مقالات

تقارب حركتي فتح وحماس: توجس فلسطيني وتخوف إسرائيلي

الكاتب : أيمن دراغمة 

شكّل المؤتمر المشترك الذي عُقد في 2 تموز/ يوليو الجاري، بين عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وأمين سرها اللواء جبريل الرجوب، وبين نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشيخ صالح العاروري، مفاجأة للرأي العام الفلسطيني، وخبرًا عاجلًا من العيار الثقيل للطرف الإسرائيلي، حيث تم الإعلان من قبل الحركتين، عن الاتفاق على العمل المشترك، لمواجهة خطة الضم، والوقوف معا في مواجهة صفقة القرن.

عكست الجدية والمسؤولية العالية في كلمات الرجوب والعاروري، واللذين لهما وزنهما في الحركتين، المستوى المتقدم الذي تم التوصل إليه من تفاهمات. وأكد ترحيب كل من رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، جدية الاتفاق. فقد أشار اشتية إلى أن المؤتمر المشترك هو نتيجة تراكمية لسلسلة من اللقاءات بين الحركتين، وبتوجيهات ومتابعة حثيثة من الرئيس محمود عباس. الأمر نفسه أكده إسماعيل هنية، الذي اعتبر المؤتمر المشترك للحركتين “خطوة متقدمة نحو تحقيق وحدة الموقف، لمواجهة مخططات العدو، التي ترمي إلى تصفية القضية الفلسطينية”.

حاز المؤتمر على مباركة فصائلية أيضا، وترحيب شعبي حذر ومتوجس، مسكونًا بالتجارب الفاشلة لجهود المصالحة، بالرغم من حرص الرجوب والعاروري على إرسال رسائل إيجابية للجمهور الفلسطيني، تؤكد له تجميد الخلافات، والتفرغ لمواجهة متطلبات المرحلة، من خلال استراتيجية موحدة لمقاومة مشروع الضم، وإسقاط صفقة القرن.

على الجانب الآخر، كان المؤتمر بمثابة قنبلة من العيار الثقيل لدى السياسيين الإسرائيليين، الذين تلقوا خبر اللقاء بقلق، وهو الأمر الذي أشغل أيضا عناوين الصحافة الإسرائيلية، خاصة في ظل ارتباك الاحتلال في تطبيق خطة الضم.

تقارب مطلوب في  توقيت هام

عبر سنوات سابقة، تكررت جهود المصالحة الفلسطينية، وتكررت اللقاءات في عواصم ومحطات مختلفة، وتم التوصل لمراحل متقدمة من التفاهمات، أفضى بعضها إلى التوقيع على اتفاقيات شاملة وقابلة للتنفيذ، وكان يلزمها وضع خارطة طريق زمنية، للبدء بالخطوة الأولى على طريق تحقيق الوحدة، ولكن، ولأسباب متعددة داخلية وخارجية، لم تتكلل تلك الجهود بالنجاح المطلوب.

حفلت العلاقة بين الحركتين بمحطات تاريخية هامة من العمل المشترك، خاصة العمل الميداني خلال الانتفاضة الأولى “انتفاضة الحجارة”، والانتفاضة الثانية “انتفاضة الأقصى”. لكن، ولغياب رؤية استراتيجة متفق عليها، وعدم الاتفاق على أسس وإطار الشراكة الحقيقية، لم تتمكن الحركتان من الوصول إلى اتفاق شراكة وطنية، بل لم تستطيعا تلافي الخلاف الحاد والعنيف، الذي وصل إلى مرحلة الصدام في عدة محطات، كان أخطرها ما حدث في غزة عام 2007، على إثر الفلتان الأمني الذي ساد القطاع بعد فوز حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي، وتشكيلها الحكومة العاشرة، حيث تطورت الأحداث إلى قتال مسلح بين الحركتين، انتهى بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة، وسيطرة حركة فتح على الضفة الغربية، وتبع ذلك قطيعة في العلاقات، وسلسلة من الإجراءات العقابية المتبادلة في الضفة والقطاع، والتي ما زالت مستمرة منذ ثلاثة عشر عامًا.

وقد صاحب هذه الفترة الطويلة اتهامات متبادلة، وصلت لدرجة شيطنة الآخر، وإخراجه عن الصف الوطني. لقد ساهمت سنوات الانقسام، وما صاحبها من إجراءات وسياسات، وحملات إعلامية متبادلة، في نشر ثقافة الكراهية ورفض الآخر، باستخدام ما يملكه كل طرف من أوراق ضغط. ففتح في الضفة، هي حزب السلطة، وتمسك بمقاليد الحكومة ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومواردها المالية، وعلاقاتها الدبلوماسية والدولية، والتي تم تسخيرها في رفع أسهم فتح، مقابل إضعاف حركة حماس، والضغط عليها. وحماس تدير أمور السلطة في قطاع غزة، ولديها قوة عسكرية مجربة، استطاعت الصمود أمام عدوان الاحتلال الإسرائيلي في ثلاث حروب، ونجحت في كسر نظرية الجيش الذي لا يُقهر، وكان لها السبق في تحقيق توازن الرعب مع الاحتلال نوعا ما، وهي التي فازت في انتخابات المجلس التشريعي الأخيرة عام 2006، التي تراجعت فيها حركة فتح. كان الخلاف سيد الموقف في طبيعة العلاقة بين الحركتين طيلة سنوات الانقسام الثلاثة عشر، واستمرت سياسة عض الأصابع، والمراهنة على إضعاف الآخر، أملًا في خضوعه وتغيير مواقفه. في الوقت الذي لم تستطع فيه فصائل وأحزاب العمل الوطني الفلسطيني الأخرى، ولا المستقلون، كسر قطبية المشهد السياسي المنقسم، وخلخلة تحكّم فتح وحماس بمفاصل العمل الوطني، واحتكار التمثيل الشعبي. كذلك لم تفلح جميع حهود الوساطة العربية والدولية، ولأسباب متعددة، في إنهاء الخلاف، وفرض المصالحة، وتحقيق الوحدة.

إن ما شهدته القضية الفلسطينية من تراجع داخلي وخارجي بسبب الانقسام، يحمّل الحركتين المسؤولية عن ذلك في نظر الشارع والفصائل الأخرى، والتي واصلت، ومعها الشخصيات المستقلة، إلقاء اللوم على الانقسام في كل شأن، مع مطالبة الحركتين بإنهاء الانقسام، والتوحد في مواجهة صفقة القرن، ومقاومة سياسات الاحتلال.

في المقابل، نجح نتنياهو في تشكيل تحالف مع بيني غانتس زعيم حزب “أبيض أزرق”، وأراد أن يستغل الظروف المواتية، وأن يفي بوعوده الانتخابية، بإعلان ضم أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن والمستوطنات، معتمدًا على ما تم التوافق عليه مع حزب “أزرق أبيض” في هذا الشأن، والذي يقضي بضم ما لا يقل عن 30% من مساحة الضفة الغربية، بغية تحقيق سبق تاريخي، وفرض الأمر الواقع، مستغلين الظروف الدولية والإقليمية المواتية، وحالة الضعف الفلسطيني.

هذه السياسة المتطرفة والهوجاء، وضعت الكل الفلسطيني أمام استحقاق هام، بل اعتبر البعض أن عملية الضم لا تقل خطرًا عن هزيمة 1967، وأن تحديد موعد الضم، والإعلان عن تفاصيله، لم تترك عذرًا للفلسطينيين، وطرحت أسئلة مباشرة على الكل الفلسطيني: كيف سيواجه كل طرف مخططات الاحتلال؟ وما قيمة السلطة في حال تم ضم هذه المناطق الاستراتيجية؟ وما مبرر وجود الفصائل إذا لم تقم بواجبها في مقاومة الاحتلال وسياساته؟ الأمر الذي وضع السلطة الفلسطينية وحركتي فتح وحماس، أمام سؤال صعب. فالسلطة، والتي وُلدت من رحم أوسلو، وكانت تراهن على تغير سياسة الإدارة الأمريكية في عهد ترامب، لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية من خلال حل الدولتين، فوجئت بتطرف ترامب، وانحيازه بشكل سافر للطرف الإسرائيلي، بل ومحاولته فرض الحل على الطرف الضعيف، بمساعدة عربية وإقليمية. وقد حاولت القيادة الفلسطينية إقناع الإدارة الأمريكية بخطورة هذه السياسة، وبذلت، بطرق مباشرة وغير مباشرة، جهودًا من أجل تعديل بنود الصفقة، ولكن قوبلت بتصلب الموقف الأمريكي. هذا الحال وضع حركة فتح أمام منعطف تاريخي بعد أن وصلت إلى طريق مسدود، وانتهى خيار السلام بخارطة ترامب، التي تعطي الفلسطينيين حكمًا إداريًا في أجزاء من الضفة الغربية، على شكل كانتونات منفصلة أشبه ما تكون بمعازل، ونسفت مبدأ حل الدولتين، وأوجدت حقائق على الأرض تحول دون قيام دولة فلسطينية مستقلة.

إن التطرف الذي مارسته حكومة نتنياهو، ومخطط الضم الجديد بالتحالف مع غانتس، من خلال محاولة فرض الرؤية الإسرائيلية على الطرف الفلسطيني، وإرغامه على القبول بالأمر الواقع، وسط دعم لا محدود من ترامب، وصمت المجتمع الدولي، وتخاذل الموقف العربي، وضع حركة فتح أمام مفترق طرق، فاختارت الشراكة مع حركة حماس بدلًا من الاستسلام. كما أن حركة حماس اختارت نفس الطريق، فهي تعاني من ظروف موضوعية صعبة، حيث إن نشاطها في الضفة الغربية محظور، وقطاع غزة يعاني من حصار مشدد، وشح في الموارد المالية، وانسداد أفق رفع الحصار. وعليه، فإن المصالحة مع فتح قد تشكل فرصة لتحسين الأوضاع، وتساهم في إذابة التكلس في العلاقات الوطنية، إلى جانب الأهداف البعيدة، المتمثلة في دخول مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، والمشاركة بشكل رسمي في النظام السياسي الفلسطيني.

لقد حاولت حركتا فتح وحماس مواجهة مشروع الضم كل بطريقته، وبشكل منفرد، فقامت السلطة الفلسطينية بوضع خطة من خلال تحرك دولي وأممي للضغط على الاحتلال، إضافة إلى حشد الدعم الدولي والعربي والشعبي، من خلال المؤتمرات الرسمية والشعبية، وأرسلت رسائل تحذير مباشرة للاحتلال، من خلال التهديد بحل السلطة، واتخذت قرارًا بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال. في المقابل، قامت حركة حماس بنشاط إعلامي ودبلوماسي لحشد الدعم لمواجهة خطة الضم، وقام جناحها العسكري بإطلاق عدد من الصواريخ بعيدة المدى في البحر كرسائل تحذيرية، وكإعلان عن الجاهزية والاستعداد للمواجهة، وأعلن المتحدث الرسمي باسم كتائب القسام، أن الضم هو بمثابة إعلان حرب من طرف الاحتلال.

ترحيب فلسطيني متوجس

بالرغم من حرص الحركتين على إعلان التفاهمات من خلال مستوى قيادي رفيع، وبشكل مباشر، في محاولة لطمأنة الشارع، وإقناعه بجدية التفاهمات، وجاهزية القيادة لترجمتها إلى أفعال، إلا أن عنصر المفاجأة، وفشل التفاهمات السابقة، جعل الشك يطغى على المشهد، من خلال أسئلة الإعلاميين، وتعقيب المحللين السياسيين، ومن على صفحات التواصل الاجتماعي.

لقد ترك الانقسام آثارًا سلبية ومؤلمة لدى الشعب الفلسطيني، لما نتج عنه من تبعات وارتدادات سلبية على المصلحة الوطنية، وبات من الصعب نسيان هذا الماضي القريب، وطي هذه الصفحة من خلال مؤتمر صحفي، ليس معروفًا إلى أين سينتهي، لا سيما أن المؤتمر المشترك، لم يتطرق لموضوع إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة.

لا يمكن إغفال الآثار السلبية التي خلفها سلوك كل من الحركتين ضد الآخر، على الأصعدة الإدارية، والإعلامية والثقافية، والاجتماعية والسياسية، والتي ساهم فيها الإعلام الحزبي، الذي حمل كل هذه الصور الحية، والمباشرة أحيانا، إلى أبعد العواصم، ضمن سياسة تسجيل النقاط. لقد تولد على إثر هذا السلوك، شعور عام باليأس من تحقيق المصالحة، وعدم الثقة بالقيادة. كما ساهمت عملية اصطفاف الفصائل الأخرى مع طرفي الانقسام، في تعزيزه واتساع فضائه، وشموله لطبقات اجتماعية وسياسية أخرى ليست جزءًا منه. يُضاف إلى ذلك، أن ما يعانيه المواطن الفلسطيني بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة، وإرهاصات أزمة وباء كورونا، وآثارها المباشرة على الوضع الاقتصادي، ألقت بظلالها على ثقة الجمهور بالقيادة، لا سيما في ظل استمرار الحصار والعقوبات المفروضة على غزة. ولذا، فإن هذا الواقع المتناقض، لا يترك مجالًا للثقة، ولا يسمح بتغيير النظرة التشاؤمية، إلا بتغيير هذه السياسات، ورفع الحظر والعقوبات، بشكل يؤدي إلى تحسن أوضاع الناس الحياتية والمعيشية.

لماذا التخوف الإسرائيلي؟

شكلت سنوات الانقسام فترة وردية وذهبية للاحتلال، الذي حرص على إبقاء الوضع على حاله، ووضع العراقيل أمام تحقيق المصالحة. فهذه المعادلة تحقق للاحتلال عددًا من الأهداف، فمن ناحية أمنية، شكّل تعاون أجهزة  السلطة في الضفة الغربية، من خلال التنسيق الأمني، حالة متميزة ومتقدمة، أدت إلى تحقيق حالة من الاستقرار الأمني، لم يحلم به العدو سابقا. كما ساهم الانقسام، وحاجة الأطراف الفلسطينية للحفاظ على الوضع القائم، في استمرار حالة الاستقرار الأمني في الضفة، والهدوء في الجنوب. وكذلك ساهمت سنوات الانقسام في تجفيف منابع ونشاطات حركتي حماس والجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، وخاصة النشاطات المسلحة. يُضاف إلى ذلك أن حركة فتح أعلنت عن حل جناحها العسكري “كتائب شهداء الأقصى”، وتبنت خيارات سلمية، مثل المقاومة الشعبية السلمية، والحراك الدولي والدبلوماسي، والمفاوضات، بل إن أجهزة السلطة قامت بملاحقة أي نشاط عسكري، حتى داخل حركة فتح نفسها. في ظل هذا الواقع، يعتقد الاحتلال أنه لن يجد فرصة أفضل من الظرف الحالي، ولذا فإنه يخشى أن يؤدي أي تقارب بين حركتي فتح وحماس، إلى تغيير الوضع القائم.

على الصعيد الدولي، طالما تذرعت “إسرائيل” بعدم وجود طرف يمثل كل الفلسطينيين، وذلك للتهرب من أي استحقاق، وللدفاع عن ممارساتها في تقويض أسس حل الدولتين، وعملت على الترويج لعدم أهلية الطرف الفلسطيني لتحمل مسؤولية إقامة دولة فلسطينية، والادعاء بأن إقامة الدولة الفلسطينية في ظل الانقسام، يترتب عليه مخاطر حرب أهلية. إلا أن هذه الرواية، ستهتز مصداقيتها في حالة إنهاء الانقسام، خاصة إذا تمكن الفلسطينيون من ترتيب أوراقهم، وإعادة بناء مؤسساتهم على أسس ومعايير دولية، من خلال الانتخابات.

تخشى “إسرائيل” هذا التقارب؛ لأن المصالحة تشكل فرصة لإعادة ترتيب الأوراق بشكل يسمح بتكامل الأدوار، والتوافق على برنامج مشترك، يجمع كل الجهود، ويأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل طرف، فتتمسك المقاومة ببرنامجها وسلاحها، وتواصل السلطة جهودها السياسية على الصعيد الدولي، وفي الميادين والمحافل كافة، متسلحة بغطاء ودعم فصائلي، وتأييد وإسناد شعبي كامل.

لقد استطاع قادة الاحتلال خلال الفترة السابقة، تحقيق اختراق وتقدم غير مسبوق في فضاء العلاقات مع بعض الأنظمة العربية، والتي لم تكن لتجاهر بذلك، لو كان هناك موقف فلسطيني مانع، إضافة إلى أن حالة الانقسام الداخلي، والاصطفاف مع محاور إقليمية، ساهم في تراجع الدعم العربي، وأضعف مناعة الممانعة ومعارضة التطبيع، وحيوية الجهد الحزبي والشعبي المقاوم، والمعارض للعلاقات مع الاحتلال، والتي تعتبر من أهداف الاحتلال الاستراتيجية، من أجل الوصول إلى علاقات طبيعية مع العالم العربي، بحيث تصبح “إسرائيل” كيانًا مقبولًا، ودولة طبيعية في المنطقة.

لم يكن لكثير من برامج الاحتلال أن ترى النور، لو امتلك الفلسطينيون أوراق القوة الحقيقية، وفي مقدمتها الوحدة والقرار والإرادة. ولهذا، فإن التقارب بين حركتي فتح وحماس، في حالة نجاحه، سيخلق ظروفًا صعبة أمام قادة الاحتلال، وسيضع معادلة جديدة قد تجبر قادة الاحتلال على التوقف، وإعادة النظر، وتغيير الحسابات، ولعل هذا الموقف المتقدم، يرغم الاحتلال، ويثنيه عن الإعلان عن الضم، تحسبًا لردة فعل فلسطينية موحدة.

خاتمة

لا شك أن سنوات الانقسام تركت آثارًا سلبية على جميع الأصعدة، الداخلية والخارجية، ولا شك أن إنهاء الانقسام، ونجاح المصالحة، وتحقيق الوحدة، هي من مقومات امتلاك القوة في مواجهة الاحتلال، وتأتي في سلم أولويات الشعب الفلسطيني، وتحظى بالمرتبة الأولى، وقد أبدى شعبنا امتعاضه من حالة الانقسام، ورحب كل مرة بجهود المصالحة، ولا شك أن أي جهد صادق وجاد في هذا الاتجاه، سيحظى بدعم وتأييد شعبي.

إن فتح وحماس تقفان اليوم أمام اختبار حقيقي وامتحان صعب، ومصداقية الطرفين على المحك، ولا يشفع لهما أي عذر، سوى الالتزام بما تم الإعلان عنه، والوفاء بما قطعوه من وعود. كما أن الثقة الممنوحة لهما، من الممكن أن تهتز، وبقوة، في حال الإخلال بالالتزام، أو في حال عدم النجاح في مقاومة مشروع الضم، وبذل كل الجهود لإفشاله.

كما أن النجاح في الوصول إلى تفاهماتٍ اليوم، وفي ظروف صعبة وعصيبة، يسجل لكلا الحركتين، وأن تحقيق الوحدة والعمل المشترك، وفي هذه الظروف الضاغطة، التي يتهيأ فيها قادة الاحتلال للإعلان عن برنامج الضم، يبعث برسالة ثقة وطمأنة داخلية، وبرسالة مباشرة للاحتلال، وبرسائل متعددة لكل الأطراف، والتي جاءت في الوقت المناسب، لتضع النقاط على الحروف، وتعيد الأمور إلى نصابها الصحيح.

ولعل تطبيق هذه التفاهمات، سيواجه عقبات وعراقيل متعددة، وستمارس أطراف عديدة ضغوطها، لمنع الوصول لدرجة متقدمة من الشراكة. ومن أهم العوائق المتوقعة وأخطرها، العوائق الداخلية، لذلك مطلوب إبداء قدرٍ عالٍ من الحزم والإصرار من قيادة الحركتين؛ لتذليل العوائق، وتحقيق التقدم المطلوب. ومن الأهمية بمكان هنا، التذكير بضرورة التحلي بالصبر، فهو جزء من أدوات النجاح، ولا يجوز الاستهانة بما أفرزته 13 سنة من الانقسام، من أمراض في جسد كل طرف، وما خلفته من مضادات تعيق  قبول الآخر، وتعطل العمل المشترك. ولتحقيق النجاح في تجاوز هذه المثبطات، لا بد من تخطيط سليم  وواع، ولا بد للقيادات من كلا الطرفين، أن تتحلى بالمسؤولية، وأن تترجم كل الوعود إلى أفعال، وأن تكون في مقدمة الصفوف، ويجب أن يرافق ذلك جهود مشتركة ومخلصة، إعلامية وإدارية وحكومية، وتغيير جذري في الخطاب، لينسجم مع مطالب الشعب الفلسطيني، وأمنياته وأحلامه، والذي لن يصبر طويلًا على استمرار الحالة الراهنة، أو العودة إلى الوراء.

كما يجب أن تنتقل الجهود من معالجة الحالة الراهنة، إلى وضع حلول للحالة المستعصية، وذلك من خلال ما يلي:

  • عقد العزم على النجاح فيما تم الإعلان عنه، خاصة ما يتعلق بمقاومة سياسات الاحتلال، وإفشال مخطط الضم، وتوفير كل ما يلزم في سبيل تحقيق ذلك.
  • الاستعداد لتحمل المسؤولية، ودفع الثمن أيا كان.
  • وضع ما تم التوافق عليه في سياق المصلحة الوطنية، وليس من باب الضرورة والتكتيك الفصائلي.
  • الانتقال من حالة رد الفعل إلى الفعل في مقاومة الاحتلال، وذلك بالتوافق على برنامج قواسم مشتركة، تأخذ بعين الاعتبار طبيعة المرحلة، والظروف الراهنة.
  • الانتقال من المرحلي إلى الاستراتيجي في العلاقات الوطنية الداخلية.
  • تشكيل قيادة موحدة للشعب الفلسطيني، من خلال عقد الإطار القيادي الموحد المتفق عليه، كقيادة انتقالية إلى حين إجراء الانتخابات، أو التوافق حول آليات إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.
  • الاستعداد لفتح كل الملفات، والبدء بورشة عمل مفتوحة ومتواصلة، وبمشاركة الكل الفلسطيني، تنتهي بوضع إجابات لكل القضايا المعروضة، للخروج بخارطة طريق وفق جداول زمنية لتطبيقها.
  • عمل مراجعة جادة للمرحلة السابقة، من أجل استلهام الدروس والعبر.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى