السيسي: بين السلام الدافئ والمبادرات العربية المصنوعة في “إسرائيل”

لم تقتصر العلاقة الحميمة بين النظام المصري الحالي و"إسرائيل" على التنسيق والتعاون الأمني في سيناء، بل امتدت إلى الحديث عن سلامٍ دافئ ومصالح مشتركة، وتشكيل محاور إقليمية، تضم "إسرائيل" ودولاً عربية في حلفٍ ضد أعداء مشتركين.
كما امتدت هذه العلاقة إلى طرح مبادرات عربية ما كان ليطرحها سابقًا أحد غير "إسرائيل". فالعلاقات الإسرائيلية العربية الحالية، وفي الوقت الذي عُلّقت فيه عملية السلام مع الفلسطينيين، دفعت حكومة نتنياهو، وعبر وزير خارجيتها السابق ليبرمان، إلى السعي نحو خلق وبناء جبهة إستراتيجية سرية ضد إيران.
فنتنياهو يقول منذ سنوات إن "إسرائيل" تشترك مع دول عربية في نفس الموقف من إيران، ولكن المطلعين على ما يدور من خفايا الأمور، يتحدثون عن حلف إستراتيجي بين "إسرائيل" ودول المنطقة، لبعض هذه الدول علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل"، ولكن البعض الآخر يقاطع "إسرائيل" رسميًّا وعلنًا.
صحيح أن السفراء العرب في واشنطن رفضوا، وبشكل دبلوماسي لبق، حضور خطاب نتنياهو عن الخطر النووي الإيراني في الكونغرس في آذار 2015، والذي أراد نتنياهو من حضورهم له أن يظهر للإدارة الأمريكية، أنه ليس الوحيد القلق من المسألة النووية الإيرانية. إلا أن المقال الذي كتبه رئيس تحرير موقع قناة العربية، فيصل عباس، قبل يوم من خطاب نتنياهو، وتحت عنوان "أنصت لنتنياهو يا أوباما"، أظهر دعمًا سعوديًّا علنيًّا نادرًا لـ "إسرائيل". وبعد ذلك بأيام، نشر كاتب آخر في السعودية مقالاً آخر تحت عنوان "إيران ليست عدوك وحدك يا نتنياهو" (تيبون، 2015).
يُعبِّر هذا الرفض المؤدب من قبل السفراء العرب من جهة، والمقالات الداعمة لـ "إسرائيل" من جهة أخرى، عن العلاقة المعقدة في السنوات الأخيرة بين "إسرائيل" وبعض الدول العربية. وفي المقابل، ترى "إسرائيل" أن التصريحات العربية التي تنتقدها، وتنتقد جرائمها ضد الفلسطينيين، هي مجرد ضريبة كلامية، لإظهار الأنظمة العربية وكأنها ما زالت ملتزمة بالقضية الفلسطينية، فقد قال وزير الدفاع السابق يعلون: "إن العرب في لقاءاتهم الثنائية معنا لا يذكرون الموضوع الفلسطيني بتاتًا". (تيبون، 2015)
الإعلام من ناحيته، ليس مطلعًا على ما يدور بين "إسرائيل" وهذه الدول العربية. في "إسرائيل"، يؤكد السياسيون أن نتنياهو ورث علاقات متقدمة بين مصر والأردن من جهة، ورئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت من جهة أخرى، وعلاقات استخبارية سرية مع عدد آخر من الدول العربية. وقد دلَّ على هذا التطور دعوة أولمرت لإلقاء خطاب أمام جامعة الدول العربية، وهو ما لم يفعله بسبب وضعه السياسي السيء آنذاك، والفضائح التي كانت تلاحقه، والتي أودت به إلى السجن في النهاية. كما يدل على ذلك زيارة كل من وزيري الخارجية المصري والأردني لـ "إسرائيل"، ممثلين عن جامعة الدول العربية، وزيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية في حينه تسيفي ليفني لقطر، ولقائها مع وزير خارجية البحرين، وأمثلة أخرى. (تيبون، 2015)
كما يرى الكاتب الإسرائيلي أمير تيبون، أن توتر علاقات "إسرائيل" مع قطر وتركيا خلق سببًا آخر للتقارب بين بعض الدول العربية و"إسرائيل"، غير السبب المتعلق بالعداء لإيران، فهم أيضا يعادون قطر وتركيا (تيبون، 2015) في ظل هذا الحديث، لا يجب أن نتفاجأ من دفء السلام الذي وصلت إليه "إسرائيل" مع مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.

دفء العلاقات بين النظام المصري و"إسرائيل"

رغم ما سبق، إلا أن الإسرائيليين أنفسهم تفاجؤوا من مستوى الدفء في العلاقة في عهد السيسي، فعشرات السنين مضت منذ توقيع اتفاق السلام -الذي كان سلامًا باردًا- لم تشهد هذا المستوى من التعاون والتنسيق، الذي شهدته السنة الأخيرة من العلاقة الدافئة سرًا، وفقًا للمصادر الإسرائيلية، وعلنًا كالزيارة الرسمية لمدير عام وزارة الخارجية دوري غولد للقاهرة، والذي افتتح فيها سفارة جديدة لـ "إسرائيل"، وعلّق "المزوزاه"  على بابها، وما تزامن مع الزيارة من الإفراج عن العميل الإسرائيلي عودة الترابين، الذي أمضى خمسة عشر عامًا في السجون المصرية، بالإضافة لتعيين سفيرٍ جديدٍ لمصر في تل أبيب، بعد غياب استمر ثلاث سنوات. (كايس و ايخنر، 2016)
المفاجئ حتى لـ "إسرائيل"، هو أنه، ورغم غرق مصر في أزماتها الداخلية، الاقتصادية والأمنية، إلا أن العلاقة مع "إسرائيل" قفزت للعناوين الرئيسة في وسائل الإعلام، والتي وصلت ذروتها في لقاء توفيق عكاشة مع السفير الإسرائيلي علنًا في القاهرة، وهو ما تسبب بفوضى في البرلمان المصري، فقد ضُرب عكاشة بالحذاء من قبل برلماني آخر. ولكن حادثة عكاشة لم تكن وحيدة، بل إن سلسلة أحداث مشابهة أظهرت أن هناك توجهًا جديدًا في العلاقة بين البلدين، وفي التعاون الأمني الوثيق بينهما، في ظل تهديد تنظيم الدولة في جزيرة سيناء، والذي تزامن مع أخبار عن اختراق طائرات مصرية للمجال الجوي الإسرائيلي أثناء غاراتها في سيناء. (كايس و ايخنر، 2016)
ولكن ما يمكن أن تعتبره "إسرائيل" دفئًا في العلاقة، هناك من يعتبره مجرد بالون اختبار من إنتاج السيسي، حيث يرون أن التطورات التي حصلت في المنطقة لا تسمح بإبقاء الوضع كما هو عليه، فالعلاقات بين البلدين تبقى محدودة في الحوار بين الضباط المصريين ونظرائهم الإسرائيليين، حيث يدرك هؤلاء أن مصر ما زالت لا تستطيع تطوير صفقات الغاز مع "إسرائيل" بسبب الرأي العام المصري، في الوقت الذي نجد فيه أن الوزير الذي عقد الاتفاق سابقًا مع "إسرائيل" اتّهم بالخيانة.
كما أن السيسي ما زال يعرف خطورة الرأي العام في هذا الجانب، ويعلم بأن القضية الفلسطينية ما زالت مؤثرة. فالرئيس الذي ذكر بأنه يُجري اتصالات هاتفية مع نتنياهو بين الحين والآخر، هو نفسه من قال في مقابلات سابقة بأن الانفتاح على "إسرائيل" مشروط بتقدم إسرائيلي باتجاه الفلسطينيين. والسيسي لا يتحدث عن اتفاق شامل، وإنما عن خطوة بالمستوى السياسي، وهو يقول ذلك لأنه يرى أن المصالح الإسرائيلية والمصرية متشابكة، كما يقوله بالتزامن مع الذكرى الـ 38 لاتفاق السلام، الذي نص على ضرورة حل القضية الفلسطينية، وهو ما لم يتم حتى الآن، وهو يرى أن مصالح البلدين التقت بشكل غير مسبوق ضد أعداء مشتركين، مثل التهديد الإيراني وداعش وحماس (كايس و ايخنر، 2016).

هناك العديد من المؤشرات التي تدل على حجم ما يدور خلف الكواليس من علاقات بين مصر و"إسرائيل"، منها على سبيل المثال:

  • تصريح وزير البنى التحتية "يوفال شتاينيتس" في شباط الماضي، عندما قال إن مصر أغرقت أنفاق حماس على حدود رفح بناء على طلب إسرائيلي. 
  • الزيارات المتكررة لمسؤولين إسرائيليين للقاهرة، ومن بينهم مبعوث نتنياهو "إيتسحاق مولخو"، وغيره من الضباط الكبار. 
  • لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع وفد من زعماء اليهود، وعلى رأسهم المقرب من نتنياهو "مالكوم هونلاين". 
  • موافقات "إسرائيل" المتكررة لمصر لاستخدام قوة عسكرية كبيرة في سيناء، في حربها ضد الجماعات المسلحة. 
  • تجاهل "إسرائيل" للملحق العسكري لاتفاقية السلام. 
  • تقديم "إسرائيل" الدعم لمصر في واشنطن من أجل إقناع الرأي العام بأن مصر تحارب الإرهاب، وذلك بهدف إقناع واشنطن بأن تكون أكثر انفتاحًا بشأن الدعم العسكري وغير العسكري لنظام السيسي. 
  • زيارة وفد من لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست برئاسة رئيس اللجنة "تساحي هنيجبي"، والتي أكدت لكل من قابلتهم في واشنطن أن مصر مستعدة، بقوة وبشكل صارم، لمواجهة ولاية سيناء التابعة لداعش، ومواجهة تهريب الأسلحة إلى حماس في قطاع غزة.
  • الرسائل التي ترسلها "إسرائيل"، والتي تُظهر رغبتها في أن ترى مصر مندمجة في الحلف الإقليمي مع اليونان وقبرص. (كايس و ايخنر، 2016)
  •  
  •  

وعلى الصعيد غير الرسمي، لم تكن حادثة عكاشة وحيدة في مصر، وإنما حصلت أحداث مشابهة، فمثلاً تحدث رئيس اتحاد كرة القدم المصري عن إمكانية استضافة "إسرائيل" للبطولة الدولية في كرة القدم، حتى سن تسعة عشر عامًا، وأبدى استعداده وبشكل مفاجئ لإرسال المنتخب المصري ليلعب في "إسرائيل"، واعتبر قطر أخطر على مصر من "إسرائيل"، ودعا إلى فصل الرياضة عن السياسة. وهذا يخالف ما عُرف سابقًا من انسحاب المصريين من الألعاب الرياضية التي تشارك فيها "إسرائيل". 

وقد سبق ذلك زوبعة ثارت حول وضع كتاب الصحفي الإسرائيلي "جاكي حوجي" في معرض الكتاب الدولي في القاهرة، حيث تدخل وزير الثقافة المصري وسمح بذلك. إضافة إلى تطور آخر، وهو إدخال اتفاقية السلام لمنهاج التعليم في المدارس المصرية. 

كل هذه الأحداث تُشكّل اتجاهًا واضحًا في مصر، خلاصته أن مصر بدأت تدرك ما في اتفاق السلام من فائدة. (كايس و ايخنر، 2016)

مبادرات عربية من إنتاج إسرائيلي

لا يخفى على أحد مدى انسجام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع القيادة الإسرائيلية، التي كال لها المديح مرارًا، حيث قال في لقاء له مع زعماء يهود من الولايات المتحدة، مادحًا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو: "نتنياهو زعيم قوي جدًّا، يسيطر على دولته تمامًا، ويستطيع أن يحكم المنطقة، وحتى العالم كله للمدى البعيد" (بروفوكاتور، 2016).

ولكن المسألة لم تقف عند الانسجام والمديح، ولم تقتصر على السيسي فقط، وليست في مجال العمليات العسكرية والأمنية فقط، وإنما باتت هناك ظاهرة يمكن تسميتها رياح عشقٍ تهبُّ من نخب مصرية تجاه "إسرائيل"؛ لم تكن حادثة توفيق عكاشة أولاها ولا آخرها، بل إن ما كانت تقترحه "إسرائيل" سابقًا، وكانت ترفضه الأنظمة العربية، والجمهور العربي عمومًا، أصبح اليوم يُطرح كمبادرات عربية.

فعبارات مثل: "فرص إقليمية"، و"شرق أوسط جديد"، و"تعاون إقليمي"، هي كلها عبارات أثارت مخاوف العرب سابقًا، لكنها تُطرح اليوم في صورة مبادرات عربية. وهي عبارات أصبحت دارجة في الحوار السياسي المصري، والسبب الحقيقي لذلك كما يرى الباحث الصهيوني أوفير فاينتر، من مركز دراسات الأمن القومي، هو أن الحكومات العربية لم تعد تعتبر "إسرائيل" عدوها اللدود (فاينتر، 2016).

إن إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في خطابه في السابع عشر من أيار 2016، بأن علاقة مصر و"إسرائيل" ستصبح أكثر دفئًا إذا حُلّت القضية الفلسطينية، ليس جديدًا، حيث جاءت تصريحاته على خلفية مؤتمر باريس للسلام، ومحاولات ضم حزب العمل الإسرائيلي للحكومة، والإعلان عن لقاء قمة إسرائيلي فلسطيني مرتقب في القاهرة. 

المبادرة العربية نفسها ربطت التطبيع باتفاق سلام مع الفلسطينيين، والفرق الآن هو أن التطبيع لا يُطرح كمجرد طُعُم لـ "إسرائيل"، لإغرائها بالمضي في طريق السلام، وإنما أصبح مصلحة عربية في شرق أوسط جديد، من حيث التعاون المعلن بين "إسرائيل" والدول العربية، من أجل ازدهار اقتصادي واستقرار أمني. (فاينتر، 2016)

شكّل إعلان السيسي مؤخرًا ذروة التصريحات في الإعلام المصري، والتي صدرت عن مسؤولين وقادة سابقين في الجيش وكتاب مستقلين، والذين طالبوا بإعادة النظر في مسألة التطبيع مع "إسرائيل"، ودرجة دفء العلاقات معها، وقد شبّهت هذه التصريحات السيسي بالسادات، إلا أن تحوُّل السادات في حينه كان باتجاه الولايات المتحدة، بينما يسعى السيسي لإقامة محور إقليمي يملأ الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة، ويضم، وفقًا لرؤية السيسي، كلاً من مصر و"إسرائيل" ودول الخليج العربي (فاينتر، 2016).

ومن أبرز من كُتب حول السلام الدافئ في مصر مؤخرًا، ما كتبته الكاتبة الصحفية مي عزام في صحيفة مصر اليوم، حيث كتبت تحت عنوان "هل العرب مستعدون لسلامٍ دافئ؟"، وأوضحت أن القضية الفلسطينية لم تعد على سلم اهتمام الجمهور العربي، وأن مسألة انسحاب "إسرائيل" من هضبة الجولان لم تعد ذات أهمية، بينما أصبحت حركات المقاومة في المنطقة، مثل حماس وحزب الله، حركات إرهابية في نظر عدد من الدول العربية. وفي ظل هذا الوضع، فإن السلام الدافئ، وفقًا لما كتبته عزام وآخرون، هو مصلحة إستراتيجية مصرية من ناحيتين:

  • من الناحية الأمنية: يعزز التقارب المصري الإسرائيلي التعاون ضد أعداء مشتركين، يهددون استقرار المنطقة وسلامتها، وهم إيران من جهة، والتنظيمات السلفية والجهادية من جهة أخرى. وعلى حد قولها، فإن أغلب الدول العربية لم تَعدْ تَعتبِر "إسرائيل" العدو اللدود لها، وإنما تضع دولاً أخرى قبلها في سلم العداء. 

    أما الكاتب الصحفي محمد علي إبراهيم، فأبدى قناعته بأن السلام الدافئ سيمكّن الدول العربية السنية من الجهر بعلاقاتها مع "إسرائيل"، وبلورة جبهة إقليمية موحدة، تواجه البحر الهائج الذي يبتلع المنطقة وشعوبها على حد وصفه. كما اعتبر أن هذا الحلف يُشكّل صفعة لإيران ووكلائها في المنطقة، على حد قوله، والذين وصفهم بأنهم يتاجرون بالقضية الفلسطينية، بهدف إسقاط الأنظمة العربية العلمانية، وتقسيم البلاد العربية على أساس طائفي، ويقاتلون أهل السنة تحت راية الجهاد الوهمية لتحرير القدس.
     

  • من الناحية الاقتصادية: يَعتبِر كُتّاب أعمدة مقربون من النظام المصري أن السلام الدافئ يمكّن من إقامة منظومة تعاون إقليمية، خاصة في مجالات الطاقة والنقل والتجارة. وكما قال مساعد وزير الخارجية المصري سابقًا، محمد حجازي، فإنه يمكن لـ "إسرائيل" أن تندمج بهذه المنظومة الإقليمية، ولكنه اشترط على "إسرائيل" إنهاء الاحتلال، وقبول القرارات الدولية وحل الدولتين، والاستعداد لمفاوضات على خلوّ الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، ففي مقال نشره في صحيفة الأهرام في كانون الثاني 2016، أعرب عن أمله بأن الرفاه الاقتصادي والاستقرار الأمني في المنطقة، والناتج عن التعاون الذي تقترحه مصر، سيشجّع "إسرائيل" على الخروج من عزلتها الإقليمية. 

    أما اللواء سمير فرج، رئيس إدارة الشؤون المعنوية في الجيش المصري سابقًا، فقد أشار إلى أوجه تعاون إسرائيلي مصري يوناني قبرصي في موضوع الغاز في البحر المتوسط، ففي مقاله في الأهرام في شباط 2016، أشار إلى أن البحر المتوسط أصبح دائرةً مهمةً، تؤثر على الأمن القومي المصري، لذلك دعا إلى توثيق العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية مع دول المتوسط القريبة من مصر، وإلى التوقيع على اتفاقيات تحفظ مصالح مصر العليا (فاينتر، 2016).

ترى مي عزام أن السلام الدافئ أمر اضطراري، وهي تقصد تغييرًا جوهريًّا في السياسة وليس مجرد تكتيك، فالتطبيع وحل القضية الفلسطينية، واستقرار مصر والسعودية، وأمنهما القومي، وحربهما على "الإرهاب"، هي أمور متلازمة، لذلك تنادي عزام بثورة على المبادئ والمصطلحات التي تربّت عليها، حتى تتواءم مع النظام الجديد. 

كتب صحفي آخر، يسمي نفسه نيوتون، في المصري اليوم، وفي أعقاب خطاب السيسي، بأن على مصر بعد عقود من الجوار مع "إسرائيل"، أن تُعدّل قانون الاستعداد للحرب منذ عام 1968، إلى قانون الاستعداد للسلام، وذلك حتى تستطيع أن تقطف ثمار السلام، خاصة بعد الثقة المتبادلة التي ظهرت فيما يتعلق بنشر الجيش المصري في سيناء، حيث أصبح ممكنًا خدمة مصالح البلدين، وإنهاء حالة اللاحرب واللاسلم (فاينتر، 2016).

رياح السلام التي تهب من مصر، وخاصةً من الدائرة القريبة من الرئيس السيسي، تعطي إسرائيل فرصة لتغيير مكانتها في المنطقة. فالخطط مثل "شرق أوسط جديد"، و"تعاون إقليمي"، والتي كانت تثير حساسية عند الدول العربية سابقًا عندما تطرحها "إسرائيل"، باتت اليوم تطرحها الدول العربية نفسها كمبادرات عربية، مع أنها ما زالت مثار خلاف في الشارع العربي. 

لن يكون سهلاً على الأنظمة العربية أن تؤيد هذه المبادرات دون تحرك جدي على صعيد السلام مع الفلسطينيين، وتجميد الاستيطان، وبدء مفاوضات على إقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967، وعاصمتها القدس، إضافة إلى إزالة العقبات الفلسطينية التي تُعيق تحقيق هذه الأحلام، وهي الانقسام وأزمة القيادة.

وعلى إسرائيل أن تدرك دورها في هذا النظام الجديد، وأن تندمج في هذه العملية، لكن عليها أيضا أن تدرك أن هناك ثمنًا يجب أن تدفعه، وأن تكون جاهزة لذلك (فاينتر، 2016).

مبادرة السيسي للسلام والدولة الفلسطينية في سيناء كانت مقترحا إسرائيليًّا 

وفقًا لمراسلة إذاعة الجيش، إيلائيل شاحر، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تقف خلف المبادرة السياسية، التي عرضها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في لقائه معه بتاريخ 6/9/2014، أي بعد أسبوعين من انتهاء الحرب على غزة عام 2014، وقد وصف الإعلام الإسرائيلي الخطة بالطموحة والشاملة. 

تَقترِح الخطة مضاعفة مساحة قطاع غزة بخمسة أضعاف على حساب شبه جزيرة سيناء، وإقامة دولة مستقلة للفلسطينيين فيها، أما الفلسطينيون الذين سيبقون في مدن الضفة الغربية، فسيحصلون على حكم ذاتي مقابل التنازل عن مطلب العودة لحدود 1967، وفقًا للخطة (اخبار القناة الثانية، 2014).

تقضي الخطة بنقل 1600 كم² من سيناء للفلسطينيين ليقيموا عليها دولة، ويستطيع اللاجئون الفلسطينيون أن يقيموا في هذه الدولة بدلاً من حق العودة لبلادهم، ويَشترط السيسي بأن تكون دولة منزوعة السلاح، ووفقًا لمصادر مقربة ومطلعة على تفاصيل الخطة، فإن الرئيس الفلسطيني رفضها بشكل قاطع، أما نتنياهو فكان على اطلاع كامل عليها، ولكنه لم يعرضها على أي من أعضاء حكومته، ولا حتى على المطبخ المصغر (اخبار القناة الثانية، 2014).

من الجدير ذكره أن هذه الخطة تتحدث عن الأراضي المصرية المحاذية تمامًا لقطاع غزة، وهي لم تكن من بنات أفكار الرئيس المصري، بل إن أكاديميين إسرائيليين اقترحوها قبل ثماني سنوات، وأعاد غيورا أيلاند، رئيس مجلس الأمن القومي سابقًا، طرحها على النظام المصري في عهد حسني مبارك، والذي بدوره رفضها في ذلك الوقت، أما السبب وراء اقتناع السيسي بهذه الخطة، وفقًا للتقديرات الإسرائيلية، فهو أن الجيش المصري فشل في مواجهة التنظيمات المسلحة في سيناء (غلوبوس، 2014).

ووفقًا لإذاعة الجيش الإسرائيلي، والتي نشرت الخبر عن مبادرة السيسي، فإن السيسي بذل جهدًا، ومارس ضغوطًا كبيرة على الرئيس الفلسطيني لإقناعه بتبني هذه المبادرة، قائلاً له: لقد بَلَغْتَ من العمر ثمانين عامًا، فإذا لم تدرك نفسك فإن من سيخلفك سيقبل بهذه المبادرة، ولكن الرئيس الفلسطيني رفض ذلك بشدة (غباي، 2014).

وفي مقابل حديث الإعلام الإسرائيلي عن المبادرة، نفت مصادر مقربة من السيسي هذا الخبر، بل واتهمت الرئيس السابق محمد مرسي بإبلاغ صحيفة اليوم السابع بأن الخطة طُرحت كأحد البدائل في عهده، ثم اقترحها على الفلسطينيين وفقًا لخطة الإخوان المسلمين ومؤامرتهم الدولية، حسب زعْم المصدر المصري، حيث تنازلوا عن قدسية أرض الوطن المصرية، التي دفع المصريون دماءهم دفاعًا عنها، وطلب من وسائل الإعلام المصرية عدم التعاطي مع هذا الخبر.

كما أن مصادر في حركة فتح -مقربة من الرئيس الفلسطيني- نفت الخبر بشكل قاطع، وقال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة إن كل ما نشره الإعلام الإسرائيلي، ثم الإعلام الفلسطيني ليس صحيحًا، ودعا الشعب الفلسطيني ووسائل الإعلام الفلسطينية إلى الحذر من هذا النوع من الأخبار.

لا دفء سياسيًّا بدون مقابل

لم يعد خافيًا على أحد مدى الدفء في العلاقة بين "إسرائيل" والنظام المصري في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، كما لا يخفى مدى التغلغل الإسرائيلي في النظام المصري، وحتى في النخب السياسية المصرية المحسوبة على النظام. 

فهذه المبادرات والأفكار والشعارات، التي تُطرح علنًا أحيانًا وسرًّا أحيانًا أخرى، ومن قبل الرئيس المصري نفسه، ومقربين منه، ومن قبل نخب مصرية تلتقي معه، تدعو كلها إلى التطبيع مع "إسرائيل"، وإلى سلامٍ دافئ معها، وإلى التنازل عن الحقوق العربية، الأمر الذي يكفي للتوصل إلى نتيجة مفادها أن "إسرائيل" أصبحت تتحكم في هذه النخب والقيادات، لدرجة جعلتها تدافع عن "إسرائيل"، وتطالب باعتبارها دولة طبيعية في المنطقة. 
وإذا كان الجيش المصري، كما يقول شتاينيتس، يشن حربًا ضد قطاع غزة بناءً على رغبة "إسرائيل"، فلا عجب أن تكون المبادرات التي يطرحها المصريون هي أيضًا رغبات إسرائيلية. وإذا سلمنا بما يقوله الإسرائيليون، وما قاله عكاشة عن دور "إسرائيل" في تثبيت دعائم الانقلاب، وتجنيد الدعم الاقتصادي والسياسي والعسكري له من الغرب، فإنه من الطبيعي أن تُقَدِّم مصر مقابل ذلك خدمات موازية ومكافئة لـ "إسرائيل".

التحرير والإشراف: عزيز كايد، عمر أبو عرقوب

 

المراجع:
أخبار القناة الثانية. (ايلول, 2014). يوزماه مفتيعاه ممتسرايم:مديناه فلستينيت بسيناي. تم الاسترداد من ماكو:
http://www.mako.co.il/news-military/israel-q3_2014/Article-cf155ec26225841004.htm
امير تيبون. (8 آذار, 2015). بيحد نيغد ايران،افال شآف احاد لا يغليه (معًا ضد إيران ولكن لا تتحدثوا عن هذا لأحد). تم الاسترداد من واللا:
http://news.walla.co.il/item/2835836
اوفير فاينتر. (7 حزيران, 2016). "همزراح هتيخون هحداش"-هغرساه همتسريت ("الشرق الأوسط الجديد" الصيغة المصرية). تم الاسترداد من مركز دراسات الأمن القومي: 
http://heb.inss.org.il/index.aspx?id=4354&articleid=11897
بروفوكاتور. (20 شباط, 2016). نسي متسرايم: نتنياهو"منهيغ حزاك مئود،اشير شوليت بمديناه شلو هيتيف فيخول لمشول بأزور او افيلو بعولام كولو لتفاح اروخ". (الرئيس المصري: نتنياهو زعيم قوي جدًّا يسيطر على دولته تمامًا وقادر على أن يحكم المنطقة وحتى العالم كله للمدى البعيد".). تم الاسترداد من بروفوكاتور:
http://provokator.co.il/%D7%A0%D7%A9%D7%99%D7%90-%D7%9E%D7%A6%D7%A8%D7%99%D7%9D-%D7%A0%D7%AA%D7%A0%D7%99%D7%94%D7%95-%D7%9E%D7%A0%D7%94%D7%99%D7%92-%D7%97%D7%96%D7%A7-%D7%9E%D7%90%D7%95%D7%93-%D7%90%D7%A9%D7%A8-%D7%A9/
روعي كايس، و ايتامار ايخنر. (1 آذار, 2016). يديعوت احرونوت. تم الاسترداد من ما عوميد ماحوري هتحمموت يحسي اسرائيل-متسرايم (ماذا يقف وراء دفء العلاقة الإسرائيلية المصرية): 
http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4772755,00.html
غلوبوس. (8 ايلول, 2014). توخنيت هشلوم شل السيسي:هكماة مديناه فلستينيت بسيناي (خطة السيسي للسلام: إقامة دولة فلسطينية في سيناء). تم الاسترداد من غلوبوس: 
http://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=1000969770
يوني غباي. (8 ايلول, 2014). هيوزماه شل سيسي:هكمات"مدينات عزة"بشيتح سيناي (مبادرة السيسي: إقامة "دولة غزة" على أرض سيناء). تاريخ الاسترداد היוזמה של א-סיסי: הקמת "מדינת עזה" בשטח סיני، من كيكار شبات:
http://www.kikar.co.il/%D7%94%D7%99%D7%95%D7%96%D7%9E%D7%94-%D7%A9%D7%9C-%D7%90-%D7%A1%D7%99%D7%A1%D7%99-%D7%94%D7%A7%D7%9E%D7%AA-%D7%9E%D7%93%D7%99%D7%A0%D7%AA-%D7%A2%D7%96%D7%94-%D7%91%D7%A9%D7%98%D7%97.html

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى