضية الفلسطينية، والتجارب النضالية التي مرت فيها هذه الشعوب. ويمكن لمس هذه الفروقات في آليات وحجم التضامن مع فلسطين بين الشعوب العربية والإسلامية، وشعوب العالم الثالث، والشعوب الغربية على الناحية الأخرى.
- ما الجذور التاريخيّة لحركات التضامن مع فلسطين، وما أبرز التحوّلات التي طرأت عليها؟
في التاريخ الحديث، برزت فكرة التضامن بشكل عام، خلال القرن التاسع عشر عبر حركات التضامن العمالية، التي أثّر عليها وجود المفكر كارل ماركس، حيث أصبحت حركة التضامن مع الوقت حركة عالمية تحت شعار “جرح لأحدنا هو جرح لنا جميعًا”، وتركزت هذه التحرّكات التضامنية ضمن صفوف العمال تحديدًا، في مختلف أماكن تواجدهم. قائد شيوعي آخر هو فلاديمير لينين تحدث عن حرية الشعوب في تقرير مصيرها، ودعا إلى استقلال الشعوب المستعمرة وحقها في الدفاع عن نفسها، وألّا تقتصر حركات التضامن على الحركة العمالية فقط.
يمكن إرجاع تاريخ حركة التضامن مع فلسطين إلى مؤتمر باكو الذي عقد عام 1920، وهو المؤتمر الذي دعا له الحزب الشيوعي السوفييتي وضم مجموعات يسارية وعمالية مختلفة حول العالم.
تعرقلت هذه الحركة التضامنية مع بروز القوة الصهيونية العمالية التي اعتمدت على رواية التضامن الأممي بين العمال، وفي نفس الوقت ساهمت في احتلال فلسطين، فأصبح هناك مجموعتا عمال في فلسطين، الأولى هي حركة الفلسطينيين أنفسهم الذين يفكرون بتحرير بلدهم من الغرباء المحتلين، والمجموعة الثانية هم العمال اليهود الصهاينة الذين احتلوا الأرض.
أثناء الحرب الأهلية الإسبانية، في الفترة الواقعة بين 18 تموز 1936 وحتى نيسان 1939، ناضل عدد كبير من الفلسطينيين إلى جانب الشعب الإسباني ضد ديكتاتورية “فرانثيسكو فرانكو”، ساهمت هذه المشاركة في تعزيز التضامن مع الشعب الفلسطيني في إسبانيا، إلا أن الحركة الصهيونية تمكنت من تعطيل حالة التضامن مع فلسطين وقتها.
يعتبر الشيخ عز الدين القسام من أبرز وجوه التضامن مع فلسطين، وهو الذي قدم من سوريا وقاد حرب عصابات ضد إسرائيل، تشبه إلى حد ما صورة مصغرة عما يحدث اليوم في غزة على صعيد حرب المجموعات المسلحة.
نشأت الكثير من حركات التضامن في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وفي أحضان الشعوب المقهورة والمقموعة، خصوصًا مع ظهور حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا، ومن ثم أميركا اللاتينية. وهذا ما ساهم في وحدة قتال الشعوب المستعمَرة ضد المستعمرين البريطانيين والفرنسيين، وقد كانت فلسطين آنذاك خاضعة للاستعمار البريطاني. وزاد زخم التضامن مع فلسطين بعد النكبة عام 1948.
استمر الدعم العالمي للقضية الفلسطينية على مدار السنوات اللاحقة، في مؤتمرات حركة عدم الانحياز، التي تأسست عام 1955 في مدينة باندونج في إندونيسيا، وتطرقت لقضية فلسطين؛ خاصة أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر كان من أهم قياداتها. وممّا يهمّ هنا أيضَا أن نذكر تشي جيفارا، أحد قادة الثورة العالمية، وزيارته لقطاع غزة عام 1959 دعمًا وتأييدًا للشعب الفلسطيني، وذلك بعد أشهر فقط من انتصار الثورة الكوبية، التي هزت الأمريكيتين، وما زالت شوكة في حلق الإمبريالية الأمريكية.
ظهرت، في الفترة ذاتها، منظمة التحرير الفلسطينية، والاتحاد العام لطلبة فلسطين، الذي لعب دورًا أساسيًا في رفع وعي وتنظيم الطلبة الفلسطينيين في العمل السياسي والفدائي، وبناء وتطوير حركات التضامن مع فلسطين، وكذلك لعب الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية دورًا مماثلًا، ولكنه لم يكن بمستوى الطلاب.
لعبت الصين دورًا كبيرًا في تدريب المقاتلين الفلسطينيين، كما دعمت الفلاحين الفلسطينيين حسب رؤيتها للماركسية، وطبيعة مجتمعها الفلاحي، وهذا ما جعل الصينيين أقرب لفلسطين، ومناهضين للصهيونية نوعًا ما. قبل أن يتخذ الاتحاد السوفييتي قرار الاعتراف بالمقاومة الفلسطينية، ومدّها بالسلاح والتدريب.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، قاتل المناضل الأميركي، مالكوم إكس، ضد العنصرية، ونصرة لحقوق السود، وناهض الحركة الصهيونية، ودعم الفلسطينيين. بالإضافة إلى حركة الفهود السود في أميركا، وكان أبوها الروحي روبرت إف ويليامز، الذي رفض الحركة الصهيونية ودعم فلسطين. تطورت هذه الحركات وبرزت بشكل كبير خلال فترة الستينيات مع ظهور حركة التحرر الوطني الفلسطيني.
ويجدر بالذكر أن مالكوم إكس وروبرت ويليامز لم يكونا الوحيدين في حركة السود الأميركيين الداعمين لنضال الشعب الفلسطيني، فلا ننسى مجموعة المثقفين والنشطاء والأكاديميين السود التي أصدرت أولى البيانات المتضامنة مع نضال الشعب الفلسطيني، في إعلانها في صحيفة النيويورك تايمز، في الأول من نوفمبر\تشرين الثاني عام 1970، والتي حددت بشكل واضح ارتباط تحرير فلسطين بتحرير إفريقيا من الاستعمار، وتحرير السود في أمريكا من تبعات العبودية والاستعمار. ويبرز هنا أيضًا دور الملاكم الأممي محمد علي كلاي، الذي أعلن رفض الخدمة العسكرية في فيتنام بتأثير من اعتناقه للإسلام، وعلاقته مع مالكوم إكس من ناحية، ونهوض الحركة الأمريكية المناهضة للحرب في فيتنام من ناحية أخرى.
حاربت بعض الدول الغربية القضية الفلسطينية؛ تحت شعار رفض الشيوعية، حيث كانت الدول الغربية تصوّر الشيوعية وحشًا يريد التهامها، والمقاومة الفلسطينية واجهةً للدول الاشتراكية، وخاصة الاتحاد السوفييتي، وكأن الشعب الفلسطيني ليس له قضية يدافع عنها، أو كأنّه لا يتمتع بالعقلانية، بل يقوده السوفييت كالغنم، تمامًا كما تحاول وسائل الإعلام الصهيونية والاستعمارية الغربية الادعاء بأن حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى لا تتحرك إلا بأمر إيران.
بعد عام 1967، اختلف الوضع تمامًا، بسبب مجموعة من التطورات على الساحة الفلسطينية، اتضحت معها ملامح حركة التضامن. فالسود الأميركيون والشعب الفيتنامي أعلنوا تضامنهم مع فلسطين، وكذلك الشعوب المساندة لحركات التحرر في فيتنام وكوبا أصبحوا جزءًا من التحالف مع الشعب الفلسطيني. هذه السردية ما زالت مغيّبة في تاريخ الحركات الأمريكية في الستينيات، والتي تتطلب منا أن نعيد تلك السرديات المتعلقة بفلسطين، ومقاومة السرديات الصهيونية والاستعمارية التي تحاول طمسها. ولا بد من التأكيد هنا على مركزية دور الشعب الفيتنامي في إعلان تضامنه مع فلسطين، ومعه الشعوب المساندة لحركات التحرر في فيتنام وكوبا التي انضمت إلى القوى المتحالفة مع الشعب الفلسطيني.
في الجزائر أيضًا، ساند الفلسطينيون والجزائريون بعضهم بعضًا خلال حرب تحرير الجزائر. أذكر مثلاً أن مدرستي الابتدائية في نابلس كانت تحمل اسم المناضلة الجزائرية جميلة بو حيرد، وكنا ننشد النشيد الوطني الجزائري في مدراسنا خلال تلك الفترة.
يتعمق ذلك أكثر مع النشاطات الفلسطينية كحركات ثورية مقاومة، فقد ساعدت الكثير من الشعوب الأخرى الفلسطينيين، ودربوهم، سواء من إيران أو لبنان أو غواتيمالا، وغيرها من الشعوب المقهورة في العالم.
لم تكن الدول الإسلامية معزولة عن التضامن مع فلسطين خلال تلك الفترة، عكس ما يروج له البعض أحيانً. وخير مثال، مؤتمر الوحدة الإفريقية، وحركة عدم الانحياز، ومنظمة التعاون الإسلامي، وغيرها من المنظمات الإسلامية، أو التي تضم دولًا إسلامية ساندت الشعب الفلسطيني في مسيرته النضالية.
- كيف تنظّم حركات التضامن نفسها، وهل لديها أجسام تنظيمية مشابهة للحركات الاجتماعية؟ وما أبرز مكوناتها؟
يعتمد بناء حركة التضامن على شكلين مختلفين، الأول هو وجود هيكلية تنظيمية واضحة بشكل هرمي، يكون لها قيادة مركزية، سواء داخل دولة أو قيادة عابرة للدول، وتتفرع إلى لجان، كل منها مختص بعمل محدد وواضح داخل كل جغرافيا محلية أو دولية، وغالبًا ما تكون على شكل تحالفات، مثل تحالف 29 نوفمبر، الذي بدأ من أجل بناء أكبر مسيرة تضامنية في العالم من أجل فلسطين، بتاريخ 29 نوفمبر 1981، وضم التحالف ما يزيد عن مئة منظمة وحركة تحرر، من فيتنام والسلفادور ونيكاراغوا وهايتي والمؤتمر الوطني الإفريقي، وتحالف باتريس، والحركات السوداء، والبرتوريكية، والكوبية، والكورية، واليهود المعادين للصهيونية. وغيرها الكثير من حركات التضامن، كان هذا التحالف لمرة واحدة، وأذكر أنني شاركت في هذه المسيرة.
بعد اجتياح لبنان عام 1982، أعاد اللبنانيون والفلسطينيون إحياء هذه الحركة؛ دعمًا للشعب اللبناني والفلسطيني ورفضًا للاجتياح، وأصبح هذا التحالف يقود كل حركة التضامن ضد قصف بيروت واجتياحها، ورغم ذلك لم تستطع حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني آنذاك أن تفرض نفسها على الحركات الاحتجاجية الأخرى، مثل حركة السلام الأمريكية، التي نظمت مظاهرة شارك بها مليون شخص في أكبر حديقة عامة في مدينة نيويورك في 12 يونيو\حزيران (1982)، ضد التسلح النووي، لكنّ منظّميها رفضوا مشاركة متحدّثين فلسطينيين أو لبنانيين، رغم أن بيروت كانت تتعرض للقصف الوحشي الصهيوني، ورغم أن جميع الأطراف القيادية لهذا التحالف السلمي كانوا على اطّلاع ببرنامج التسلّح النووي الإسرائيلي، ولكنّ ولاءهم للصهيونية من ناحية، والإرث المكارثي من ناحية أخرى، دفعهم بإصرار إلى إسكات الأفواه العربية. وقد رفض البروفيسور نعوم تشومسكي Noam Chomsky، أستاذ اللغات الشهير في جامعة آل MIT، المشاركة تحت هذه الظروف، وانتقدهم علنيًا.
وأصبح تحالف 29 نوفمبر يقود كل حركة التضامن ضد قصف بيروت واجتياحها. وقد ظهرت في تلك الفترة منظمات وحركات أخرى مثل: اليهود ضد المجزرة الإسرائيلية في لبنان (Jews Against the Israeli Massacre in Lebanon, JAIMIL)، التي أسسها مجموعة من النشطاء: كاريال سولسمان (Ariel Salzman) وجيل ليرنار (Gail Lerner) والبروفيسور ستيوارت شار (Stuart Shaar)، الذي كان أحد رفاق المهدي بن بركة، ونورمان فيلكنستاين (Norman Finkelstein)، ومن أبرز فعالياتهم الاعتصام داخل البعثة الإسرائيلية لدى الأمم المتحدة في نيويورك.
وتم تغيير اسم التحالف إلى لجنة التضامن مع الشعب الفلسطيني عام 1983، التي استمرت في نشاطها حتى توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1994، وتحولت تنظيميًا من تحالف مكون من منظمات مختلفة إلى مؤسسة واحدة، عضويتها منتظمة، وقيادتها موحدة، ولها فروع تعمل على نشاطات مختلفة، مثل مسيرات الشموع، ونشاطات بالجامعات، والتحالف مع الكنائس واليهود المعادين للصهيونية، والسكان الأصليين، والسود، وغيرها من التشكيلات. ومن أهم النشاطات الكبرى التي قمنا بها كانت حملة “إسرائيل وجنوب إفريقيا: نظام الأبارتهايد الترابط؟” Israel and South Africa: The Apartheid Connection عام 1985 بالمشاركة مع المجلس الوطني الإفريقي (ANC).
الشكل الثاني هو قيادة أفقية بنظرة أناركية “فوضوية”، مثل “حركة التضامن العالمية” التي كانت بلا قيادة واضحة، بل يمارس الجميع دورهم بما تمليه عليهم رغبتهم، وحسب ما يرون دورهم. قدّم هذا الحراك دعمه للشعب الفلسطيني خلال الانتفاضة الأولى والثانية، وكان منهم الناشطة الأميركية راشيل كوري، التي قتلها الاحتلال في قطاع غزة عام 2003.
معظم حركات التضامن مع فلسطين تعتمد في تمويلها بشكل أساسي على الدعم المحلي والتبرعات، وهو ما يؤثر أحيانًا على طبيعة عملها بسبب قلة الموارد، بالإضافة إلى التمويل غير المحدود للجماعات الداعمة للحركة الصهيونية، أو الحركات الأخرى، التي تساوي بين الفلسطيني والصهيوني، فتغدو غير مستقلة بقرارها.
- لقد شاهدنا تطورًا وزخمًا في حركات التضامن العالمية بعد السابع من أكتوبر، فأين تنشط هذه الحركات، وما تفسيرات ذلك؟
لا يمكن فهم الزخم الكبير للتضامن مع فلسطين خلال معركة طوفان الأقصى بمعزل عن سياق عمل وجهد طويل على مدار ستٍ وسبعين عامًا، ساهم بشكل كبير، وبطريقة تراكمية، في زيادة فعالية وتأثير حركة التضامن مع فلسطين في العالم.
شكّلت حرب عام 2014 نقطة محورية على صعيد إحياء حركة التضامن، خصوصًا مع صمود المقاومة الطويل، والمجازر الإسرائيلية المرتكبة بحق الفلسطينيين، على إثر ذلك وقف العالم كله لدعم فلسطين خلال المعركة.
كان هناك تحالفات مع حركات ترفض الإسلاموفوبيا والعنصرية، إضافة إلى جماعات أخرى تناضل من أجل حقوقها وحقوق المضطهدين في العالم. تمكنت حركة التضامن مع فلسطين من تحريك كل هذه الجماعات بهدف التضامن مع فلسطين. وهذا ما ساعد في ظهور حركة تضامن قوية بعد السابع من أكتوبر.
أدّت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا نوعيًا في نشر الفيديوهات والمقاطع التي توضح ما يحصل على الأرض بلا رقيب. وهي بذلك قد تجاوزت معضلة الإعلام المأجور أو المؤدلج في الغرب، وتمكنت من إيصال الحقيقة الواضحة، ليشاهدها الجميع أينما وجدوا في العالم، ما ساهم في تحريك الشعوب الحرة باتجاه التضامن مع الشعب الفلسطيني، وخصوصًا في قطاع غزة.
ظهور حركة حماس كلاعب أساسي في الانتفاضة الأولى، ومن ثم دورها الكبير في الانتفاضة الثانية، أضفى تعددية سياسية وفكرية على الساحة السياسية الفلسطينية، التي لم تعد مقتصرة على فتح والحركات اليسارية، بل أضيف إليها الحركة الإسلامية المقاومة؛ ما شجّع الكثير من الإسلاميين في العالم على المشاركة، وتنظيم صفوفهم ضمن حركة تضامنية واسعة مع فلسطين.
بروز حركة ال BDS بعد تأسيسها عام 2005، ودورها العالمي في مقاطعة إسرائيل، وكل ما يدعمها ويمولها ويرعاها في العالم، ساهم في تعزيز حركة التضامن في العالم، التي أصبحت تملك قوة اقتصادية قد تجبر بعض الشركات والمؤسسات على وقف دعم إسرائيل، ما ساهم في تقوية حركة التضامن.
هيّأت هذه التراكمات إلى ما سيحدث بعد السابع من أكتوبر، فالكثير من المجموعات الفلسطينية، وغير الفلسطينية، في الغرب رفضت إدانة حركة حماس. ونحن في لجنة التضامن مع الشعب الفلسطيني تمسكنا بخطاب داعم للمقاومة. كما أجمعت مختلف القوى والجماعات التضامنية على التضامن مع فلسطين، ودحض الادّعاءات الكاذبة، التي ظهر زيفها، ضد حركة حماس في اغتصاب النساء، وتقطيع الأطفال.
التضامن العام مع تحرّر الشعب الفلسطيني، وضد العنصرية وضد الاستعمار، وتحت شعار وحدة الأرض ووحدة الشعب ووحدة القضية، كان خطابًا محاصرًا ومعزولًا في الغرب، لكنّ التراكمات السابقة أدت إلى إعادة هذا الشعار إلى الواجهة مرة أخرى، وحشد التضامن مع فلسطين.
- ما أبرز المضامين الخطابية التي تستند عليها حركات التضامن مع فلسطين، كيف ترى القضية الفلسطينية، وكيف ترى أحداث السابع من أكتوبر؟
تتعدد المضامين الخطابية التي تستخدمها مجموعات التضامن مع الشعب الفلسطيني، أغلبها يدور بشكل أساسي حول صياغة الخطاب الفلسطيني الذي يطالب بالعدالة، تحديدًا ربط فكرة العدالة من أجل فلسطين بفكرة أوسع وأشمل، وهي العدالة من أجل كل الشعوب المقهورة والمظلومة في العالم.
يتنبه الحراك لمسألة أساسية مهمة، وهي خطابه الرافض لكل أشكال العنصرية ضد أي جماعة أخرى لأي مبرر، حتى اليهود أنفسهم. ويركز في خطابه على رفض وجود الكيان الصهيوني، والحركة الصهيونية العالمية.
ركز الخطاب التضامني على شعارات واضحة وبسيطة، وحاول حشد الدعم خلفها، مثل شعار “من حق الشعب الفلسطيني الدفاع عن نفسه ضد القمع والظلم”، و”الحق في العودة إلى فلسطين التاريخية كلها”.
وحتى قبل السابع من أكتوبر بسنوات، تركّز الشعار الأساسي لجماعات التضامن مع فلسطين حول خطاب التحرير الكامل لأرض فلسطين، حيث يمثل شعار “من البحر إلى النهر” محور شعارات وخطاب حركة التضامن، والذي أصبح ممنوعًا في عدة دول.
يتنوع الخطاب بين جماعات التضامن المختلفة، حيث تركز بعض الحركات على التضامن مع الفلسطينيين والصهاينة على حد سواء، مما يتجاهل ويبرر لتاريخ طويل من اضطهاد فلسطين واستعمارها، ويساوي بين الجلاد والضحية، بل ويرفض حق الشعب الفلسطيني في المقاومة دفاعًا عن نفسه، لجنة التضامن مع فلسطين كانت تختلف عن هذه الجماعات، ولكنها تضطر أحيانًا للتعاون معها.
وإضافة الى أهمية التأكيد على الخطاب السياسي المناهض لمظاهر الاستعمار كافّة، لابد أيضًا من أن تهذب المقاومة من خطابها، وتتخلص من مصطلحات الإرث الاستعماري. مثل تكرار جملة “تبييض السجون”، التي تظهر الأبيض وكأنه اللون الإيجابي وما غيره ألوان دونية، حيث تحتوي هذه المقولة على نظرة عنصرية للشعوب الملونة، وخصوصًا المتضامنين السود الذين أبدوا انزعاجهم من جمل كهذه.
- ما هي التحديات التي تواجه حركات التضامن العالمية؟ على المستوى الرسمي وعلى مستوى التنظيم؟
واجهت الحركة التضامنية مع فلسطين عدة مشاكل ومصاعب مختلفة، وتعرضت لتضييقات كثيرة على مر الزمن. ولعل اعتراف الاتحاد السوفييتي وزعيمه ستالين بإسرائيل منذ قيامها كان ضربة قوية لحركة التضامن مع فلسطين في ذلك الوقت، حيث اعتبر ستالين أن الكيان الصهيوني يعبر عن شروط الأمة التي يمكن أن تساهم في دعم الحركة العمالية العالمية التي كان يحلم بها.
كذلك ساهمت النظرة الاستشراقية السوفييتية تجاه فلسطين في صياغة تعاون بينهم وبين الحركة العمالية الصهيونية، فقد كانت نظرة السوفييت للفلسطينيين في ذلك الوقت بأنهم ليسوا أكثر من شعب متخلف رجعي، بينما يمكن أن تلعب الحركة الصهيونية دورًا في تسريع عجلة ظهور الاشتراكية وانتشارها في العالم.
بعد ذلك بسنوات دعم الاتحاد السوفييتي الحركات اليسارية الفلسطينية، فربطت بعض الدول الغربية موضوع التضامن مع فلسطين بموضوع دعم الشيوعية، حيث كانت الدول الغربية تتعامل مع الشيوعية كوحش يريد التهامها، بالتالي يمكن ربط أي حركة لا يرغبون بها بهذا الوحش؛ حتى يبتعد من حولها الناس. في الولايات المتحدة مثلًا، ظهر عداء كبير للشيوعية، وكانت كل حركة تضامنية مع فلسطين يقابلها مسيرات دعمًا للصهيونية، لا لشيء، إنما نكاية بالشيوعية، وهذا ما عززته الحركة الصهيونية نفسها في المجتمع الأميركي.
بعد الثورة الإسلامية في إيران، أصبح العدو الأساسي هو الإسلام، وبدأت ظاهرة الإسلاموفوبيا بالتشكل في الولايات المتحدة. أظهرت إيران كذلك عداءً كبيرًا للأميركيين بعد الثورة، خصوصًا بعد أحداث اقتحام السفارة الأميركية في طهران، واعتقال أفراد من السي أي إيه. أثر ذلك، بشكل أو بآخر، على التضامن مع الشعب الفلسطيني.
في الدول العربية نُظّمَت مسيرات ومظاهرات للتضامن مع فلسطين، وكانت الأنظمة العربية تفتح المجال أمام هذه الحركات التضامنية فقط لتفريغ غضب الناس بالقدر الذي يجعلهم لا ينقلبون على حكومتهم، بينما لم تكن إسرائيل عدوًا حقيقيًا لهم. فاعتقلت الكثير من النشطاء في مجال التضامن، أو على الأقل حدّت من دور حركات التضامن في دولها.
واجه المتضامنون مع فلسطين في الخارج تهديدات بالإخفاء القسري والقتل والملاحقة، بالإضافة إلى محاولات مختلفة لعزل الخطاب الفلسطيني المقاوم، ومحاولة التحكم بالخطاب ليبدو مساويًا بين الصهيونية وبين الشعب المحتل. كما تعرضت حركات التضامن لهجمات متعددة في مختلف الدول، سواء من الحركة الصهيونية أو الحكومة المحلية أو الشرطة، وعُطِّلت العديد من فعاليات التضامن مع فلسطين.
أدّت حركة التحرر الفلسطينية نفسها دورًا هامًا في حشد التضامن العالمي مع القضية الفلسطينية، ومع دخول منظمة التحرير نفق أوسلو، تلاشت جهود سنوات من العمل التضامني بسبب اللقاءات التطبيعية بين قيادات المنظمة مع القيادات الصهيونية، بالإضافة إلى تحجيم الخطاب المطالب بفلسطين من البحر إلى النهر، ليتحول إلى خطاب يطالب بدولة على حدود عام 1967 إلى جانب دولة صهيونية؛ ما عقّد مهمة لجنة التضامن مع الشعب الفلسطيني في حشد الدعم لأفكارها وخطابها.
- ما أبرز النتائج التي حققتها حركات التضامن بعد السابع من أكتوبر؟
تنامت حركة التضامن مع فلسطين بعد معركة طوفان الأقصى، وأصبح لها زخم كبير في الشارع الأمريكي والغربي، وتصاعد الخطاب التضامني مع فلسطين بشكل كبير فيها، رغم تعرضها لتحريض واسع، ومهاجمة الفلسطينيين في شوارع الولايات المتحدة، مثل حادثة إطلاق نار على ثلاثة طلاب فلسطينيين لمجرد كلامهم مع بعضهم البعض باللغة العربية، وارتدائهم الكوفية الفلسطينية، كما طعن طفل فلسطيني.
هناك حالة استقطاب عالية في الولايات المتحدة الأميركية بين الجماعات العنصرية الداعمة للحركة الصهيونية، التي تستحوذ على نسبة كبيرة من سوق العمل والأموال في الولايات المتحدة، وبين الجماعات الأخرى المتضامنة مع الشعب فلسطين، ومع قضية العدالة مثل جماعات السود واللاتينيين والسكان الأصليين وغيرهم.
مقاومة الشعب الفلسطيني وصموده ومطالبته المستمرة بحقوقه ساهمت بشكل كبير في تضامن الناس وثقتهم في انتصار الثورة الفلسطينية، وتحدي النظرة الانهزامية التي يحاول العنصريون والصهاينة غرسها في المجتمع.
حصدت لجنة التضامن مع فلسطين نتيجة عملها وجهدها الطويل من العمل التضامني مع فلسطين، وبنائها لتحالفات مع مختلف الحركات التحررية والمناهضة للعنصرية في العالم.
- كيف يمكن أن تكون حركات التضامن فعّالة وذات تأثير بعيد المدى وبالذات بعد الحرب؟
باعتقادي أن النقطة المركزية هي كيفية تحقيق الانسجام ما بين ثلاثية خطاب واستراتيجية وفعاليات العمل التضامني. إن العمل التضامني، بلا شك، على الصعيد الأممي قد قطع مسافات شاسعة في الربط ما بين هذه الثلاثية. فقد ركزت حركات التضامن على خطاب العدالة للشعب الفلسطيني، والعدالة للشعوب المقهورة التي تسعى للتحرر من العنصرية والاستعباد والظلم، بالإضافة إلى تجاهل الخطاب الذي يصف الشعب الفلسطيني بأنه الوحيد المستعمر في العالم، أو أنّه يقاتل وحده، ولا أحد يتضامن معه من حوله وكأنه يترك للموت، وهذا خطاب غير حقيقي؛ يهدف لزعزعة حركة التضامن مع فلسطين.
كل حركة تضامنية أو ثورية لها خصوصيتها، ولكن هذا لا يعطيها الاستثنائية عن الحركات الأخرى، إنما يصطف الجميع في خندق واحد ضد العنصرية والاحتلال. حين يناضل الفلسطيني من أجل حقوقه لا يجب أن يغفل عن نضال السود أو نضال المرأة. لجنة التضامن مع فلسطين تتضامن بدورها مع مختلف القضايا المناهضة للعنصرية والاستعمار، بنفس القدر الذي تتضامن فيه مع قضية فلسطين، ولكنها بنفس الوقت تتمسك برفضها المطلق للحركة الصهيونية وأعمالها المجرمة.
خلال معركة طوفان الأقصى لم يتوقف الناس عن التضامن بشكل واسع مع فلسطين، فجميع المسيرات التي أعلن عنها حشدت جموعًا بشرية كبيرة، وأضحى الكثير من الناس مستعدين للتضحية بوقتهم وأعمالهم في سبيل دعم الشعب الفلسطيني وإسناده.
- هل متوقع أن تخفت حركات التضامن خاصة بعد الحرب؟
لا أعتقد أن الحالة النوعية لمعركة طوفان الأقصى يمكن محوها من ضمير ووعي الإنسانية. فعلينا ألّا نستهين بصمود مجموعة قليلة من المقاتلين المحاصرين لسنوات طويلة، وقدرتهم رغم إمكانياتهم القتالية البسيطة على إحباط مخططات جيش نظامي يمتلك أحدث ترسانة من أسلحة الدمار البشري. إن هذا الصمود من ناحية، وفظاعات الاحتلال وانتقامه من شعب شبه أعزل من ناحية أخرى، ساهم بشكل مباشر في تعاطف وتضامن أممي واسع مع الشعب الفلسطيني.
ولكن من الطبيعي أن نتوقع أن النشطاء الذين يناضلون بشكل تطوعي لن يستطيعوا الاستمرار في تنظيم المظاهرات والفعاليات اليومية. وأتوقع أن يتحول شكل العمل التضامني من التظاهر بالشارع كل يوم إلى حملات طويلة المدى، كتنظيم حركات المقاطعة، وتكثيف التوعية بالقضية الفلسطينية، والمساهمة في معسكرات بناء غزة، كتلك التي قامت بها الثورة الكوبية منذ عام 1969 من خلال معسكرات العمل “سننتصر” Venceremos Brigade، مما يساهم ماديًا في محو آثار العدوان، ويوفر التفاعل اليومي مع الشعب الفلسطيني لتضميد جراحه ودفع الضريبة الإنسانية (وليس الشفقة) كجزء من التعويض عن أموال الضرائب التي تحولها الدول الاستعمارية للسلاح القاتل.
Venceremos Brigade
ولهذا فمن المهمات الملحة والاستراتيجية الآن تحقيق أكبر قدر من الإنجازات الدائمة، لما يخدم مصلحة العدالة لفلسطين والشعوب المقهورة الأخرى. ومن ضمن هذه الإنجازات تثبيت تدريس فلسطين في المناهج الدراسية على جميع الأصعدة من المدارس الابتدائية وحتى رسائل الدكتوراه؛ حتى لا تفرض السردية الصهيونية الكاذبة نفسها. كذلك من الضروري محاربة القوانين التعسفية التي تفرضها المؤسسات الأكاديمية والحكومية والخاصة لقمع وتجريم أصوات المعارضة لسياسات الاحتلال. وتتضمن الإنجازات التي يمكننا تحقيقها الآن، كمحاسبة ومعاقبة مجرمي الحرب، خصوصًا أن مشاهد الإبادة الجماعية لم تخفت في ذاكرة الإنسانية. وأخيرًا، فإنّ الالتزام بمقاطعة جميع مؤسسات الاحتلال، أينما كانت، من شأنه أن يعزز من عزلة الاحتلال.
- كيف أثرت حركات التضامن على الاحتلال الإسرائيلي، وما تأثيراتها المستقبلية على الاحتلال؟
نشاطات اليهود المعادين للصهيونية كانت مؤثرة جدًا في حركة التضامن مع فلسطين خلال الطوفان، حيث احتلوا الكونغرس، وتمثال الحرية، وأكبر جسر في كاليفورنيا، ومبنى بلومبيرغ وغيرها الكثير من الأماكن. وتكمن أهمية ذلك كون الحركة الصهيونية تدّعي أنها تمثل يهود العالم، ولكن هذه الحركة اليهودية التي تعتبر أنّ ما يحصل في فلسطين من قمع وجرائم لا يحصل باسم اليهود. كما أنهم يستخدمون امتيازاتهم المالية والاجتماعية لدعم قضية الشعب الفلسطيني، ودحض الرواية الصهيونية تحت شعار “المحرقة لن تتكرر لأحد”، ويلبسون ملابس تحمل شعارات مثل: “من البحر إلى النهر” أو “يهود لوقف إطلاق النار” أو ” يهود ضد الاحتلال” أو “ليس في اسمنا” وشعارات أخرى تضامنية.
يؤثر هذا بشكل واسع على صورة الكيان الصهيوني، ويفقده أحد مرتكزاته الأساسية، ويحرمه من استغلال سردية المحرقة في كل هجوم يطاله. ويضغط باتجاه رواية أخرى تطالب بحرية الشعب الفلسطيني، وحرية أرض فلسطين من اليهود أنفسهم الذين يرفضون الصهيونية.
كذلك يضغط الكثير من الأميركيين على دولتهم لوقف الحرب، ووقف التمويل غير المشروط لإسرائيل، سواء المالي أو العسكري أو السياسي، ما يجعل الخطاب السائد نوعًا ما هو خطاب داعم لفلسطين، ورافض للصهيونية، وهو ما قد يؤثر في السياسة الأميركية مستقبلًا تجاه القضية الفلسطينية.
تبرز كذلك السردية الفلسطينية التاريخية التي تقول بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحريته واستقلاله واستعادة أراضيه التي اغتصبت عام 1948، عن طريق المقاومة والنضال المستمر الذي لا يتوقف على مدار التاريخ، في مقابل الرواية الصهيونية التي ظهر زيفها وكذبها مع حجم الجرائم المرتكبة في قطاع غزة، ومع ظهور الكثير من القصص والروايات المناهضة للرواية الصهيونية.