“المجلس المركزي وترتيبات فتح.. هل نحن على أبواب مرحلة التوريث؟”

أعلنت حركة فتح في 19 كانون الثاني/يناير2022 عن ترشيحها روحي فتوح لرئاسة المجلس الوطني الفلسطيني، خلفًا لسليم الزعنون الذي قدّم استقالته من المنصب الذي كان يشغله منذ عام 1996، كما اختارت حسين الشيخ مرشحًا لها لمنصب أمين السر في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

حراك فتحاوي مكثف تزامنًا مع انعقاد المجلس المركزي في مدينة رام الله خلال الأيام القادمة، وهو ما قد يثير مجموعة من الأسئلة في مقدمتها؛ ما هي الأولويات التي تحاول حركة فتح الآن ترتيبها بهذا التوقيت؟ وهل لما جرى خلال التحضير للانتخابات التشريعية التي اُلغيت العام الماضي دورٌ في هذه الترتيبات؟ وما هي محددات حركة فتح لاختيار مرشحيها للجنة التنفيذية ورئاسة المجلس الوطني؟ وكيف يمكن أن تنعكس هذه الخيارات على ما يمكن تسميته بـ”الوريث” لما بعد الرئيس محمود عباس؟ وهل هناك شخصية بحد ذاتها يتم التحضير لها لأن تكون مقبولة دوليًا ولدى القاعدة الفتحاوية لوراثة عباس؟ وكيف يمكن أن تكون شكل العلاقة مع القيادي الأسير مروان البرغوثي؟

هذه الأسئلة وغيرها، يحاول مركز رؤية للتنمية السياسية في اسطنبول، تقديم قراءة فيها من خلال مشاركة شخصيات سياسية وأكاديمية لفهم طبيعة المخرجات وتأثيراتها على الحالة الوطنية بعموميتها.

وفيما يلي أبرز ما طرحه المشاركون:

  • حركة فتح تمر بمرحلة إرهاصات داخلية قد تكون استكمالًا للإرهاصات التي مرت بها الحركة في التحضير للانتخابات التشريعية العام الماضي وأظهرت حالة من عدم التوافق الداخلي.
  • هناك تيار أو جهة متنفذة داخل حركة فتح تسعى إلى هندسة منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها بما يخدم توجهاتها المرحلية، وهذا قد يكون ضمن الحديث عن تهيئة المرحلة لما بعد الرئيس محمود عباس.
  • الفجوة ما بين قيادات حركة فتح قد تتسع، وبالتالي ينعكس على أطرها الداخلية، إضافة لاتساع الفجوة ما بين الحركة والشعب.
  • مروان البرغوثي يمتلك رمزية لا يُمكن تجاوزها، ولهذا السبب قد تبقى طبيعة العلاقة معه غير محسومة؛ حتى لا ينعكس ذلك على حالة الاستقرار الداخلي للحركة.
  • يُتَوَقّع بعض التغيرات في المجلس الثوري، واللجنة المركزية، لحركة فتح وبعض الأطر المرتبطة بها، لكنها ليست تغيرات كُبرى، وليست تغيرات في سلوك فتح، خصوصًا موضوع المقاومة الشعبية والالتزام بقرارات الشرعية الدولية.
  • المجتمع الدولي لن يدعم أشخاص، بل سياسات، بالتالي الحديث عن وريث عباس لن يكون لشخصه بقدر التزامه بالسياسات التي وضعها المجتمع الدولي، وهي الاعتراف بإسرائيل، ونبذ “العنف” والالتزام بقرارات الشرعية الدولية.
  • حسين الشيخ امتداد لسياسات الرئيس أبو مازن، وهو من يستطيع إكمال تلك السياسات في الأمن والاقتصاد، ومن هنا جاء ترشيحه حتى يكون أمين سر اللجنة التنفيذية.
  • ما يحدث داخل فتح تمهيد لمرحلة ما بعد أبو مازن، حتى يحدث انتقال هادئ في ظل عدم وجود منافس، المجلس المركزي سيصادق على قرارات فتح في الأيام القادمة.

 

خليل شاهين، مدير البحوث والسياسات في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية “مسارات”، رام الله

صدور قرار إلغاء الانتخابات يعني أن هذه العملية ستكون ضمن سلسلة تكريس الطابع الفرداني لقيادة المؤسسات الفلسطينية، حتى أن خيار الذهاب للانتخابات التشريعية في بدايته كان ضمن ذات الاعتقاد، أنه سيتم احتواء حركة حماس داخل المؤسسات، لكن ما حدث داخل حركة فتح نفسها من خلافات وتشظٍ دفع إلى عملية التأجيل؛ لوقف أي خسارة مشابهة لخسارة الانتخابات التشريعية عام 2006.

ما نشهده الآن داخل حركة فتح هو استكمال لذات المشهد الذي مرت به الحركة خلال التحضير للانتخابات التشريعية الأخيرة، ولكن هذه المرة بشكل أكثر سلبية، والهدف هو هندسة منظمة التحرير الفلسطينية وفق نهج التفاهم مع دولة الاحتلال، والتمسك بسياسة البقاء للسلطة وقيادتها وفق المقاربة الإسرائيلية الأمريكية التي تقوم على مفهوم ليس السلام الاقتصادي فحسب، بل أصبح الأمر الآن لا يتعدى الحفاظ على سياسة البقاء مقابل الحصول على بعض التسهيلات والفتات من المساعدات المالية.

باعتقادي ما يجري الآن، لا يمكن القول إنه يمثل كامل الحركة وليس قواعدها الشعبية، بل هو خيار جزء من الحركة، وبالتحديد الجزء المهيمن، فلم يعد هناك المعنى الحقيقي للمؤسسة الفتحاوية حتى على مستوى النقابات والقطاعات المهنية يتم تأجيل ورفض عمل انتخابات لها بهدف هندستها هي الأخرى، ضمن مفهوم تعزيز التحكم الفردي، وهذا المشهد لا يمكن أن يكون بعيدًا عن مشهد المجلس المركزي الذي يتم التحضير لانعقاده، وكذلك المجلس الثوري، وغياب واضح لمؤسسات منظمة التحرير.

في السنوات العشر الأخيرة جرى عملية تقويض واضحة لدور المجلس الوطني ومكانته، وتركيز الصلاحيات بالمجلس المركزي، والآن يتم تتويج ذلك بالإجهاز على منظمة التحرير الفلسطينية وتهميشها، وكل ذلك هدفه واضح أن يبقى هناك حالة ضمان لمنصب الرئيس بالاستمرار بالمعنى السياسي والقرار السياسي ضمن الدائرة المحيطة به، وعدم خروج القرار منها.

أما فيما يتعلق بالحديث عن الأسماء، خصوصًا الاسم الوريث للرئيس عباس، سواء أكان ذلك الذي يوجد عليه إجماع دولي أو إجماع القاعدة الفتحاوية، باعتقادي لا يوجد حسم بهذا الاتجاه، ولكن الأهم هو أن أي شخصية ستلقى قبولًا في هذا الإطار لن تكون خارج التركيبة والفهم السياسي لإدارة هذه المرحلة.

د. رائد الدبعي، سكرتير العلاقات الدولية لحركة الشبيبة، ومرشح فتح للمجلس التشريعي.

هنالك إجماع داخل فتح من حيث المبدأ على أن تأجيل الانتخابات التشريعية الأخيرة كان قرارًا صائبًا، وحتى لدى الشخصيات التي كانت في فتح وترشحت على قوائم أخرى، لأن موضوع القدس ليس موضوعًا خلافيًا. ما هو خلافي وما زال، طريقة تشكيل القوائم، وسلوك اللجنة المركزية المتناقض ما بين التصريحات والأفعال، عدا عن أن تشكيل القوائم لم يمر بمراحل ديمقراطية، فلم تعرض القوائم على المجلس الثوري، ولم يكن هنالك انتخابات داخلية أو تمهيدية.

حركة فتح اليوم مترددة بخصوص من ترشح على قوائم أخرى، البعض يرى أن الشخصيات التي ترشحت خارج فتح قد تم فصلها، والآخر يرى ضرورة إبقاء باب العودة مفتوحًا مع ضمانات لعدم التخلي مرة أخرى، وهذا فعليًا أضعف فتح وأربكها بعد تأجيل الانتخابات.

أما فيما يتعلق بالعلاقة مع مروان البرغوثي، فهو يمتلك رمزية لا يُمكن تجاوزها، رمزية نضالية، ورمزية شعبية تؤكدها استطلاعات الرأي، حتى الآن ليس هنالك اختبار لنتأكد كيف تسير العلاقة مع مروان، لكن المؤتمر الثامن القادم هو المحطة القادمة، وبالتالي يجب أن يتم استشارة مروان وإشراكه، لأنه يحظى بشعبية واسعة في فتح وخاصة فئة الشباب.

وكوننا على أبواب المؤتمر الثامن، ستحصل بعض التغيرات في المجلس الثوري، واللجنة المركزية، لكنها ليست تغيرات كُبرى، وليس هناك تغيرات استراتيجية في سلوك حركة فتح، وسيبقى موضوع المقاومة الشعبية والالتزام بقرارات الشرعية الدولية سيد الموقف، لا أعتقد أن تكون تغيرات كبيرة في الأشخاص، إلا مَن بات مكانه شاغرًا لوفاة أو لعامل السن.

وباعتقادي، من الطبيعي أن يتسلم حسين الشيخ ملف أمين سر اللجنة التنفيذية؛ كونه هو من يقوم بحمل الملف السياسي، وهو المتواجد مع الرئيس أبو مازن في هذا الجانب.

أما ما يمكن أن يكون مرشحًا مقبولًا للمجتمع الدولي، فالمجتمع الدولي لن ينظر لأشخاص، بل لسياسات، المجتمع الدولي له مطالب طالب بها فتح ويُطالب بها حماس، وأهم مطالبه الاعتراف بإسرائيل، ونبذ العنف والالتزام بقرارات الشرعية الدولية. لذا أعتقد أن فكرة المجتمع الدولي فيها تهويل. وفي القرار فلسطيني من يلتزم بمطالب المجتمع الدولي سيتم التعامل معه. المهم أن تتفق الأطراف الكبرى فلسطينيًا على موقف واحد.

وهنالك قضية مهمة، أن تتفق فتح على مرشح واحد، وأن يكون اختياره ديمقراطيًا، لكن فلسطينيًا، في ظل التأزّم والانقسام الفلسطيني الحاصل، من الصعب العبور لمحطة انتخابية قادمة، وحتى لو افترضنا أن شغور منصب الرئيس سيعني حلول رئيس المجلس التشريعي رئيسًا فلا يُوجد تشريعي، وإذا كان رئيس المجلس الوطني، فقد ترفض حماس وبعض الفصائل ذلك، وهذا ما يجعل المشهد متشائمًا.

إذًا، المهم ماذا نُريد، فاليوم المشهد معقد، الرئيس محمود عباس يحظى بشرعية دولية، لكن في ظل غياب هذه الشرعية سيطالب المجتمع الدولي بتجديد الشرعيات، وضرورة وجود محطات تجديد للشرعية، وفي حال لم تتوفر شرعية الاحتكام للصندوق، سينجح الاحتلال في تحويلنا لمربعات.

أما موقف القاعدة الفتحاوية، فليس المهم قواعد فتح، لأن القرار حقيقةً لا يُؤخذ من القواعد، السؤال الأهم، هل هنالك حالة من التوافق داخل النخبة القيادية في فتح، وتحديدًا المركزية، على شخصية من يأتي بعد الرئيس؟. قرار بهذا المستوى يعني ضرورة وجود توافق بين المركزية والثوري، وهذا جزء من الحل لتحديد الشخص، لكن حتى وإن تم، فالسؤال هنا عن رئيس فتح والسلطة والمنظمة، وفتح تستطيع أن تقرر رئيسها، لكن حال شغور المنصب لن توافق حماس وبعض الفصائل على انتخابات دون ضمان حقها في المشاركة.

 

د. حسن أيوب، رئيس قسم العلوم السياسية، جامعة النجاح الوطنية

قبل الانتخابات كان هنالك قلق من أن تتكرر تجربة 2006، ولم يكن هنالك إجماع على عدم خوض الانتخابات، ليس هنالك إجماع على قرارات الترشح للانتخابات، هنالك عدم رضا من فتح على فتح، وهنالك انقلاب من فتح على نفسها، وتخوف فتح في أي انتخابات ليس من حماس بالدرجة الأولى، ولكن التخوف من أن تأتي قيادات وكوادر فتحاوية جديدة.

أمّا علاقة فتح مع مروان البرغوثي فهي تزداد سوءًا، بالذات بعد التفاهمات الأخيرة في فتح، وهنالك انقلابٌ صريح على مروان.

وما يجري الآن لا أظن أن يندرج تحت مفهوم ترتيبات داخلية، فما يحدث تمهيد لمرحلة ما بعد أبو مازن، وانتقال هادئ في ظل عدم وجود منافس، والمجلس المركزي سيصادق على قرارات فتح في الأيام القادمة.

ويعتبر حسين الشيخ امتدادًا لسياسات الرئيس أبو مازن، وهو من يستطيع إكمال تلك السياسات في الأمن والاقتصاد، ومن هنا جاء الاختيار. هنالك ترتيبات لمرحلة انتقالية، والموجود سيتم التعامل معه، ضمن قواعد موجودة من المجتمع الدولي.

أما الشخصيات الأقرب لقاعدة فتح فأرى أنهما مروان البرغوثي، ومحمود العالول؛ لشعبيتهما النضالية.

 

سمر الأغبر، عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني

الوضع السياسي حاليًا بفلسطين دخل في منعطفات كثيرة، وبالتالي فعليًا كان من المهم والمطلوب أن يكون هناك دراسة كيفية اتخاذ قرارات مفصلية باتجاه تصحيح المسار السياسي والعلاقة الوطنية الداخلية، وهذا مطلوب من خلال إجماع وطني، لكن للأسف ما يجري الآن هو توجّه من حركة فتح لملء الشواغر في اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني، أكثر منه الهدف تطوير أو تعزيز المؤسسات الوطنية.

تم منح المجلس المركزي في السنوات الأخيرة صلاحيات المجلس الوطني بشكل مطلق، وهذا ربما يدفع باتجاه تعزيز سيطرة حركة فتح، وملء الشواغر، وفي مقدمتها شاغر أمين السر الذي تم ترشيح حسين الشيخ له، وهذا المنصب هو من يحصل من خلاله على الصلاحيات الكاملة التي تمكنه من تولي إدارة قيادة السلطة الفلسطينية في حالة غياب الرئيس محمود عباس، وفي ظل غياب مجلس تشريعي فلسطيني، وبالتالي قد يكون هناك عملية تهيئة مباشرة أو غير مباشرة، إلى أن يكون الشيخ هو الشخص المتوافق عليه من الأطراف المختلفة، وخصوصًا المجتمع الدولي، لتولي هذا المنصب عقب رحيل الرئيس عباس.

باعتقادي، استمرار هذه الخطوة سيخلق نوعًا من الأزمة الداخلية لدى حركة فتح وستتسع الفجوة بين تياراتها، خصوصًا تيار القيادي مروان البرغوثي، وكذلك اتساع الفجوة ما بين فتح والقاعدة الشعبية والجماهيرية التي ترى أن الحركة ومؤسساتها بعيدة بشكل واضح عن الواقع، وينحصر قرارها في دائرة معينة.

د. جمال حويل، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، وعضو المجلس التشريعي سابقًا.

حركة فتح تمر الآن في مرحلة حساسة ودقيقة، لأمرين الأول أنّ حركة فتح هي العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي القادرة على العبور بالشعب الفلسطيني إلى بر الأمان، والثاني أن حركة فتح بنفس الوقت تعيش حالة من الإرهاصات الداخلية خصوصًا على مستوى القيادة. فلا بد من انعقاد للمؤتمر الثامن للمجلس الثوري بهدف ترسيخ مفهوم الديمقراطية داخل أطر الحركة جميعًا. وبالتالي رفد الحركة بقيادات شابة، وفي حال لم يتم إحداث هذا التغيير وفق النمط الديمقراطي المؤسساتي المعروف يجعلنا نقول: إنه بات من المهم وضع خارطة مهمة لمستقبل الحركة بعيدًا عن مفهوم الإقصاء.

باعتقادي العلاقة مع مروان البرغوثي ما تزال قائمة، فهو ما زال ضمن مركزية فتح ومجلسها الثوري والتواصل معه قائم، والمطلوب زيادة المشاورة وعدم الإقصاء. وما نحتاجه الآن وضع آلية للاختيار، ومراجعة حقيقية للتجارب السابقة والبناء عليها. ولا بد أن يكون هناك رأي لحركة فتح وكذلك رأي للشعب، ولهذا لابد من الذهاب إلى انتخابات عامة للخروج من المأزق الحالي، وكذلك إجراء المؤتمر الثامن الذي بات انعقاده مهمًّا.

بخصوص الشخصيات المرشحة لما بعد الرئيس عباس، باعتقادي لا يهم اجتماع دولي أو غير دولي، المهم أن يقول الشعب الفلسطيني كلمته، واعتقادي أن كثيرًا من القيادات لديها الشرعية القاعدية وبنفس الوقت القبول الدولي، حركة فتح مشروعها قائم على اتفاق أوسلو والقانون الدولي بالتالي لن يتعارض من ترشحه مع الموقف الدولي.

في نهاية المطاف من المهم أن ندرك أن الحالة الفلسطينية الآن في مرحلة حرجة وأشبه بالبالون وبالتالي معرض للانفجار، ولهذا السبب يجب أن يكون هناك اختيار حكيم لشخصية القائد الذي يمكن أن ينقذ حركة فتح، وكذلك الشعب الفلسطيني، وأرى أنّ مروان البرغوثي هو المرشح الأقوى في هذا الاتجاه.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى